آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
على الرغم من وجود مظاهر للتقوى والصلاح في عالمنا الحاضر، وأنّ أغلب الناس في العالم يدينون بأحد الأديان الإبراهيميّة، إلّا أنّ عصر حكومة الحجّة القائم بالحقّ عجل الله تعالى فرجه الشريف سيشهد توجّهاً عامّاً للبشر نحو الحقّ والعدل، الذي هو جوهر الإسلام المحمّديّ الأصيل، ليكون من أعظم مظاهر الصلاح والتقى، ما يندرج معه سائر البشر تحت راية الإسلام الحنيف على يد آخر حجج الله في الأرض عجل الله تعالى فرجه الشريف.
•قائم بالقسط
حينما يسنّ الحاكم قوانين مدنيّة وحقوقيّة وجزائيّة عادلة، وتكون جميع المؤسّسات التنفيذيّة والقضائيّة قائمةً على أساس الحقّ والقسط، فإنّ الناس سيتّبعونه؛ فيستقبلون الحقّ ويُقبلون عليه. ومعه، يكون ما أُشير إليه في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25) على أتمّ وجهٍ وأوضح مصداق عمليّ له؛ فيكون المجتمع بأكمله تحت قيادة من هو مظهر تامّ لقوله تعالى: ﴿قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ﴾، فيقوم بالقسط.
ولعلّ أبرز خصائص زمان حاكميّة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إقامة الأحكام الإسلاميّة والتعاليم الدينيّة، واقتداء سكّان مدينة العدل والفضيلة بإمامهم؛ فيكون لهم دورٌ فاعلٌ في بناء هذه المدينة، كما أنّهم المصداق الكامل والحقيقيّ لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 41)، حيث سيتحقّق ذلك في عصر الظهور خاصّة.
•الارتباط بالله تعالى
إنّ إقامة الصلاة، التي هي عمود الدين، وأداء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكلّ أبعاده، ممّا يوجب استحكام ارتباط المؤمنين بالله تحت عنوان إقامة الصلاة. كما يساهم أداء الزكاة في رفع احتياجات المجتمع الإنسانيّ والإسلاميّ. وأمّا الأمر بالمعروف، فيساعد على تحلّي الأفراد بمحاسن الأعمال، فيما يضمن النهي عن المنكر إزالة الرذائل عن المجتمع المهدويّ.
ومن جهة أخرى، لن يكون مصير أعداء الدين، الذين يحولون دون أن يتمكّن دعاة الدين من نشر ثقافة الحقّ، سوى الخسران والوعيد بالعذاب والذلّ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة: 114).
ولعلّ من أبرز مظاهر التديّن في عصر الظهور؛ العدالة الاجتماعيّة والاستفادة العامّة من الاحتياجات الضروريّة، إلى جانب تعالي روح الاستغناء لدى مواطني الحكومة المهدويّة، ما يبعث ذوي القدرة والمال على الإقبال على أداء الزكاة. كما يزول من قلوب المحتاجين الحرص والطمع إلى حدٍّ لا يجد معه جامعو الزكاة من يأخذها من مستحقّيها.
•اختلاف وانحراف
على الرغم من ظهور جملةٍ من الخصائص التي لا نظير لها في حكومة المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف الحقّة، وعلى الرغم من التمسّك بدين الحقّ وانتشار العدل، إلّا أنّ المجتمع البشريّ في ذلك الزمان سيشهد حالات من الاختلاف والانحراف؛ لأنّ الكفر والنفاق لن يزول أبداً من قلوب بعض الأفراد، الذين لن يدخلوا في الإسلام، وإن عاشوا في بلاده ودفعوا الجزية. فمع جحود هؤلاء وجمود أولئك على عقيدتهم الباطلة، تمتلئ قلوبهم بالحقد والعداء لحجّة الله، فلن يتوانوا عن إيجاد الاختلاف وزرع الفتنة، ما يؤول في نهاية الأمر إلى استشهاد صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف على يد هؤلاء المعاندين الخونة.
•حتّى يوم القيامة
إنّ رسالة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف العالميّة هي رسالة نبيّ الإسلام الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي سلّم هذه الأمانة إلى خلفائه المعصومين عليهم السلام واحداً بعد آخر. ولم تكن رسالتهم إلّا رسالة الإحياء، التي ضحّوا بأرواحهم رجاء إبلاغها، كما أنّ شهادة سيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء تمثّل أوج الإيثار والفداء في هذا الإطار.
إنّ هدف رسالة عاشوراء الحسين عليه السلام، لم يكن إلّا نفي حكومة غير الله، وطرد أيّ لون من ألوان الظلم والجور، وهي إحياءٌ للإنسان على أساس الحقّ والعدل والحرّيّة التي سيبلّغها للبشر آخر حجّةٍ لله على المجتمع الإنساني بكلّ ما أُوتي من قدرة؛ لإيصال الناس إلى أكمل درجات سعادتهم. وحين يتقبّل المجتمع البشريّ هذه الرسالة، ويصل أفراده إلى كمالهم تحت راية الإمام المعصوم –آخر حامل لرسالة السعادة البشريّة- وولايته وقيادته، وحين يتمكّن، من لم تكن له أهليّة الهداية، من اغتيال آخر حامل للواء السعادة البشريّة، يكون ذلك إيذاناً بظهور أشراط الساعة ونهاية عالم الدنيا.
ويظهر ارتباط القيامة باستشهاد إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف بوضوحٍ في روايةٍ شريفةٍ عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه قال: "الإسلام والسلطان العادل أخوان، لا يصلح واحدٌ منهما إلّا بصاحبه: الإسلام أُسٌّ، والسلطان العادل حارسٌ، وما لا أُسّ له فمنهدمٌ، وما لا حارس له فضائعٌ؛ فلذلك إذا رحل قائمنا لم يبق أثرٌ من الإسلام، وإذا لم يبقَ أثرٌ من الإسلام، لم يبقَ أثرٌ من الدنيا"(1).
والغرض، أنّ ثمّة تلازماً بين الدين والإمام وانسجاماً واضحاً بينهما، بنحو لا يتحقّق أحدهما من دون الآخر، فالإسلام أساس العالم، كما أنّ الإمام حارس الإسلام، فإن لم يكن ثمّة إسلامٌ، كان كلّ بنيان خرباً من أساسه، وإن كان ثمّة إسلامٌ دون وجود حامٍ له، ضاع أساسه وزال وانهدم.
وعلى هذا الضوء، فحين يستشهد آخر حجّةٍ لله وآخر حارسٍ للدين؛ أي حين يستشهد قائم آل محمّد عجل الله تعالى فرجه الشريف ويلتحق بجوار ربّه، فلن يبقى للإسلام أثرٌ، ما يعني نهاية العالم وطلوع شمس صبح القيامة.
(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، الباب الثالث: من الظهور إلى المدينة الفاضلة، الفصل الثاني، بتصرّف.
1.الميرزا حسين النوري، النجم الثاقب، ج 1، ص 518.