مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الثقافة الإسلامية والتحديات المعاصرة



الشيخ مصطفى قصير


الثقافة في أصل اللغة تعني الحذاقة والفهم السريع، ولكنها باتت اليوم تعني مجموعة الأفكار والمفاهيم التي تشكِّل بمجوعها رؤية شاملة لنواحي الحياة، ولكل ثقافة ملامحها وسماتها التي يتميز بها الناس ويكتسب من خلالها المجتمع هوية خاصة، تظهر في عادته وتقاليده وطريقة حياته ومعتقداته الخاصة وقناعاته التي تطبع واقعه.

والثقافة الإسلامية يمكن أن توصف بأنها ثقافة أصيلة وحيّة. أما أصالتها فلأنها تستند إلى الإسلام كدينٍ وعقيدة راسخة وفكر متين ووحي سماوي ثابت وكتاب إلهي محكم، فهي ليست هجينة ولا ملتقطة، بل هي ثقافة لها أصالتها وجذورها العميقة التي تستقي من نبع الوجود والمعرفة الصافي.

وأما كونها ثقافة حيَّة فلأنها لما تتأثر بتقلّب الأزمان والعصور فكانت ولا زالت تقدم للبشرية الحلول المُثلى والكلمة الفصل في كل عصر وفي كل مصر وفي كل جانب من جوانب الحاجات البشرية، ما شاخت ولا هرمت، وستبقى حيَّة فتيَّة.
وذلك لأنها ثقافة تمتلك مخزوناً كبيراً من المعارف والأفكار في الأبعاد التشريعية والعلمية والتربوية والأخلاقية وفي السياسة والاقتصاد والأدب والفن وغير ذلك مما يتطلبه واقع الأمم في كل عصر.

ولقد واجهت الثقافة الإسلامية منذ البعثة النبوية الشريفة التحديات تلو التحديات، وتعرضت للكثير من الهجمات الشرسة التي كانت تستهدف التشكيك والتشويه وتسعى للقضاء عليها أو الحدّ من قدرتها على التأثير.

في عصرنا الحاضر تواجه الثقافة الإسلامية جملة من التحديات يفترض بالمسلمين كافة، والعاملين في الحقل الثقافي خاصة إداركها ووعيها والالتفات إليها، والعمل على مواجهتها بحزم وإرادة وعدم الاستسلام أمام الثقافات الأخرى التي تسعى لغزو مجتمعاتنا تحت غطاء الحضارة المادية الجديدة التي سيطرت على مشاعر وقلوب الكثير من البسطاء في هذا العالم.

ولعلَّ هذا يشكل أخطر حالات التحدي في هذا العصر، فإن مجرد القدرة على تسخير القوانين الطبيعية وهذا الكم الهائل من الابتكارات التقنية لا يعني أبداً أن الخلفيات الثقافية لأصحابها سليمة وصحيحة فيلزم الأخذ بها وتبنيها، وليست هي بالضرورة التي ساقت ذلك الفريق من الخبراء والتقنيين إلى القمم التي بلغوها.

وفي المقابل عندما نجد المجتمعات الشرقية والمتدينة منها بالذات تعاني من حالة من التخلف والانحطاط على مستوى الحضارة المادية والاكتشافات الحديثة، فليست ثقافتهم هي المسؤولة عن ذلك ولا يعنى ذلك أبداً أنهم عليهم التخلي عن كنوزهم الفكرية وثقافتهم الأصيلة كشرط للحصول على تكنولوجيا الغرب. وعلى الإنسان أن يدرس الأمور بواقعية ودقة وتجرّد، ليعرف العوامل الحقيقية وراء امتلاك مجتمع معيّن للمقدرات والإمكانات وحرمان مجتمع آخر منها، وتقدّم شعب على مستوى الحضارة المادية وتخلف شعب آخر.

وقد دفع الشعور بالانهزام بعض المسلمين إلى سلوك طريق التطفل على الثقافات الأخرى واستعارة المصطلحات منها بغية التوفيق بين ما ينتمي إليه وبين ما ينبهر به، فيتحدث أحدهم عن"الديمقراطية الإسلامية" ويتحدث آخر عن"الشيوعية الإسلامية" وكأنه بات يخجل طرح الرؤية الإسلامية لنظام الحكم، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الأسرة والمجتمع والاقتصاد وأمثال ذلك.
المشكلة هنا ليست في عجز الإسلام عن تلبية متطلبات العصر ولا في قصور الفكر الإسلامي عن الإقناع ولا جفاف منابع الثقافة الإسلامية عن العطاء. إنما هي في قصور أفهامنا وفي غفلتنا، وعجزنا نحن الذين تخلينا عن أصالتنا واستقلالنا الفكري والثقافي.

* التحديات المعاصرة
إن أبرز التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية في العصر الحاضر تتمثل في الأمور التالية:
1 - التحديات السياسية: وفي مقدمتها ما يرتبط بأنظمة الحكم والإدارة والأنماط التي استطاعت أن تفرض نفسها كواقع متسالم عليه، دون مبررات معقولة، في هذا المجال، ظلم الإسلام من قبل المسلمين، ومن قبل غيرهم على السواء، لكن المسلمين ظلموا الإسلام لجهلهم وغيرهم ظلموه عن قصد وإرادة لأنهم أرادوا عزله، ولقد ساعد كثيراً قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في بلورة أطروحة الحكم الإسلامي عملياً على خلاف الصورة التي رسمها حكام الجور عبر التاريخ وشوهوا من خلالها الأطروحة الصحيحة والعادلة.

2 - التحديات في المجال التشريعي: في العصر الحاضر ونتيجة للتغيرات المتسارعة في الواقع الاجتماعي برزت الكثير من المستجدات التي تتطلب إجابة فقهية عليها، ولا شك أن طبيعة التشريع الإسلامي تجعله قادراً على تلبية الحاجات واستنباط الفروع الفقهية المتناسبة مع جميع المستجدات.
في هذا الجانب قد يتوهم البعض ونتيجة لاستغراق بعض الفقهاء ومصنفاتهم الفقهية في مسائل فقهية تناسب جانباً حياتياً معيناً وإعراضهم عن المسائل الحياتية المعاصرة - قد يتوهم هؤلاء - عجز الفقه الإسلامي عن الإجابة عليها، إلاَّ أن المشكلة في هذه الحالة ليست في الشريعة وإنما في المتشرعة، وقد ألجأت الثورة الإسلامية المباركة الحوزات العلمية إلى الورود في أبواب فقهية كثيرة لم تكن تجد الاهتمام الكافي بها سابقاً، وهي نتيجة طبيعية لدخول هذه الأبواب حيَّز التطبيق والابتلاء.

3 - التحديات الأخطر في المجال السلوكي والأخلاقي، وفي هذا الجانب يبتلى المسلمون عامة بحالة من الانفصام بين عالم النظرية وعالم التطبيق، بين الشعار والواقع ويغزو مجتمعنا سيل من العادات والتقاليد التي تجعلنا نلهث وراء تقليد سلوك الغرب، وعادته في اللباس والمأكل والعلاقات الاجتماعية وأساليب الحياة دون التأمل في انسجامها مع ديننا وثقافتنا أو عدم ذلك. ولي أدلّ على ذلك مما نراه من التزام فتيات مجتمعاتنا وشبابنا بكل جديد في طريقة قص الشعر وتسريحه وشكل الزي والزنية وطرق المعيشة وأمثال ذلك مما يثير الكثير من الاستغراب.

4 - التحدي الاقتصادي، المتمثل بالنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يسيطر على سوق المال والاقتصاد في العالم المعاصر، حتى بات الإنسان يشعر بالعجز التام أمام هذا الوحش المفترس، والذي يفرض النظام الربوي ويضع مقدرات العالم أجمع بأيدي مجموعة من الشركات الكبرى التي تسخِّر السياسة والأمن والإعلام وكل شي‏ء لخدمة مصالحها الاقتصادية، أمام هذا الواقع المرير يقف النظام الاقتصادي الإسلامي اللاربوي ليشكل البديل الوحيد الذي يمكن أن يخلّص البشر من بين أنياب الوحش الاقتصادي الرأسمالي الذي لم يبق ولم يذر.

* في مواجهة التحديات‏
في مواجهة تلك التحديات وغيرها ينبغي للمسلمين أن يعيدوا النظر في واقعهم ويعيدوا دراسة أدواتهم ووسائلهم وأسلحتهم، وفي هذا المجال نلفت إلى ما يلي:
1 - ينبغي العمل على بناء الشخصية الإسلامية والتأكيد على الهوية الثقافية وتحصينها، وإحياء روح الاستقلال الفكري.
2 - التأكيد عن الشمولية في أخذ الإسلامية وعدم الاجتزاء، ولا الاكتفاء بجانب على حساب جانب آخر، فالبعد العبادي لا يكتمل إلاَّ بالبعد الفكري التشريعي والتربوي والأخلاقي وغي ذلك من الأبعاد. فكثيراً ما تؤدي النظرة المجتزأة لبعض جوانب الثقافة إلى التقصير في فهمها وإدراك فلسفتها وأسرارها وبالتالي الحكم عليها بالتخلف وعدم الصلاحية.
3 - البحث عن الأجوبة المناسبة للمستجدات في المخزون الفكري والتشريعي في المصادر الأساسية،، والابتعاد عن أسلوب الانتقاء والالتقاط.
4 - العمل على تطوير الخطاب الثقافي بما يتناسب مع المرحلة، ومع الحاجات والاقتراب أكثر فأكثر من الحاجات الملحة للمجتمع، وفي هذا الجانب يدخل الأسلوب والصياغة ولغة الخطاب.
5 - الاستفادة من الأدوات، الفرص المتاحة، وتطوير وسائل العرض والتأثير واستخدام الأدوات المعاصرة.
6 - وقبل كل ما تقدم وبعده ومعه: تقديم الأنموذج العملي والمجسد للإسلام في أبعاده المختلفة، لما لذلك من تأثير إيجابي على قبوله واعتناقه الإعجاب به، ولأنه يشكل الدليل الحي على صدقية الثقافة الإسلامية وعظمتها، فأين نحن من ذلك؟


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع