مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

عقيدة المخلّص في الأديان السماويّة


الشيخ غسان الأسعد


لا شكّ في أنّ العقيدة المهدويّة تعدّ من أهمّ ما يميّز الشيعة الإماميّة، وهي ليست مجرّد عقيدة نظريّة منسيّة في طيّات الكتب التراثيّة القديمة، أو نظريّة تُناقش في الأروقة العلميّة المعمّقة وحسب، بل هي حيّة وحاضرة في وجدان كلّ الناس، وتشكّل الخلفيّة الأيديولوجيّة والفكريّة للحركات الثوريّة التي تهدف إلى التخلّص من كلّ أشكال الظلم والعدوان والهيمنة.

* المخلّص: عقيدة مشتركة
إنّ الاعتقاد بيوم الخلاص أو بخروج المخلّص في هذا العالم هو من العقائد المشتركة بين مختلف الأديان السماويّة وغير السماويّة، وإن كان الاختلاف في أوصاف المخلّص وما يرافق قيامه وظهوره من تفاصيل هو محلّ خلاف بينهم، ولكن مع ذلك، يوجد قدر مشترك بين جميع هذه الديانات وغيرها، وهو الأمل بيوم تتخلّص فيه البشريّة من الظلم والجور وتتحقّق فيه الدولة العالميّة العادلة.

يؤكّد علماء الاجتماع والباحثون في الدراسات التاريخيّة أنّ الاعتقاد بوجود المخلّص ظهر بأشكال مختلفة في المجتمعات الإنسانيّة على الرغم من اختلاف بيئاتها وتباين ثقافاتها وأفكارها وتنوّع انتماءاتها وأديانها، وهذا يدلّ على الاعتقاد بأنّ العالم سيصل في نهاية المطاف إلى مستوى من التطوّر والكمال والرقيّ، بحيث لا يقع الظلم في هذا العالم، وهذا تعبير عن نزوع فطريّ في الإنسان ناشئ من ميله إلى الكمال، فكان الخلاص تعبيراً عن هذا الميل والنزوع.

* الأمل... فطرة
لا شكّ في أنّ الأمل هو الشعور الأكثر حضوراً في المجتمع الإنسانيّ، فلا يخلو أيّ مجتمع من الأمل الذي يدفعه للوصول إلى حياة أفضل. وقد جاءت الديانات السماويّة، وخاصّة الدين الإسلاميّ، لتبرز هذه العقيدة المترسّخة في فطرة الإنسان، ولتؤكّد عن طريق الوعد الإلهيّ القاطع بأنّ هذا اليوم سيأتي، وأنّ المخلّص سيخرج ليقيم دولة العدل الإلهيّة ليتخلّص الناس من كلّ أشكال الجور والظلم. ولكنّها لم تكتفِ ببيان الأمور العامّة أو الوعد الإلهيّ فقط، بل أشارت إلى جملة من التفاصيل والأوصاف الخاصّة بهذا المخلّص.

وبناءً عليه، فإنّ هذا يعني أنّ هذه العقيدة ليست مجرّد عقيدة غيبية بعيدة عن الواقع، بل هي متوافقة مع فطرة الإنسان وتتقاطع معها وتشبع هذا الميل المزروع في فطرة الإنسان وتنمّيه.

من هنا، فإنّنا لا بدّ من أن نستعرض كيفيّة ظهور هذه العقيدة في مختلف الديانات السماويّة وغيرها، لنؤّكد على التقاطع والانسجام بين هذه العقيدة والميل الفطريّ في الإنسان.

* المخلّص في الديانات السماويّة
تشترك الديانات السماوية في الاعتقاد بظهور مخلص آخر الزمان، يحقق العدل ويقيم الموازين السماوية على الأرض بكلمة الله. ورغم الاختلاف في بعض التفاصيل، إلا أن أساس قضية المخلص حتمي في هذه الديانات، ويعود ذلك إلى مصدر الوحي الإلهي الذي أنبأ عن ذلك ووعد به.

1. في الديانة اليهوديّة: تبشّر الديانة اليهوديّة بخروج المخلّص في آخر الزمان، فقد ورد في سفر المزامير: "اَلَّلهُمَّ، أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ، وَبِرَّكَ لابْنِ الْمَلِكِ. يَدِينُ شَعْبَكَ بِالْعَدْلِ، وَمَسَاكِينَكَ بِالْحَقِّ. تَحْمِلُ الْجِبَالُ سَلاَماً لِلشَّعْبِ، وَالآكَامُ بِالْبِرِّ. يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ، وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ. يَخْشَوْنَكَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ، وَقُدَّامَ الْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. يَنْزِلُ مِثْلَ الْمَطَرِ عَلَى الْجُزَازِ، وَمِثْلَ الْغُيُوثِ الذَّارِفَةِ عَلَى الأَرْضِ. يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ الصِّدِّيقُ، وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ. مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً. وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ"(1). فهذا النصّ واضح في دلالته على الخلاص الذي ينتظره اليهود، وهو من يسمّى عندهم بالملك، والذي سيقضي على الجور والظلم ويحكم العالم. هذا ويعتقد اليهود أنّه عندما يظهر المسيح، فإنّه سيقيم مملكة الله، وهم ينتظرونه للعودة إلى أورشليم(2).

2. في الديانة المسيحيّة: أمّا في المسيحيّة، فقد ورد في إنجيل متّى: "وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ"(3). ولكنّ الجدير بالذكر أنّ المخلّص في العقيدة المسيحيّة يرتبط بالمسيح نفسه، الذي يخلّص الإنسان من ذنوبه، ولكن ثمّة مخلّص آخر يعبَّر عنه في الأدبيّات المسيحيّة بالروح القدس الذي يظهر بعد المسيح، وهو من يسمى أيضاً بالمعزّي، ويكون مخلِّصاً لمن آمن به وعمل بالتعاليم المسيحيّة. بالتالي، فإنّ الخلاص على يد المعزّي سيكون خلاصاً فرديّاً وليس اجتماعيّاً، وهذا يختلف اختلافاً كبيراً عن فكرة المخلّص في الإسلام. ومع ذلك، هذا لا يضرّ بما ذكرناه من أنّ القدر المشترك بين جميع الديانات وجود من يسمّى بالمخلّص، وهو الذي يوصل الإنسانيّة إلى كمالها بما يوافق الفطرة الإنسانيّة.

* المخلّص في الديانات غير السماويّة!
-الديانة الزرادشتيّة: تؤمن الزرادشتيّة عموماً أنّ زرادشت هو المخلّص الأوّل للبشريّة من الفسق والطغيان، ولكن أتباع هذه الديانة يؤمنون بوجود ثلاثة مخلّصين، وأنّ المخلّص الأخير الذي سيأتي هو المسيا الموعود، وعندما يظهر ستزيد المحبّة حتّى بين الحيوانات ويكتمل علم الطبّ، وتطول الأعمار ولا يموت الناس إلّا بالقتل، وتزول الشيخوخة والأمراض، وتتحقّق في هذه المرحلة الأخيرة جميع أماني البشريّة، حيث يدوم الفرح وتزول الشرور (4).

من اللافت أن نلمح اعتقاداً بمخلّص آخر الزمان لدى ديانات لم تستند إلى الوحي الإلهي بشكل مباشر، ومنها ما ظهر قبل ميلاد المسيح عليه السلام. ولربما وجد تأثرٌ ما بدعوى أنبياء سابقين بشّروا بالمخلص، وربما أيضاً دعت فطرة الإنسان إلى توقه لتحقيق العدل بعد خيبة الأمل من حكومات البشر.

* الخلاص فكرة سائدة في التيارات الفكرية
1. في الفكر الأفلاطونيّ: لا يقتصر الأمر على الديانات القديمة، حيث إنّنا نجد أنّ الأمل بوصول البشريّة إلى مرحلة تتخلّص فيها من الشرور والمفاسد حاضرٌ في كلمات كثير من الفلاسفة، ومنهم أفلاطون، وذلك في حديثه عن الجمهوريّة الفاضلة، وغيره من الفلاسفة والمفكّرين الذي سعوا إلى تقديم نظريّات يرون أنّها تستطيع أن توصل البشريّة إلى كمالها النهائيّ.

2. في الفكر الماركسيّ: من هنا، نجد أنّ الفكر الماركسيّ الإلحاديّ يعتقد أنّ البشر سيصلون في نهاية المطاف إلى المجتمع الشيوعيّ المثاليّ الذي تنتفي فيه الملكيّة وكلّ نوازع الطبقيّة والتعارضات، وكلّ أنواع الصراع.

3. في الرؤية الليبراليّة: في الجهة المقابلة، فإنّ أصحاب الرؤية الليبراليّة الرأسماليّة يرون أنّ الرأسماليّة تمثّل الكمال النهائيّ للبشريّة، وأنّها الأمل بتطوّر الإنسان وحرّيّته.

* المنقذ وعدٌ إلهيّ
انطلاقاً ممّا ذكرناه، يتبيّن أنّ قضية المخلّص الموعود والأمل بخروج منقذ للبشريّة للوصول إلى المجتمع المثاليّ ليست عقيدة يمكن أن تختلف الديانات في تفاصيلها، بل هي وعد إلهيّ برز في مختلف الديانات، وكان أكثرها وضوحاً وتفصيلاً ما ورد في الديانة الإسلاميّة، وخاصّة عند الشيعة الإماميّة من تفاصيل ترتبط بظهوره، وهو ما أكّده القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5). واللافت أنّ بعض المدارس الفكريّة خارج الدين، تؤمن بضرورة الوصول إلى إقامة العدل وتحقق الكمال الاجتماعيّ، ما يدل على فطرية ذلك الأمل، واشتراك البشر في تحقق "الخلاص"، فكان هذا الوعد الإلهيّ في قيام الحكومة العالميّة العادلة على يد صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف تجسيداً لهذا النزوع وتلبيةً لهذه الحاجة الفطريّة، التي قد توحّد الناس ما إن يظهر، أو معظمهم؛ لأنّهم جميعاً يتوقون إلى ذلك اليوم.


(1) سفر المزامير، 27: 1 - 11.
(2) راجع: نظريّة المهدويّة في الديانات – مقاربة علميّة، موحديان، ص 47.
(3) إنجيل متى، 24: 30.
(4) المسيح المخلّص في الأديان والحضارات القديمة، عوني، ص 91.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع