نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدسات هادي علي الحسيني (السيد حكيم)
محل وتاريخ الولادة: حوش الأمراء 27/08/1985
الوضع العائلي: متأهل وله ولدان
محل وتاريخ الاستشهاد: أثناء دفاعه عن المقدسات 27/07/2012
هي قذيفةٌ غاشمة، تلك التي أوقفت الحياة بين جنبيه.. حينها نال ما تمنى وسعى إليه طويلاً.. ولمّا تنازعتْه الدنيا والآخرة على سرير في المستشفى، كان على خلاف طبيعته المعهودة، فالشابُ الذي كان يُشبهُ مولّد الطاقة في حيويته، صار ساكناً هادئاً لا يقوى على شيء إلا على ضغطة صغيرة على يد أمه.
*في جوار المعصومة عليها السلام
"زرنكي" أي الذكي، كان لقبه عندما كان صغيراً في مدينة قمّ المقدّسة، والده عالِمُ دين وأمه ابنةٌ لمجتهد، كانت تدعو الله أن يؤجل ولادتها كي تؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في حرم حضرة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، ولكن فجرَ هادي الوليد، بزغَ مع تنفُّسِ صُبح العيد. واحتار والداه بتسميته، ذلك أنهما درجا على تسمية أولادهما بما يتناسبُ والمناسبة التي يولد فيها أولادهما، فاتفقا على تسميته هادي، لأن ولادة الإمام علي الهادي عليه السلام كانت المناسبة الأقرب لولادته.
كان هادئاً حيناً، وحيناً آخر كان لا يتوقف عن الحركة، طفلٌ اختزنَ بداخله الكثير من الذكريات التي عاشها في كنف الجمهورية الإسلامية غذّت فيه الروح المعنوية. كان والداه يصطحبانه وإخوته إلى المدرسة الفيضية لحضور إحياء المناسبات والتبرّك برؤية الإمام الخميني المقدّس، وقد ظلّت تلك المشاهدات حيّة في نبض ذاكرته.
*أنشطة ومواهب كشفية
في العام 1992، عادت العائلة إلى لبنان لتستقرّ في بلدة شمسطار في البقاع، فالتحق هادي بكشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. كانت المواهب الدفينة تغلي بداخله كبركان، ولأنه فتىً يسابقُ نفسه لم يكن ينتظر أن يعلّمه أحد، بل سعى إلى التعلّم غير عابئ بالصعاب، فلم يتناه إلى سمعه خبر عن دورة فنيّة أو تدريبيّة، ولاحقاً عسكريّة إلّا والتحق بها.
عشق في صغره العزف على آلة النفخ النحاسيّة "الترومبيت"، فتعلّم عليها وبرع في عزفه، وكان دأبه إذا تعلّم شيئاً أن يعلمه لغيره. فعندما انتقلتْ عائلته للسكن في بعلبك، كان هادي قد بلغ سنّ الشباب، ووجد أن الكشافة هناك تفتقر إلى الترويج والاستقطاب فاشترى عدداً من آلات الترومبيت، ووضع برنامجاً ثقافيّاً وترفيهيّاً جعل الأولاد يتهافتون على الأنشطة، وقد ألّف أكثر من خمسين صرخة خاصّة بالكشّافة.
بين العزف والشعر، وفنّ التصوير والتمثيل والإخراج، جُبلت طينة هادي على الفنّ الجميل. أحبّ دراسة الإخراج في الجامعة اللبنانية، ولكن لم تتهيأ الظروف لذلك. فقام بتمثيل دورٍ أمام اللجنة الفاحصة في كلية الفنون، ودُهشوا لبراعته ووافقوا على طلبه الحضور في بعض المواد ليستفيد منها، فأخرج فيلماً قصيراً للهواة بعنوان (ما كانت أيدينا مالحة) حاز على جائزة المرتبة الثانية لأفضل عمل فني في لبنان.
*شهادة واحدة تهمُّه
اختار هادي الالتحاق بكليّة العلوم لدراسة اختصاص "مختبر أسنان" فلم تأخذه هذه المهنة بعيداً عن الفن، وقد مازج بينها وبين فنّ النحت، كما أنه لم يفوِّت على نفسه فرصة الالتحاق بالدورات الجهاديّة، والحضور إلى الجامعة وقت الامتحانات فقط، وحصل هادي على علامات عالية في تخرّجه ومُنح رخصة فتح مختبر خاص به.
لكن النجاح الذي كان يحلمُ به هادي، كان بعيداً جداً عن المختبر، فهو منذ التحاقه بصفوف المقاومة تمنّى الرحيل عن هذه الدنيا شهيداً، ولكن رؤيا رآها ذات ليلة حدّدت موعد اللقاء مع سيد الشهداء، إذ رأى الإمام الحسين عليه السلام يستقبلُ بعضاً من الناس، فإذا ما حان دوره استمهله الإمام قائلاً: أمّا أنت فموعدك ليس الآن، بل بعد أن تتزوج وتنجب أطفالاً.
*زاد الرحيل
موعد كان دونه عقبات، ومن يرغبُ في لقاء حبيبه، عليه أن يحسن أدب اللقاء. فهادي الذي تربى في بيئة متديّنة موالية لأهل البيت عليهم السلام، ألزم نفسه برنامجاً عباديّاً خاصاً وازنه مع حياته الشخصيّة والجهاديّة، ما أورثه صفاءً في النفس انعكس على صفحة وجهه، فرضا الله تعالى هو المقياس لما يريد القيام به، لم يغفل للحظةٍ على أنه من السلالة الهاشمية، فعمل على أن يكون زيناً لها.
وعندما قرر الزواج، بحث عمن تتّخذ من السيّدة فاطمة عليها السلام قدوة لها.
واظب وزوجته على زيارة روضة الشهداء، وتعاهدا على الوفاء لخط الجهاد. كان هادي يطلب دائماً أن يكون قبره بالقرب من قبر صديقه الشهيد حافظ عباس الذي استشهد بعيد حرب تموز 2006 إثر انفجار جسم غريب به.
هادي، الفقير الحال كان غني النفس، ولم يسعَ إلى فتح مختبر خاص به ولم يعمل في المهنة التي درسها، بل حمل بندقيته والتحق بالمحاور. وقد أجاد دراسة وتخطيط كل شيء في حياته. كان أباً رحيماً وحنوناً، فقد تعلّقت به ابنته الكبرى نور فاطمة كثيراً، وهي لم تبلغ السنتين من عمرها، وعندما رزقه الله ابنته الثانية حوراء تمنى كثيراً أن يستشهد قبل ولادتها كي لا يتعلق قلبه بها.
*الخندق منزله
في الحياة هو صديقٌ، وقلّما يوفّق المرء إلى صداقة أمثاله إذ يُؤثِرُ مَنْ حوله في كل شيء، ويتحمّل التعبَ والإرهاق ليرسم البسمَة على شفاه من حوله. وفي الجهاد، كانت الخنادق منزله الدائم. ففي حرب تموز من العام 2006، رافق العائلة إلى مكان أكثر أمناً من منزلهم، وعندما ترجّل الجميع، رفع يده ملوّحاً لوالده قائلاً له: أنا سأذهب إلى حيثُ يجب أن أكون... فالتحق بالجبهة في قرية قانا الجنوبية حيث بقي أسبوعين، ومن ثمّ تمّ نقله إلى مناطق المواجهات، ليعمل في زرع المتفجرات. وكما هو في حياته الشخصية لا يهدأ، كذا كان في الحرب: مبادراً، متحمّساً وشجاعاً، فلا يتوانى عن حمل العبوات الثقيلة والركض بها إذا ما استدعى الواجب ذلك..
*(النمل النووي)
مجاهدٌ لم تتكشف بعض صفحات جهاده إلّا بعد رحيله، حيث صارت حكاياته ترِدُ إلى أهله فتُسلّي نفوسهم المشتاقة؛ مجاهد، ومدرّب، ومخترعُ عبوات، وكما لقبّوه في إيران عندما صار شاباً (مورجه هسته اي) - أي النمل النووي، لصغر سنه وكِبر فعله، وهو "السيد حكيم" كما قالت لأمّه إحدى النسوة التي كانت في المستشفى تعود ابنها المُصاب وكانت هذه المرأة على معرفة به أيام الحرب، وكان هادي حينها يُنازع الحياة، فبكت المرأة لحاله، وأخبرت أمه أنّه كان من المقاتلين الأشاوس يحملون قلوباً أرقّ من النسيم على الناس، وأصلبَ من الحديد على الأعداء.. وراحت تخبرها كيف كان يدافعُ عن الدين كي لا يُطمس، والأعراض كي لا تهتك.. وتسأل اللهُ أن يشفيه، ولكن شفاء المحبين لا يكون إلا بلقاء الحبيب، وهادي كان قد اطمئن أنه ترك في هذه الدنيا ذرية عاشقة لمحمد وآل محمد، فتقلّد سلاحه ومضى ليُستشهد، وليستقبله الإمام الحسين عليه السلام بعد طول انتظار، جعله الله شفيعنا في الآخرة..
لمثل هذا فليعمل العاملون
ليث العتابي
2013-11-18 07:35:15
لمثل هذا فليعمل العاملون