آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ممّا لا شكّ فيه، أنّ أحد عوامل استقرار حياة المؤمن، التمتّع بجسمٍ وروح سليمين. من هنا، ثمّة مجموعة من الأحاديث والروايات التي أولت موضوع صون النفس والمحافظة على الجسم وعدم الإضرار به أهميّة خاصّة، وأكّدت على ضرورة المحافظة على صحّتها وسلامتها، لدرجة أنّ بعض تلك الروايات عبّر عن أعضاء البدن بالأمانة التي أودعها الله الإنسان. وقد ذكر الله تعالى أنّ صيانة الأمانة من أهمّ الخصوصيّات التي تميّز المؤمن والمصلّي الحقيقيّ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ (المعارج: 32). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... والسمعُ أمانةٌ، والبصرُ أمانةٌ، واللسانُ أمانةٌ، والقلبُ أمانةٌ، ولا إيمانَ لمن لا أمانةَ له"(1).
* أهميّة صون النفس والمحافظة على سلامتها
قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عليّ! مَنْ ترك الخمر لغير الله(2) سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال عليّ عليه السلام: لغيرِ الله؟ قال: نعم، والله مَنْ تركها صيانةً لنفسه يشكرُهُ الله على ذلك"(3).
وفي حديث شريف آخر: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يُباتَ على سطح غير مُحَجَّرٍ(4)، كما خاطب صلى الله عليه وآله وسلم أبا ذرّ بقوله: "... وخُذْ مِنْ صحَّتك لسُقْمِكَ..."(5)، وكذلك صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح وأمسى وعنده ثلاثٌ، فقد تمَّت عليه النعمةُ في الدنيا: مَنْ أصبحَ وأمسى معافىً في بدنه، آمناً في سربِهِ، عنده قوتُ يومه، فإنْ كانت عنده الرابعة فقد تمَّتْ عليه النعمةُ في الدنيا والآخرة وهو الإسلام"(6)، وأيضاً روي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأمنُ والعافية نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس"(7).
وقال الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام: "شيئان لا يعرِفُ فضلَهُما إلَّا من فَقَدَهما: الشبابُ والعافية"(8). وفي تفسيره للآية المباركة: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: 77)، يقول عليه السلام: "لا تنسَ صحَّتَكَ..."(9)، وقال عليه السلام أيضاً في تفسير الآية: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ (التكاثر: 8): "الصحَّة..."(10).
طبعاً، النعمة الكبرى، بلا شكّ، هي ولاية أولياء الله، كما ذكر الإمام جعفر الصادق عليه السلام في ذيل الآية الشريفة بقوله: "نحنُ مِنَ النَّعيم"(11).
كما قال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: "العافية نعمةٌ خفيَّةٌ، إذا وُجدت نُسِيَت وإذا فُقِدَت ذُكِرَت"(12)، وقال عليه السلام: "خمسٌ مَنْ لم يكُنَّ فيه لم يتهنَّأ بالعيش: الصحَّة..."(13).
* عوامل السلامة
1. الاهتمام بطريقة الأكل والملاحظات الصحيّة: قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ أكل الطعام على النقاءِ، وأجادَ الطعام تمضُّغاً، وتركَ الطعام وهو يشتهيه، ولم يحبِسِ الغائِطَ إذا أتى؛ لم يمرض إلّا مَرَض الموت"(14).
وفي وصيّته عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام: قال: "ألا أُعلِّمك أربع خصالٍ تستغني بها عن الطبّ؟ قال: بلى. قال: لا تجلس على الطعام إلَّا وأنتَ جائعٌ، ولا تَقُم عن الطعام إلَّا وأنت تشتهيه، وجوِّدِ المضغَ، وإذا نمتَ فاعرِضْ نفسك على الخلاءِ، فإذا استعملتَ هذا استغنيتَ عن الطبِّ"(15).
وقال الإمام الرضا عليه السلام: "لو أنَّ الناس قصَّروا في الطعام لاستقامَتْ أبدانهم"(16)، ونقل عن المعصوم عليه السلام قوله: "من قلَّ طعامه صحَّ بدنُهُ وصَفَا قلبه..."(17).
وقال رسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم: "المعدة حوضُ البدنِ والعروقُ إليها واردَةٌ، فإذا صحَّت المعدة صدرت العروق بالصحّة، وإذا سقِمَت المعدة صدرت العروق بالسّقَم"(18)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "المعدة بيتُ كلِّ داءٍ والحِمْيَةُ رأسُ كلِّ دواءٍ فأعطِ نفسك ما عوَّدْتَها"(19).
وقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "المعدة بيتُ الداء"(20).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اخْتِنُوا أولاكم في السابع، فإنَّه أطهرُ وأسرعُ لِنَبَاتِ اللحم..."(21).
2. السفر: قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "سافروا تَصحُّوا..."(22).
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: "حُجُّوا واعتَمِروا تَصِحَّ أجسامكم..."(23).
3. قيام الليل: عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "قيامُ الليل مصحَّةُ البَدَنِ..."(24).
4. السكوت: قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "... السكوتُ سلامةٌ"(25).
فالسكوت في المواضع التي تنتفي فيها الضرورة للكلام مدعاة للراحة النفسيّة، كما يقي السكوت في بعض الحالات من العواقب غير المحمودة، مثل الخصومة والعداوة التي تعرّض سلامة الإنسان للخطر.
* استراحة الجسم
المحافظة على الجسم والروح يجب أن تقترن بالاهتمام باستراحة أعضاء جسم الإنسان أيضاً، وألّا يشقّ عليها. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "فلا تَجُبَّ فَهمك بالإلحاح على قلبك، فإنَّ لكلِّ عضوٍ من البدن استراحة"(26).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "مَنْ باتَ ساهراً في كسبٍ ولم يُعطِ العينَ حظَّها مِنَ النوم، فكسبُهُ ذلك حرامٌ"(27)، وإن كان ماله حلالاً. وقال عليه السلام أيضاً: "الصُّنَّاعُ إذا سهروا الليل كلَّه، فهو سُحْتٌ"(28) [بحيث لا يراعون حقّ العين]، عدا حالات الاضطرار، مثل أوقات الحرب، أو لإنقاذ حياة المرضى وما شابه.
وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "رأسُ الحِمْيَةِ الرّفْقُ بالبدن"(29). وقال الإمام الرضا عليه السلام: "أنَّ النوم... قِوَامُ الجسدِ وقُوَّته"(30).
* تجنّب إيذاء الجسم
عن المريض الذي يخفي تفاصيل مرضه عن طبيبه، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ كَتَمَ الأطبّاء مَرَضَهُ خانَ بدَنَهُ"(31).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "... إنَّما الإسرافُ فيما أَفْسَدَ المالَ وأضَرَّ بالبدن..."(32). عَدَّت هذه الرواية الإضرار بالبدن من أمثلة الإسراف وهو من الكبائر.
هي توصيات بسيطة للمحافظة على جسم سليم ومعافى، بعيداً عن المشاكل العضويّة والأمراض.
* مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، ص 89-94.
(1) الشيخ هادي النجفي، موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، ج 8، ص 370.
(2) قصد القربة إلى الله هو شرط مسبق لبعض التكاليف الشرعيّة، كالصلاة والصوم، بينما ينتفي هذا الشرط في واجبات أخرى كثيرة. كافية الأصول، ج 1، ص 72؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك المحرّمات وترك الشراب.
(3) الشيخ الصدوق، الفقيه، ج 4، ص 353.
(4) الشيخ الكليني، الكافي، ج 6، ص 530.
(5) الديلمي،إرشاد القلوب، ص 70.
(6) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 8، ص 148.
(7) السيوطي، الجامع الصغير، ج 1، ص 477.
(8) الشيخ الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص1400.
(9) الصدوق، الأمالي، ص 299.
(10) الديلمي، مصدر سابق، ص 38.
(11) الطوسي، الأمالي،، ص 272.
(12) الشيخ الصدوق، الفقيه، ج 4، ص 406.
(13) البرقي، المحاسن، ج 1، ص 9.
(14) الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص 146.
(15) الشيخ الصدوق، الخصال، ص 229.
(16) الشيخ الطبرسي، مصدر سابق، ص 362.
(17) الراوندي، الدعوات، ص 77.
(18) الهندي، كنز العمال،ج 10، ص 38.
(19) مستغفري، طبّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ص 19.
(20) الشيخ الطبرسي، مصدر سابق، ص 362.
(21) المصدر نفسه، ص 230.
(22) الشيخ الصدوق، الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص265.
(23) الراوندي، مصدر سابق، ص 76.
(24) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج2، ص121.
(25) الحراني، تحف العقول، ص 223.
(26) الشيخ الريشهري، مصدر سابق، ج4، ص3326.
(27) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 5، ص 127.
(28) المصدر نفسه.
(29) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج59، ص141.
(30) المصدر نفسه، ج 59، ص 316.
(31) الشيخ الريشهري، مصدر سابق، ج4، ص2887.
(32) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 4، ص 53.