السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر قدس سره
إذا كانت فرضيّة القائد المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ممكنة بكلّ ما تستبطنه من عمر طويل، وإمامة مبكرة، وغيبة صامتة، فإنّ الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً.
فكيف نثبت وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
يعرض هذا المقال الأدلة الإسلاميّة على ذلك.
* روايات كثيرة
إنّ فكرة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عموماً، وفي روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً، وأُكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشكّ. وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من طرق إخواننا أهل السنّة، كما أُحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من طرق الشيعة والسنّة، فكان أكثر من ستّة آلاف رواية، وهذا رقم إحصائيّ كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهيّة التي لا يشكّ فيها مسلم عادة.
* الأدلّة على وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر عليه السلام، توجد لها مبرّرات كافية وواضحة للاقتناع به. ويمكن تلخيص هذه المبرّرات في دليلين:
أحدهما إسلاميّ؛ نثبت من خلاله وجود القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو يتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة من أهل البيت عليهم السلام والتي تدلّ على تعيين المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وكونه من أهل البيت عليهم السلام.
والآخر علميّ؛ نبرهن من خلاله على أنّ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس مجرّد أسطورة وافتراض، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخيّة.
* الدليل الإسلاميّ: بماذا تصرّح النصوص؟
تُحدد مئات الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، قضيّة المهدويّة بشكل عام، وتشخّصها في الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام. وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار على الرغم من تحفّظ الأئمة عليهم السلام واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العامّ؛ وقايةً للخلف الصالح عجل الله تعالى فرجه الشريف من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته.
وليست الكثرة العدديّة للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل ثمّة إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحّتها؛ نذكر شاهداً واحداً منها:
- "إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر": يُثبت الحديث النبويّ الشريف وجود الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً، على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة. لقد أحصى بعض المؤلّفين رواياته، فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة، والسنّة بما فيها كتاب البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، ومسند أحمد ، ومستدرك الحاكم على الصحيحين. ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للأئمة الجواد والهادي والعسكريّ عليهم السلام، وفي ذلك مغزى كبير؛ لأنّه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يتحقّق مضمونه، وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً.
وهذا يعني أنّه لا يوجد أيّ مجال للشكّ في أن يكون نقل الحديث متأثّراً بالواقع الإماميّ الاثني عشريّ، أو انعكاساً لواقع متأخّر زمنيّاً؛ لأنّه لا يمكن أن يسبق في ظهوره وتسجيله في كتب الحديث، ذلك الواقع الذي يشكّل انعكاساً له.
فما دمنا قد ملكنا الدليل الماديّ على أنّ الحديث المذكور، قد سبق التسلسل التاريخيّ للأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، وضُبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإماميّ الاثني عشريّ، أمكننا أن نتأكّد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع، وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربّانيّة، نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: "إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر". وجاء الواقع الإماميّ الاثنا عشريّ ابتداءً من الإمام عليٍّ عليه السلام وانتهاءً بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبويّ الشريف.
وهكذا، إنّ هذه الأدلّة، فضلاً عن الإجماع الحاصل بين السنّة والشيعة، كلّها تثبت وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وفي العدد القادم، نعرض الدليل العلميّ.