إعداد: سكينة عبد الله
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾
(يوسف: 1-3).
•لفتة قرآنيّة
قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً﴾ (الإسراء: 82). لماذا قال الله تعالى عن القرآن "شفاء" ولم يقل دواء؟!
إنّ الدواء قد يشفي الإنسان من الداء وقد لا يشفيه؛ أمّا القرآن فهو شفاءٌ لكلّ داء، وكرامة الشفاء رحمةٌ بالمؤمنين خاصّة(1).
•مفردات قرآنيّة
1. قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30).
الفطر: أصل الفطر عند العرب شقّ البئر طولاً، والشقّ بمعنى الذرء والبرء، أي الإخراج من العدم، وطولاً كما مبدأ وجود الإنسان الاستقامة.
هذا في اللغة، وقد استخدم القرآن هذه المفردة لبيان معنى أصيل في الإنسان؛ ففطرة الله هي ما ركّزه تعالى في تركيب الإنسان من النزوع الدائم إلى معرفته، فلا يمكن تبديل هذا النزوع ولا تحويله لاستقامته، ولكن تُطمس الفطرة في حالة الكفر(2).
2. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15).
المناكب: جمع منكب بمعنى الكتف، والكتف أنسب عضو لوضع الحِمل عليه. ومناكب الأرض تصوير فنّيّ غاية في الجمال، يصوّر موارد الكسب الحلال في هذه الأرض، التي أسند الله إليها رزق الإنسان؛ فوضع حمل رزقه عليها(3). وعليه، تحمل المفردة إشارةً لطيفة، أنّ مالك المُلك تكفّل برزقك أيّها الإنسان، وذلّل الأرض لك، وجعل رزقك على عاتقها وأكتافها، فما عليك إلّا أن تسعى وتطلب الحلال طلباً حثيثاً، يليق بهذا الاقتدار والتمكين.
•تأمّلات قرآنيّة
قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 63).
لاحظ:
•لا يكفي إنفاق كلّ ما في الأرض، لجمع قلوب الناس؛ إذاً، هو خارج قدرة البشر.
•لا يستطيع أيّ نظام حياة أن يؤلّف القلوب، ويملأ المجتمع محبّةً وودّاً وأخوّةً؛ لأنّها رابطة إيمانيّة عُقد عليها القلب ولا تُشترى بثروة ولا يُحقّقها أيّ نظام أعدّه الإنسان، وروابط الإيمان إنّما تُزرع بروح الارتباط بالله، وتُسقى بالوفاء والتضحيات.
•الأحقاد والضغائن لم يكن بالإمكان إزالتها، لا بالمال ولا بالجاه؛ لأنّ الجاهليّة كانت تغذيها بالانتقام الذي يتكرّر ولا ينتهي. والأمر الوحيد الذي أمكن به قلع تلك الجذور الفاسدة من أناسٍ حديثي العهد بالإسلام، هو إحداث ثورة عارمة وتغيير شامل في الأفكار والأرواح والعقائد؛ وذلك لا يتوفّر إلّا في ظلّ الإيمان والتوحيد الخالص فحسب(4).
•ببركة الإسلام العزيز؛ صيّر الله مجاميع القلوب في قبضته ليبسطها على خليقته. لقد صاغ الشخصيّة المؤمنة على تعاليم الشريعة ليَصُبَّها في قالب أُمّة التوحيد فالتحمت بمن يجمعها في العقيدة والدين وتشكّلت جسداً واحداً وروحاً واحدة، ذلك أنّ الله عزيزٌ لا يُقهر وحكيمٌ فيما يُشرّع(5).
•سبب النزول: معركة بدر توحّد قلوب المؤمنين
قبل بدر، كان المسلمون حديثي الإيمان، وكانوا فئتين:
1. الأنصار بأوسهم وخزرجهم، قبيلتان من أقوى قبائل المدينة، كانتا منقسمتين وبينهما دماء وثارات، وتنافس وتحاسد وحروب.
2. المهاجرون من أهل مكّة، كانت صدورهم مليئة بالأضغان والأحقاد والغزو، وعاداتهم ما زالت جاهليّة(6).
غسل الله بين الأنصار والمهاجرين بالإسلام تلك الأحقاد وأزالها؛ بحيث ألّف من تلك القلوب عِدّة أهل بدر التي وقعت في(17) من شهر رمضان المبارك، تلك العدّة التاريخيّة (313) من أبطال الإسلام؛ وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن لا يعوّل على غير هذه الرابطة الإيمانيّة القويّة، نواة الجيش الإسلاميّ الأوّل، قليلٌ في نفره، قويٌّ متماسكٌ في فعله، وقد استطاع أن ينزع الغربة عن وجه الإسلام الفتيّ(7). وبذلك نزلت الآية الكريمة: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 63).
•سؤال قرآنيّ: ما هو صيام الأمم من قبلنا؟!
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة: 183).
تفضي الآية الكريمة إلى معادلة شاملة: الصوم يؤدّي إلى التقوى؛ لذلك كان الصوم تشريعاً مشتركاً في جميع الشرائع والأديان، كما صرّحت بذلك الآية الكريمة نفسها، ما يشير إلى أنّ ما يعطيه الصوم للإنسان يمثّل ضرورةً من الاحتياجات البشريّة الأولى. ولكن تنوّعت صور الصوم في الأمم السابقة، إلى أن أخرجته الشريعة الإسلاميّة بهذه الصورة الأخيرة الكاملة. وبعض صور الصوم عند الشرائع الأخرى(8):
1. الصوم حزناً.
2. الصوم توبةً وتضرّعاً إلى الله.
3. الصوم كفّارةً.
4. الصوم الموقوت.
5. الصوم الخاصّ، كما جاء في القرآن الكريم أنّ السيّدة مريم والنبيّ زكريا عليهما السلام صاما عن الكلام نذراً بأمر من الله.
ويختلف الأمر المصوم عنه، لكنّ أشهره عن الطعام والشراب، ومنه الصيام عن بعض الأفعال كالكلام.
1.السيّد عبّاس الموسويّ، أوضح البيان في تفسير القرآن، ص 290.
2.الأصفهاني، المفردات، ص 382.
3.الشيخ قراءتي، تفسير النور(نسخة إلكترونيّة).
4.يراجع: الشيخ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 5، ص 480.
5.المصدر نفسه، ص 185.
6.يراجع: المظفر، السقيفة، ص 67.
7.يراجع: الشيخ مكارم الشيرازي، مصدر سابق، ج 5، ص 480.
8.يراجع: المصدر نفسه، ج 1، ص 525.
الليلكي
سناء شكر
2023-04-01 17:21:58
أحسنتِ التسلسل بالمفاهيم وإيصال المعلومات بشكل سلس .