ورد عن الإمام الصادق عليه السلام نقلاً عن كتاب علي عليه السلام قوله: "إن أشد الناس بلاءً النبيون ثم الوصيّون، ثم الأمثل فالأمثل، وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وحسن عمله، اشتد بلاؤه، وذلك إن اللَّه لم يجعل الدنيا ثواباً لمؤمن ولا عقوبة لكافر، ومن سَخُفَ دينه وضعف عقله قلّ بلاؤه، وإن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض".
الذي يظهر من هذا الحديث كون البلاء ميزاناً يمتاز من خلاله المؤمن عن غيره. وذلك أنه يؤكد على أن البلية لا تصيب إلا المؤمنون، وكلما ارتقى المرء بإيمانه وسما كلما اشتد بلاؤه، ليكون متوافقاً مع الحالة الإيمانية التي حصّلها، ومن هنا كان الأنبياء من أشدّ الناس بلاءً، وتلاهم الأوصياء، ومن ثم الأمثل فالأمثل، بمعنى الأفضل والأشرف والأخْير.
ذلك أن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض.
* البلاء امتحان:
والبلاء هو الاختبار والامتحان في الحسن والقبح، كما صرّح بذلك أهل اللغة. فقد يكون بالشر وقد يكون بالخير، وهو البلاء الحسن في قوله تعالى: {بلاء حسناً}.
وعليه فقد يكون الامتحان والابتلاء بالأمراض والأسقام والفقر والذلّ وإدبار الدنيا، وقد يكون بما يقابل هذه الأمور، كالاختبار بكثرة الجاه والمال والاقتدار والزعامة والعزة والعظمة، ولذا يجب التنبّه إلى هذه المسألة والالتفات إليها بشكل كبير.
وامتحان اللَّه سبحانه لعباده، هو لتمييز الخبيث من الطيب، ولفصل الأشقياء عن السعداء فصلاً حقيقياً واقعياً على صعيد الخارج، لا للعلم بالفصل، إذ أن علم للَّه سبحانه أزلي ومتعلق ومحيط بكل شيء قبل إيجاده، وليكون الثواب والعقاب في هذا المجال {بما كسبت أيدي الناس}.
* البلاء نعمة وكرامة من اللَّه
ويتجلى ذلك من خلال إمعان النظر في الحديث، حيث يظهر إن اللَّه سبحانه إنما يمتحن المؤمن ليجله دائماً في حالة ذكر لبه، ولإيقاظه من غفلة أو نسيان، وليحميه من الدنيا وشرورها وآفاتها المؤدية بالمرء إلى الهلاك وخلاق الوجه عند اللَّه سبحانه.
فالبلاء قد يكون بوجهه الظاهري نقمة من اللَّه سبحانه، إلاّ أنه في الحقيقة نعمة إلهية أنعم بها المولى وخصّ بها صالح عباده.
جاء في الحديث عن الإمام العسكري عليه السلام: "ما من بلية إلاّ وللَّه فيها نعمة تحيط بها".
والإمام الباقر عليه السلام بدوره يقول: "إن اللَّه عز وجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض".
أما الإمام الصادق عليه السلام فيشدّ من أزر المبتلى ويخفف عنه بقوله: "اعلم أن بلاياه محشوّة بكراماته الأبدية، ومحنه مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين".
* البلاء والحب:
والبلاء من علامات حبّ اللَّه سبحانه للإنسان، حيث ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام "إن اللَّه تبارك وتعالى إذا أحبّ عبداً غتّه بالبلاء غتّاً، وثجّه بالبلاء ثجاً، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي، لئن عجّلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر، ولكن ادخرت لك، فما ادخرت لك خيرٌ لك".
ومن جهة أخرى كان البلاء عاملاً مساعداً في حب المرء للقاء اللَّه سبحانه، حيث ورد في الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، إن جبرئيل هبط إليه في أحسن صورة فقال: "يا محمد. الحق يقرؤك السلام ويقول لك: إني أوصيت إلى الدنيا أن تمرّري وتكدّري وتضيّقي وتشدّدي على أوليائي حتى يحبوا لقائي"..
* البلاء والتكامل:
ومما تقدّم أصبح البلاء سبباً لتكامل الإنسان وارتقائه في مدارج الزلفى والقرب من اللَّه سبحانه، فجاء عن الإمام علي عليه السلام قوله مصنّفاً البلاءات حسب المبتلين بها: "إن البلاء للظلم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة".
البلاء وتمحيص الذنوب:
فمن فضل اللَّه سبحانه ورحمته ولطفه بعباده أن جعل البلاء وسيلة لحطّ اذنوب وتمحيصها، حيث روى يونس بن يعقوب عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في كل أربعين يوماً.
قلت: ملعون؟! قال: ملعون! فلما رأى عظم ذلك علي قال لي: يا يونس! إن من البليّة الخدشة، واللّطمة، والعثرة، والنكبة، والقفزة، وانقطاع الشسع، وأشباه ذلك.
يا يونس! إن المؤمن أكرم على اللَّه تعالى من أن يمر عليه أربعون لا يمحِّص فيها ذنوبه ولو بغمِّ يصيبه لا يدري ما وجهه".