مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج

داليا فنيش*


منذ عقود، ينام أطفال فلسطين ولبنان ويصحون على أصوات القذائف والصواريخ. وقد ازداد هذا الوضع سوءاً عندما شنّ العدوّ الصهيونيّ حربه الهمجيّة الأخيرة على قطاع غزة منذ بضعة أشهر، حتّى بتنا نشاهد، يوميّاً، كيف يرتجف هؤلاء الأطفال خوفاً، ونسمع صرخاتهم وآهاتهم التي قد تكشف عن صدمات نفسيّة عديدة، أو ما يُعرف بصدمة الحرب أو اضطراب ما بعد الصدمة. أمام همجيّة العدو، ينبغي معرفة كيفيّة التعامل مع هذه الحالات للحدّ من تأثير هذه الصدمات في حياة الأطفال مستقبلاً.

* أعراض اضطراب ما بعد الصدمة
تتباين بعض أعراض الاضطراب ومظاهره بين الأطفال وفقاً لمتغيّر أعمارهم وخصائص نموّهم ومشكلاتهم، فالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و12 سنة يوظّفون مهاراتهم المعرفيّة أو الانفعاليّة أو الاجتماعية في حُسن التعامل مع الصدمة.

من هنا، تأخذ اضطرابات ما بعد الصدمة عند الأطفال أشكالاً عدّة، تشمل:

1. الاسترجاع البصريّ للأصوات: يستعيد الطفل الأصوات التي تعرّض لها بشكل صور بصريّة يعبّر عنها باللعب والرسم.

2. نسيان ترتيب الأحداث: يروي ما حدث معه ولكن من دون ترتيب، وأحياناً يحذف جزءاً منها، وهذه محاولة غير واعية للتخلّص من بعض المشاهد والأفكار التي لا يستطيع تحمّلها.

3. زيادة الخوف والتوتّر: نرى الطفل دائماً في حالة توقّع حدث مخيف، كأن يتعرّض للخطر من خلال حركاته اللاإراديّة، فيخشى النوم بمفرده أو الدخول إلى الحمام، ويلتصق بأمّه دائماً، ويبكي بكثرة، ويربط بعض الأفعال بالصدمة التي تعرّض لها، فإذا كان القصف قد حدث أثناء تناول الطعام مع عائلته مثلاً، سوف يعتقد أنّه سيتكرّر كلّما تناول الطعام، فترتجف يداه ويصفرّ وجهه.

4. تراجع القدرة على التركيز: نجد الطفل غير قادر على التركيز أو الانتباه لبضع دقائق خلال عمليّة التواصل مع الآخرين، فنراه شارد الذهن، ويتلعثم بالكلام، ويجيب عن مواضيع أخرى.

5. زيادة الغضب والعنف السلوكيّ واللفظيّ: تظهر لدى الطفل سلوكات غير مرغوب فيها تنعكس سلباً عليه وعلى الآخرين، مثل: الغضب لأتفه الأسباب، والضرب والتكسير، والسبّ والشتم، والإحباط، وعدم الرغبة في مشاركة اللعب مع الآخرين.

6. رفض الحدث وإنكاره: هذا السلوك مؤذٍ جدّاً للطفل ويلحق به الضرر، فهو لا يريد تصديق أنّ الحدث قد حصل معه بالفعل فينكره، كما أنّه يرفض الاستماع إلى أيّ شيء ليس لديه القدرة على تنفيذه.

هذه الأعراض قد تستمرّ لمدّة قصيرة أو طويلة، وهي تشبه أعراض التوتّر النفسيّ إلى حدّ ما، ويمكن أن تحدث نتيجة لأحداث مختلفة، لكنّها ترتبط بحدث صادم خارج التجربة الإنسانيّة العاديّة.

* عوامل تؤثّر في استمرار الصدمة
إنّ مدّة استمرار اضطراب ما بعد الصدمة تتوقّف على عوامل نفسيّة واجتماعيّة وعائليّة عدّة، منها:

1. عمر الطفل: إنّ المرحلة العمريّة الحرجة للطفل من حيث التأثّر بصدمات الحرب هي 3-7 سنوات و12-14 سنة. أمّا مرحلة 8-11 سنة فتتميّز بأنّها الأقلّ تأثّراً من حيث ظهور الاضطرابات السلوكيّة.

2. قوّة الصدمة وطبيعتها: وجد بينوس(1) أنّ التلامذة الذين تعرّضوا أكثر لخطر القنّاص مباشرةً في المدرسة يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بصورة أشدّ من رفاقهم الذين كانوا أقلّ تعرّضاً لذلك.

3. حالة الطفل النفسيّة السيّئة قبل الحادثة: وذلك بسبب ظروف عائليّة أو نفسيّة غير سويّة كالحرمان والشعور بالنبذ والاكتئاب.

4. انفعال الأهل: إنّ عدم تمكّن الأهل من التعامل مع الصدمة بشكل واع يؤدّي إلى تفاقم حالة الطفل. لذلك، فإنّ نضجهم الانفعاليّ وقدرتهم على التكيّف مع الظروف الصعبة هما من الأمور المهمّة جدّاً في طريق المساعدة.

5. فقدان الاتّصال والحوار بين الطفل والأهل: وذلك من خلال التزامهم الصمت والحذر، في حين أنّ التحدّث عن الصدمة وتعبير الطفل عن مخاوفه ومشاعره يساعدان هذا الأخير على التخفيف من آثارها.

6. المستوى الاقتصاديّ: أي سوء الأحوال الماديّة عند الأهل، خصوصاً إذا وصلت إلى درجة الفقر والعوز.

7. النقص في الدعم الاجتماعيّ: الناتج عن غياب الأبوين أو انفصال الطفل عنهما لسبب ما.

8. الأخطار الخارجيّة: كالتهديد والقتل وأعمال العنف والاعتداء.

* من المسؤول عن تحصين الطفل؟
1. الأهل: يلعب الأهل دوراً مهمّاً في تحصين الطفل ضدّ الضغوط على اختلاف أنواعها، وذلك من خلال سلوكهم المتّزن أمامه وقت الأزمات. وفي الحالات المعاكسة، يدفع الأهل الخائفون والانفعاليّون بالطفل إلى المزيد من الاضطراب والقلق، لأنّهم القدوة والمثال.

تجدر الإشارة إلى أهميّة دور الأمّهات في ظروف كهذه في احتضان أطفالهنّ الذين يتعلّقون بهنّ أكثر ويحتمون بهنّ بسبب الخوف، ولكنّ بعضهنّ، مع الأسف، يصرخن في وجوه أطفالهنّ ما يخلق جوّاً من الخوف والقلق لديهم.

2. الإعلام: إنّ ما تبثّه وسائل الإعلام خلال الحرب والأزمات، من أخبار وصور ومشاهد تقشعرّ لها الأبدان وتنفر منها النفوس الحسّاسة، سوف تؤثّر سلباً وبشكلٍ مباشر على الأطفال.

3. المدرسة: يمكن للمدرسة أن تكون بيئة أساسيّة في علاج الطفل من صدماته، لأنّها تشكّل أثبت نظام حياة اجتماعيّ بالنسبة إليه.

* العلاج من اضطراب ما بعد الصدمة
ينصح الأطبّاء النفسيّون بضرورة العلاج المبكر للأطفال، لأنّه كلّما تأخّر العلاج أصبحت الصدمة جزءاً من التكوين النفسيّ للطفل والمراهق، فتلازمهما بقيّة حياتهما.

من هنا، يمكن أن يساهم الأهل في مساعدة أطفالهم على علاجهم من هذا الاضطراب من خلال:

1. إخبار الطفل بأنّ الإحساس بالانزعاج عند حدوث شيء سيّئ أو مخيف هو أمر طبيعيّ.

2. تشجيعه على التعبير عن مخاوفه وأفكاره، دون التدخّل في ما يعبّر عنه.

3. حمايته، قدر الإمكان، من التعرّض مَرّة ثانية لأحداث الصدمات النفسيّة.

4. إرجاعه إلى نظام الحياة العاديّ.

5. السماح له بالبكاء والتعبير عن مشاعر الحزن.

6. السماح له بحريّة اختيار عدد من الأنشطة اليوميّة.

7. استيعابه وعدم انتقاد تصرّفاته.

* لحديث سليم مع الطفل
من المهمّ الاستماع إلى ما يقوله الطفل للتعبير عن مخاوفه وهواجسه. لذلك، نقدّم للأهل مجموعة من الخطوات التي عليهم القيام بها حتّى تحقّق تلك المحادثة جدواها، وهي:

1. الجهوزيّة للاستماع: أبلغوا طفلكم برغبتكم في الاستماع إليه ومعرفة شعوره. أمّا إذا كان غير مستعدّ لذلك، فلا تضغطوا عليه، بل طمئنوه أنّكم ستكونون بقربه عندما يرغب في التحدّث.

2. اختيار الوقت والمكان المناسبَين: اختاروا الوقت والمكان المناسبَين للحديث معه، بعيداً عن مصادر التشتّت والأصوات الصاخبة.

3. عدم إعطاء النصائح: تجنّبوا الرغبة في التخمين، أو وضع افتراضات، أو إعطاء النصائح، أو قول: أنا أعرف بماذا تشعر الآن.

4. معرفة متى يجب إنهاء الحديث: عندما تشعرون أنّ المحادثة تمثّل ضغطاً عليه، أنهوها، وأكملوا الحديث في وقت آخر.

بالإضافة إلى كلّ ما سبق من إجراءات علاجيّة، فإنّ استشارة مختصّ في هذا المجال يُحدث فرقاً في عمليّة التعافي.

حمى الله أطفال فلسطين ولبنان وكلّ أطفال العالم من كلّ شرّ وسوء.


*مختصّة في العلاج النفسيّ.
(1) شاهد على العنف، بينوس، ص 306-319.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع