مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

حركة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف امتـداد لثورة كربـلاء

(لقاء مع سماحة الشيخ كاظم ياسين)
حوار: الشيخ قاسم بيلون


تشكّل قضيّة ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف العنوان الذي يتّجهُ إليه الناس بقلوبهم وعقولهم، لما تحمله من بارقة أمل للبشريّة جمعاء، وفي طيّاتها العديد من التساؤلات التي تهمّ كلّ مؤمن بهذه القضيّة الحتميّة وينتظر الخلاص الموعود. ومن خلال تتبّع مجموعة من نصوص التراث الخاصّ بالحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، نلحظ علاقةً خاصّة بين حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وبين القضيّة الحسينيّة في أبعاد عدّة.

في حوارنا مع سماحة الشيخ كاظم ياسين، أستاذ الحوزة العلميّة والمحقّق الباحث في مصادر التاريخ والسيرة، طرحنا بعضاً من هذه التساؤلات المرتبطة بشكل مباشر بالعوامل المشتركة بين النهضتين، وعلاقتهما بالمخطّط الإلهيّ لإصلاح البشريّة.

* أين يكمن دور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في المخطّط الإلهيّ لقافلة البشريّة؟
أودّ أن أشير إلى مجموعة من النقاط يمكن التعبير عنها بأنّها تفصيل في البناء، وتشكّل الخريطة التأسيسيّة أو الخريطة الإلهيّة للمواضيع المرتبطة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ أوّلها- حينما بعث الله عزّ وجلّ الأنبياء عليهم السلام لهداية الناس، عبر التكاليف الإلهيّة؛ فبدأ أول التشريعات الإلهيّة مع النبيّ آدم عليه السلام، الذي جهّزه الله عزّ وجلّ لكي يحمل مسؤوليّة خلافة الله في الأرض؛ لأنّ الإنسانيّة كانت قد وصلت في ذلك الزمان إلى مرحلة المدنيّة، وما يعنيه ذلك من ارتكاب للجريمة، وسرقة لأموال الغير، وغيرها من السلوكيّات الخاطئة.

النقطة الثانية- حين توسعت المدنيّة وتعدّدت، فتكوّنت القبائل والجماعات، ونشأ عند القبيلة الأقوى روح التسلّط، فظهر الطواغيت والجبابرة: روملوس، هولاكو، جنكيزخان، فالأقوى يسيطر على بقية القبائل، وزعيمها الدموي فرض نظاماً لسيطرة نفوذ قبيلته على الباقين. ربما أشهر من ذكرهم القرآن الكريم هو "فرعون"، وفي التاريخ ظهر المئات من الفراعنة. من هنا، يمكن إطلاق تعبير "الفرعونيّة" على كلّ تلك الممارسات، التي ابتدعت الشرك والوثنيّة في عقول الناس وقلوبهم، وسارت بسنّة البطش والسلطة وغلبة الأقوى. وقد قام "الفراعنة" بالتنكيل بالأنبياء عليهم السلام وقتلهم، والتفّوا على دين الله عزّ وجلّ وحرّفوه، وأخذوا يشرّعون ويحلّلون ويحرّمون كيفما شاؤوا. فسيطرت "الفرعونيّة" اليهوديّة على دين موسى عليه السلام، و"الفرعونيّة" المسيحيّة على دين عيسى عليه السلام. وأمام احتمال قيام "الفرعونيّة" من جديد بعد ظهور الإسلام، جعل الله دوراً للأئمّة عليهم السلام ليكونوا داعمين لحركة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم في مواجهة تلك الحركة، وصولاً إلى الدور الخاتم الذي سيقوم به صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في إزالة هذه "الفرعونيّة" من الأرض.

* إذا كانت إزالة الظاهرة "الفرعونيّة" قاسماً مشتركاً بين حركة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وبين حركة الإمام الحسين عليه السلام، فما هي القواسم المشتركة الأخرى بينهما بشكل عام؟
عندما نأتي للحديث عن الإمام الحسين عليه السلام وثورته، نرى أنّه أسّس في كربلاء الحجر الأساس لنقض عرى "الفرعونيّة" التي أصبحت واضحة المعالم وكشّرت عن أنيابها في زمانه، ولذلك نُخصص لإحياء هذه القضيّة بما تحمله من رسائل وقيم وشعارات وتربية ومنهج... عشرة أيّام في محرّم من كلّ عام، نقيم فيها مراسم العزاء، وكذلك في الأربعين، تعبيراً عن الولاء لأوّل مبارز لهذه "الفرعونيّة". كما استطاع الإمام الحسين عليه السلام بثورته أن ينصر الإسلام في مواجهة خطّ الظلم والطغيان والفساد، وقد أورث هذه القيمة لأتباعه، وباتت وصيةً مكلّلة بـ "حرارة في قلوب المؤمنين".

في المقابل، ستحمل معركة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بشارات التحرّر من هذه الظلامات. فعندما يظهر الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، سوف يسلّط سهامه على هدف أساسيّ، ألا وهو تخليص المستضعفين من أمثال الإمبرياليّة الأمريكيّة وأدواتها ووسائلها المضلّلة من الإعلام والموبقات، وأجهزتها والكيانات الإرهابيّة التي أنشأتها في المنطقة. وتؤول في حركته جميع بركات حركة الإمام الحسين عليه السلام؛ لتكون الشعارات هناك، مخططات عمل هنا، وصرخات الأجيال هناك، حركةً وعملاً هنا، و"يا ليتنا كنا معكم" هناك، لتصبح "نفوز فوزاً عظيماً" هنا.

* نقرأ في دعاء الندبة: "أين الطالب بدم المقتول بكربلاء"، إضافةً إلى ورود لقب "يا ثار الله" في حركة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، كيف نفهم هذا المعنى في حركة وظيفتها تأسيس العدالة؟
إنّ حركة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، التي ستأتي في آخر الزمان، مرتبطة بنهاية المخطّط الإلهيّ لقافلة البشريّة؛ وهي بطبيعة الحال نتاج وامتداد لخطّ الأنبياء عليهم السلام أيضاً، وقد اختتم الله عزّ وجلّ هذه السلسلة من الأنبياء بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي وُلد ونشأ في مكان شاء الله سبحانه أن لا يخترقه أيّ فرعون، ليؤدّي بعثته فيه، وليبشّر بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من بعده. لذلك نقرأ في بعض الزيارات الواردة: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله..". فهو وارث كمالات الأنبياء، وفي سياق ذلك المخطط، يمثل الإمام الحسين عليه السلام أبرز حركة مقابل الطواغيت في تاريخ الإسلام، شعارها "خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي"، ولأنّ هذا الهدف ممتدّ لآخر الزمان؛ فسيأتي من يطالب بها، ويحيي القضية؛ فهي ليست قضية الحسين عليه السلام التي حصلت في 61هـ، بل هي قضية إصلاح قافلة البشريّة مقابل إزالة خلاصة "الفرعونيّة"؛ لأنّه بإزالتها يتحرّر العقل البشريّ من القوى المهيمنة. حينها، سوف يرى الإنسان نفسه حرّاً في معرفة الله سبحانه، وستُفتح الدروب أمامه إليه عزّ وجلّ، وسيرى الحقيقة التي طمسها "فراعنة" العصور المنصرمة.

إذاً، "الثأر" قضية وراثة عامة ممتدّة، تحيي ما سبقها؛ لتؤسّس عصراً جديداً مهدويّاً.

* ورد في زيارة الناحية المقدّسة عبارات من قبيل: "لأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكينّ عليك بل الدموع دماً"، ما هي دلالات هذه المعاني في حركة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
الإمام الحسين عليه السلام هو أوّل شهيد في هذا الطريق، لذلك يدخل هنا عامل البكاء، كما في العبارات الواردة، الذي هو في واقع الأمر تعبير عن الحسرة. إنّ أهل البيت عليهم السلام هم شموع صنعها الله عزّ وجلّ لخلاص الإنسانيّة، والبكاء عليهم هو سبيل إلى ذلك الخلاص؛ فالبكاء على الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام مثلاً، هو طريق لدخول الإنسان إلى الجنّة، وكذلك، فإنّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي شفيعة الأمم الإنسانيّة للدخول إلى الجنّة. فعندما نبكي، هذا ليس تعبيراً عن الخسارة والفقد، يجب أن ننظر في أسباب هذه الشهادة؛ استشعاراً للحزن وانتماءً للقضية. لعلّها من أعظم المهمّات التي أوكلها الله عزّ وجلّ إلى السيدة الزهراء عليها السلام مثلاً؛ أن أصبحت بكلّ معنى الكلمة أمّ أبيها، وأمّ دعوة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، والأمّ مثل الراية العسكريّة للجيش. الآن، وبعد أكثر من 1400 سنة، عندما تريد أن تعرف أين هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انظر أين هي فاطمة الزهراء عليها السلام، حينها ستعرف أين دين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا هو الهدف من البكاء عليهم جميعاً؛ معرفة الحقّ، وظروفه، نصرته، زراعة الولاء، أن نكون معهم وفي طريقهم ونهجهم. وهذه العبارات الواردة في دعاء الندبة وغيرها، تشعر الموالي بهذا القدر من أهمية أن يكون موالياً بعقله كما بقلبه "يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا".

لذلك، المطلوب وضع كلّ حدث من هذه الصورة الكاملة في موضعه العاطفيّ أو التاريخيّ المناسب، وهذا جزء من المعركة.

* تربط روايات آخر الزمان بين الرجعة والظهور المبارك، فأين تقع قضية الرجعة في القضيّة المهدويّة من الناحية العقائديّة والزمانيّة؟
فلسفة الرجعة فيها ما يكفي من الروايات والأخبار الصحيحة والجازمة: "ليس منّا من لم يؤمن برجعتنا"(1)، وفيها منطق علميّ، وهو أنّ الله عزّ وجلّ أراد أن يُحيي ويُرجع كلّ من قُتل على يد ظالم وطاغوت، لتدور المبارزة مرّة أخرى؛ فيذوق ذلك الطاغوت طعم الهزيمة والموت، ويذوق في الجهة المقابلة النبيّ أو الإمام أو الوليّ طعم النصر، ولذلك أراد الله أن يجعل العلوّ للمؤمنين من جديد: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5). وقد ورد في الروايات أنّ أوّل من سينفض التراب عن رأسه هو الإمام الحسين عليه السلام. ويبدو أنّ الله عزّ وجلّ سوف يعزّز شأن أمّته والمجاهدين في سبيله، الذين سوف ينصرون الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف ويثبّتون دين الله بمدد من الأنبياء عليهم السلام والصالحين. فللإنسان أن يتصوّر المعركة إلى جانب صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيرى عن يمينه الأئمّة عليهم السلام، والأصحاب أمثال عمّار بن ياسر، والمقداد، وبُرير، وحبيب بن مظاهر، وغيرهم، فأيّ شعور سيختلج صدر الإنسان حينها؟! هذا المشهد سيعيد إلى الأذهان تلك الخريطة التاريخيّة الكبرى عندما خلق الله سبحانه آدم عليه السلام وقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا﴾ (الكهف: 7)، أو حينما قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾ (الإنسان: 1) أمّا الآن، فقد أًصبح الإنسان شيئاً مذكوراً بأئمّة أهل البيت عليهم السلام وبالحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.


1- الشيخ الصدوق، الهداية، ص 266.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع