مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من الحسين بن عليّ عليهما السلام


الشيخ أمين ترمس
 

تعدّ رسائل الأئمّة عليهم السلام من جملة تراثنا الدينيّ. ومع أنّ الكثير منها لم يصل إلينا بسبب ظلم الحكام وجور الأمراء، إلّا أنّها في غاية الأهميّة على قلّتها. ما يهمّنا في هذا المقال هو تسليط الضوء على بعض رسائل الإمام الحسين عليه السلام التي كتبها في عهد يزيد بن معاوية.

* كُتب الكوفيّين
كان أهل الكوفة من أكثر الناس ميلاً إلى الإمام الحسين عليه السلام ورغبةً فيه لمعرفتهم به ولسكنه عندهم سنوات عدّة في زمن حكومة والده أمير المؤمنين عليه السلام، وأيضاً كانوا أكثر من غيرهم بغضاً ليزيد ومعاوية بسبب الظلم الذي ألحقاه بهم.

عندما شاع خبر امتناع الإمام الحسين عليه السلام عن بيعة يزيد بن معاوية وبلغ ذلك العراق، اجتمع الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد، فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله عليه، فقال سليمان: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تَقَبَّضَ(1) على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكّة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فأعلموه، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه، قال: فكتبوا:

"بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن عليّ عليهما السلام من سليمان بن صرد، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضى منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود. إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ..."(2).

أرسلوا كتابهم على وجه السرعة إلى الإمام الحسين عليه السلام، الذي كان حينها في مكّة، فوصله في العاشر من شهر رمضان.

ثمّ توالت الكتب، فكتب شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ومحمّد بن عمرو التيمي: "أمّا بعد، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار، فإذا شئت فأقدمْ على جند لك مجنّد والسلام"(3).

وهكذا، تتابعت كتب الكوفيّين، فكان يكتب الرجل والرجلان والجماعة في كتاب واحد أو في كتب متعدّدة ويوقّع عليها الآخرون حتّى تجاوزت العشرة آلاف كتاب. وكلّهم يدعون الإمام عليه السلام لينقذهم من ظلم يزيد وجوره.

* رسالة الإمام عليه السلام: "أُقدم عليكم وشيكاً"
قرأ الإمام عليه السلام الكتب وسأل الرسل عن الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل من الكوفة إلى الإمام عليه السلام:

"بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين، أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقثي من أهل بيتي، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، أُقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلّا الحكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام".

ثمّ دعا عليه السلام مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك(4).

قام مسلم بأداء دوره على أفضل ما يمكن، وعندما رأى كثرة الأنصار بادر بالكتابة إلى الإمام عليه السلام ناقلاً إليه واقع الأحداث التي تجري أمام عينيه في الكوفة.

انتقل مسلم إلى دار هانئ بن عروة فكتب رسالة للإمام عليه السلام وبعثها مع عابس بن أبي شبيب الشاكري يقول فيها: "أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذّب‏ أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإنّ الناس كلّهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى، والسلام"(5).

* رسالة الإمام عليه السلام: "فإنّي‏ قادم‏ عليكم"‏
عندما وصل كتاب مسلم إلى الإمام عليه السلام استبشر خيراً وتهلّل وجهه فرحاً، فلعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً، وتابع سيره حتّى بلغ منطقة الحاجر من بطن الرمّة، فبعث‏ قيس بن مسهّر الصيداويّ إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم:

"بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم، واجتماع ملئكم على نصرنا، والطلب بحقّنا، فسألت اللّه أن يحسن لنا الصنع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدّوا، فإنّي‏ قادم‏ عليكم‏ في أيّامي هذه إن شاء اللّه، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته"(6).

أقبل قيس بن مسهّر الصيداويّ إلى الكوفة بكتاب الحسين عليه السلام‏، حتّى إذا انتهى إلى القادسيّة أخذه الحصين بن تميم، ثمّ حصلت معه الحادثة المعروفة عند عبيد اللّه بن زياد، حيث قُتل رضوان الله عليه.

هذه سياسة الأمويّين في تعاملهم مع خصومهم، فحتّى الرسول يُحترم في كلّ الأعراف وعند كلّ الشعوب إلّا عند بني أميّة، فإنّهم لا يتعاملون حتّى بالعرف الجاهليّ.

* لإتمام الحجّة
كانت للإمام عليه السلام رسائل عدّة إلى أعيان البصرة وكبارها أيضاً يحثّهم فيها على الوقوف في وجه الظالمين وجورهم ونصرة الحقّ وأهله.

إلّا أنّ وجهة الإمام الحسين عليه السلام بقيت نحو الكوفة، وكلّ الذين راسلهم وكتب إليهم إمّا لم يستجيبوا له أو استجابوا ولكن وصلوا متأخّرين. وهو عليه السلام كان يعلم ما ستؤول إليه الأمور وأنّ أغلب الذين كتبوا إليه سينكثون عهدهم، ولكن كان لا بدّ له من الاستجابة لدعوتهم، وإلّا لوجّه الكثير من المحبّين وجميع المبغضين سهام لومهم نحو الإمام عليه السلام بتركه من دعاه. وما إرساله مسلم بن عقيل لأخذ البيعة له إلّا لإتمام الحجّة عليهم، وما قدومه عليهم بعد ما كتب إليه مسلم إلّا وفاءً منه بوعده لهم.

ولا يوجد أيّ علاقة بين خروج الإمام عليه السلام من المدينة المنوّرة والرسائل التي وصلته من العراق لأنّها كانت، وجميع كتب أهل الكوفة، تصل إليه وهو في مكّة. وإنّ بقاءه في مكّة قد تجاوز أربعة أشهر وبضعة أيّام، وخلال هذه المدّة كان عليه السلام يعبّئ الناس ضدّ حكم يزيد بن معاوية ويستنهضهم للوقوف في وجه ظلمه وجوره.

* "ومَن تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الفَتحَ"
كان الإمام عليه السلام قد كتب وصيّته في المدينة وأعطاها أخاه محمّد بن الحنفيّة، وبيّن فيها أهداف ثورته، وألقى الحجّة على الناس عامّة وعلى بني هاشم خاصّة عندما كتب إليهم وهم في المدينة: "بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم‏، من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم: أمَّا بَعدُ، فَإنَّهُ مَن لَحِقَ بي مِنكُم اسْتُشْهِدَ مَعي، ومَن تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الفَتحَ، والسَّلامُ"(7).

وهذه الرسالة على قصرها وقلّة كلماتها إلّا أنّها تتضمّن أبلغ المعاني وأعلى الحجج، وثمّة أكثر من قول في تفسير مراد الإمام عليه السلام من (الفتح). ولعلّ أقربها إلى الواقع أنّ الذين خذلوا الإمام عليه السلام سوف يندمون على خذلانهم ولن يتمتّعوا بحطام الدنيا، وسيبقون أيضاً في ضيق الحال وخيبة الآمال.

لم تكن هذه الرسالة الوحيدة التي وجّهها الإمام عليه السلام إلى بني هاشم، فحفظ لنا التاريخ رسالة أخرى، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ جدّه الحسين عليه السلام كتب من كربلاء إلى أخيه مُحَمَّد بن الحنفيّة: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏، مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَمَنْ قِبَلَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، أَمَّا بَعْدُ، فَكَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ وَكَأنَّ الْآخِرَةَ لَمْ‏ تَزَلْ،‏ وَالسَّلَامُ"(8).

العجب كلّ العجب من هذا الكلام الخاصّ الذي يختاره الإمام عليه السلام في مخاطبة أهله من بني هاشم، فالكلمات قليلة والجمل قصيرة، إلّا أنّ المعاني جليلة والمغزى بعيد لا يدركه إلّا من فتح الله عليه أبواب العلم الربّانيّ.

(1) تَقَبَض: أي انزوى على الناس ولم يسمح لهم أن يبايعوه.
(2) الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 36-37.
(3) المصدر نفسه، ج 2، ص 38.
(4) المصدر نفسه، ج 2، ص 36.
(5) وقعة الطف، أبو مخنف، ص 111.
(6) تاريخ الطبري، الطبري، ج 4، ص 297.
(7) بصائر الدرجات، الصفار، ج 1، ص 482.
(8) كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 75.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع