صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أخلاقنا: بعيداً عن حياة المترفيــن (*)


آية الله الشيخ حسين مظاهري دام ظله


أحياناً نقف حائرين بين نظرتين إلى الحياة؛ الأولى وهي المترفة: "خذ من الحياة كلّ ما تتمنّى فلن تعيش مرّتين"، والأخرى وهي الرافضة للحياة: "الحياة لا خير فيها، ارفضها وعش لآخرتك مطلقاً". أمّا الإسلام فله موقف وسطيّ متوازن بين الترف والإهمال. فما هو؟ وكيف نعيش حياتنا براحة بعيداً عن أخلاق المترَفين الذين كانوا سبباً في هلاك أقوامهم؟

• أنواع الحياة
إنّ الاقتصاد الإسلاميّ يقسّم الحياة إلى ثلاثة أقسام: الحياة الضروريّة، والحياة المرفّهة، والحياة المترفة.

1- الحياة الضروريّة
وتعني: أنّ للإنسان كلّ الحقّ في الانتفاع بما هو موجود على هذه الكرة الأرضيّة من طعام أو لباس أو سكن من دون أن يكون مسرفاً أو مقتّراً، وإذا ما سعى الفرد حثيثاً لتأمين هذه المسائل له ولأفراد عائلته، مَنَّ الله عليه بالثواب والأجر الجزيل: "الْكَادُّ عَلَى عِيَالِه كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّه"(1).

وللتعامل مع الحياة الضروريّة صور ثلاث:

أ- القصور والتقصير: وأمّا المقصِّر في هذا السعي من أجل أسرته، فيعدّ مخطئاً وعاصياً لما جاء في شرعة الله الحقّة، فالذي يتمكّن من العمل والكدّ على عياله، ولا يفعل ذلك يعدُّ مضرّاً بحقّ الناس! وإنّ أصل هذا الإضرار حرام؛ لذا يكون ترتيب وضع الأسرة واجب ولازم، ومن لم يستطع ذلك لعلَّةٍ فيه أو مرض، وجب على الدولة الإسلاميّة الالتزام بتهيئة الطعام واللباس والمسكن وباقي المسائل الضروريّة لهذه الأسرة، التي يكون مُعيلها غير قادر على ترتيب أوضاعها بالشكل الطبيعيّ، هذا مضافاً إلى مشاركة الجميع في هذا الأمر الخيريّ.

ب- لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ: وبصدد هذه القضيّة، قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ (الطلاق: 7).

وتعني هذه الآية الشريفة، أنّه: يجب على كلّ فرد أن يؤمّن حياته الضروريّة على قدر إمكانيّته، فمن تمكّن من إدارة أسرة، أو أسرتين، أو عشر أُسرٍ، فلا يبخل بتلك الإدارة: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾، وأمّا ذلك الذي لا يتمكّن من فعل ذلك، فلا بأس عليه من التصرّف على قدر إمكانيّته.

ج- "ولو بشقّ تمرة": من استطاع توفير لقمةٍ واحدة من طعامه، أو لباس واحد زائدٍ على حاجته، أو تمكّن من إسكان أحدهم (مستضعف) معه في داره، عُدَّ مساهماً في تهيئة الحياة الضروريّة للآخرين؛ ولهذا يجدر القول: إنّ هذه الآية الكريمة تفهمنا بأنّنا جميعاً مسؤولون.

ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر جمعة من شهر شعبان، تذكيرٌ بضرورة الإنفاق في سبيل الله، عندها قال أحدهم: يا رسول الله، وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ولو بشقِّ تمرة... ولو بشربة من ماء"(2).

إنّ معنى هذه الرواية هو معنى الآية المباركة المتقدّمة، فمن استطاع أن يتصدّق بتمرة فليفعل، ومن تمكّن من إنفاق شربة ماء فلا يبخل بها على الآخرين، فالذي منحه الباري تعالى إفطاراً يستطيع أن يُؤثر على نفسه بعض الشيء؛ ليقدّمَه إلى الآخرين من الذين لا يمتلكون شيئاً يطعمونه.

إذاً، لا معنى لعبادة ذلك الذي يتعبّد ويذهب بحياته الضروريّة أدراج الرياح، حيث لا يمكن أن يقبل الإسلام حالة بضعة أشخاص يجلسون إلى موائد الطعام يأكلون ويشربون، ويجلس إلى جانبهم فقيرٌ معدمٌ عاجزٌ لا يتمكّن من تأمين وجبة طعام واحدة.

2- الحياة المرفّهة
لقد عدّ الإسلام العظيم الحياة المرفّهة حياةً محمودة، بل حتّى إنّ القرآن الكريم حبّبها إلى الناس، وإنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذمَّ أولئك الذين يحملون في أذهانهم أفكاراً منحرفة تتنكّر لهذه الحياة المرفّهة، من قبيل الامتناع عن تناول الغذاء اللذيذ وما إلى ذلك.. ومن أجل ذلك قال الباري تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (الأعراف: 32).

إنّ هذه الآية المباركة تخبرنا أنّ الحياة المرفّهة ينبغي أن تكون من نصيب أفراد البشر جميعهم، وأنّ الإسلام أجاز للرجل ذلك إن استطاع أن يرفّه عن نفسه وعن باقي أفراد أسرته.

أ- قانون المواساة: إنّ الاقتصاد الإسلاميّ اقتصاد ناضج وناجح، هذا إذا طُبّق بالشكل الذي يكون فيه قانون المواساة أساساً له، ولكن حينما يُنسى قانون المواساة، ويُرفع من الوسط الاجتماعيّ، يضحى الاقتصاد الإسلاميّ غير فاعل في المجتمع، ولقد أخبرتنا الروايات كثيراً عن تأسّف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لمرّات عدّة على عدم الالتزام بقانون المواساة.

ب- الزواج سنّة: نرى في بعض مجتمعاتنا الإسلاميّة أنّ السيّدة الفلانيّة ترفض الزواج بعد أن مات زوجها منذ مدّة طويلة، ناهيك عن رفضها لخلع الملابس السوداء، هذا مضافاً إلى غضبها حينما يذكر أمامها موضوع الزواج!

ونقول لها: إنّ غضبها ذاك لا مبرّر له أبدًا، وأنّه خلاف ما جاء به الإسلام العظيم.

إنّ الشباب الذين يستطيعون أن يتزوّجوا ولا يفعلون ذلك، والبنات اللاتي ترمنَ الزواج وترفضنَ الخاطبين، متذرّعين بأنّ الوقت لم يحن بعد، ومتجاهلين الغريزة التي أودعها الله فيهم، فليحاولوا توجيه السؤال لنبيّهم الأكرم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليجيبهم بصراحة: "النكاح سنّتي، فمن رغب عن سُنّتي، فليس منّي"(3).

إذاً، هذا الحديث يخبرنا بعدم صوابيّة قرار ذلك الشاب الذي يستطيع الزواج ولا يتزوّج، وعدم صوابيّة قرار تلك البنت التي لا ترغب في الزواج، حالها حال تلك الأرملة التي تغضب وتثور حينما يطرح موضوع الزواج أمامها.

وهنا ينبغي لنا القول وتوجيه الخطاب للفتيات والفتيان الذين يمتثلون للعقائد المخالفة للإسلام، والمناهضة لشرعة محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنّته القائمة إلى يوم القيامة، بأنّ عليهم أن يتدبّروا كتاب الله العظيم، وسنّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وما جاء عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يسمعوا ويطيعوا المراجع العظام والعلماء الأعلام؛ لكي يطمئنّوا بأنّ امتناعهم ذاك خطأ فاحش، ومعصية كبرى؛ لأنَّه يدخل في دائرة البدع التي ينبغي للعلماء أن يفنّدوها من خلال إظهار علمهم للناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليُظهر العالِمُ عِلمَه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله"(4).

3- الحياة المترفة
وهي أحد أنواع الحياة التي يرفضها قانون الإسلام ويذمّها بشدّة، ويعدّ الممارس لها فاسقاً، وهي الحياة التي تجعل الإنسان يتغيّر في مفاصل مسيرته جميعها؛ أي المقيّدة للإنسان بشكل مرفوض، نظير الزواج الترف الذي يقدم عليه بعض الفتيات والفتيان في أيّامنا هذه، مضافاً إلى التقيّد بالسكن الترف، أو ارتداء اللباس الترف.

والترف هنا يعني البطر؛ فقد نرى رجلاً متزوِّجاً ولا حاجة له بزوجة أخرى، لكنّه يجري وراء النساء بطراً، وتشبّهاً، وترفاً، وقد تفعل إحدى النساء ذلك، حيث تحاول أن تطلب الطلاق من زوجها الذي وفّر لها كلّ شيء، لتتزوج رجلاً متشبّهاً بالغرب، أو يعرف كيف يلبس لباس الأجانب بطراً وترفاً وتشبّهاً في بعض الأحيان، وهذا لا يجرّ على مثل هذه المجتمعات المترفة والبطرة غير الهلاك والتدمير.

قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء: 16).

وقال أيضاً في سورة أخرى: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ* فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ* وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ* لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ* إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾ (الواقعة: 41-45).

لذا، ينبغي للبشر أن لا يكونوا بطرين: تزوّج ولكن لا تجرِ وراء كلّ من ترى، وتجمّلي ولكن لا تتحوّلي إلى نموذج لنساء محلّتك. إنّ هذا الشيء مرفوض، ولا يمكن أن يعمل به المسلم العاقل الرزين.

1. الكافي، الكليني، ج 5، ص 88.
2. الأمالي، الصدوق، ص 154.
3. بحار الأنوار، المجلسي، ج 100، ص 220.
4. (م.ن)، ج 105، ص 15.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع