فضيلة الشيخ محمد توفيق المقداد
مما لا شك فيه أن الإسلام عندما يؤكد على ضرورة البحث عن الشريك المتمتع بالمواصفات الإيمانية والأخلاقية لتأسيس البيت الزوجي، فإن هذا التأكيد مرده إلى أن الإسلام يريد التشجيع على إقامة الحياة الزوجية على أسس متينة لا تضعف أو تسقط بسرعة أمام المشكلات والخلافات التي قد تحصل ما بين الزوجين خلال مسيرة زواجهما التي يراد لها أن تكون النواة الأولى لبناء الأسرة الصالحة بالمواصفات الإسلامية.
وقد تحدثنا في المقالة السابقة عن المواصفات العامة التي ينبغي أن تكون موجودة في الطرفين معاً ـ الرجل والمرأة ـ وفي هذه المقالة سوف نبحث عن نفس الحياة ما بين طرفي البيت الزوجي، وما هي الأسس التي ينبغي أن تحكم علاقاتهما لضمان السعادة والهناء في الحياة الزوجية، وتقول:
* أولاً: إشراف كل طرف بالآخر:
لأن هذا الاعتراف يحقق لكلِّ منهما شخصيته ووجوده وكيانه الذي له الاحترام والتقدير، وهذا أساس في الحياة الزوجية، لأن عدم اعتراف أحدهما بالآخر قد يؤدي إلى إلغاء دوره وفاعليته، ويحوِّله إلى مجرد أداة لا إرادة له ولا اختيار في مقابل الآخر، فمثلاً إذا ألغى الزوج وجود زوجته عملياً وربط كل الأمور داخل منزل الزوجية به، فمثل هذا الأمر قد يسبِّب مشكلة على صعيد المرأة، كما على صعيد الأولاد إن كانوا متحققين، لأن إلغاء دور الزوجة سيؤدي حتماً إلى زعزعة ركائز البيت الزوجي والأسرة كذلك، لأن عدم الاعتراف بالزوجة ودورها يؤدي إلى سلب شخصيتها ويقلص من فاعلية دورها المهم بنظر الإسلام ضمن إطار الأسرة، وأخطار هذا الأمر لا تخفى خصوصاً مع وجود الأولاد الذين لن يتعاملوا مع الزوجة الأمّ كما هو المفروض من حيث الاحترام والتقدير والطاعة وما شابه ذلك، مع ما قد يزرعه ذلك التعامل في نفوس الأبناء وعقولهم مستقبلاً من نظرة خاطئة عن المرأة ودورها في الأسرة والمجتمع.
ولا شك في أن بعض الأمراض السلوكية، في هذا الجانب، الموجودة في أوساط مجتمعنا ناشئة عن هذه الطريقة السلبية من عدم اعتراف الزوج بزوجته كشريك له في الحياة الزوجية ولها الدور الفاعل في حياة الأسرة، ولا يخفى العديد من المشكلات التي نعاني منها في هذا الجانب المهم من حياة مجتمعنا، لأن الكثير من حالات الانفصال والطلاق وتدمير المنزل الزوجي مرده إلى هذا الأمر السلبي في الحياة الزوجية، وقد يحصل أحياناً أن ينعكس الأمر فتلعب المرأة الزوجة الدور الأساس والفاعل في الأسرة وتكون النتيجة مشابهة أيضاً، ولذا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على هذا الاحترام من خلال قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} ولا شك هي أن الإنسان عندما يسكن إلى شيء ويرتاح إليه فلا بد أن يكون لذلك الشيء وجوده المستقل واحترامه وتقديره. وكذلك نرى في قوله تعالى {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} إذ لا يعقل أن يكون كلٌّ من الزوجين لباساً للآخر من دون احترام بينهما متبادل وتقدير من كلٍّ منهما للآخر.
ومن هنا يؤكد الإسلام على ضرورة أن يكون لكل من الزوجين شخصيته المستقلة. لكن المتكاملة مع الآخر والمنسجمة معه بحيث تتحقق الأغراض المطلوبة من الزواج وفق نظرة الإسلام.
* ثانياً: المعاشرة الزوجية:
ولا شك في أن احترام كل طرف من الزوجين للآخر سيكون له أثره الإيجابي والسلوكي في الحياة الزوجية حيث سيعاشر كل منهما الآخر معاشرة بالمعروف تحمل كل عناصر الود والمحبة والتقارب والتفاهم والتكامل بين دوريهما وشخصيتيهما في المنزل الزوجي وفي الأسرة أيضاً. وقد ورد في السنة الشريفة نصوص كثيرة تؤكد على أهمية هذا الأمر، سواء من طرف الرجل أو من طرف المرأة على حد سواء. كما إن المعاشرة بالمعروف بين الزوجين تُحْدِثُ بينهما تقارباً روحياً وسلوكياً وتفاهماً متبادلاً وانفتاحاً من أحدهما على الآخر، بحيث يضفي كل ذلك على الحياة الزوجية مسحة رائعة من الوفاق والانسجام الذي يعينهما على تجاوز كل ما يمكنه أن يطرأ على حياتهما من خلافات جزئية في الأمور العادية التي تحصل بحسب الغالب ما بين الزوجين.
وبالعودة إلى النصوص الشرعية نجد أن هناك حقوقاً متبادلة بين الزوجين، تشكّل بمجموعها طريقة.. المعاشرة بالمعروف، ونبدأ بحقوق الزوج أولاً ثم نأتي بالنصوص الدالة على حقوق الزوجة.
أ ـ حقوق الزوج:
1 ـ أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها، ولما ماتت فاطمة (عليها السلام) قام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: "اللهم إني راضٍ عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها"... الإمام الباقر (عليه السلام).
3 ـ ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
4 ـ لا غنى بالزوجة في ما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن:
صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلة تكون فيها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه ـ الإمام الصادق (عليه السلام).
5 ـ جهاد المرأة حسن التبعل ـ الإمام الكاظم (عليه السلام).
6 ـ عن ورام بن أبي فارس في كتابه قال: قال (عليه السلام): أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت، وقال (عليه السلام): ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاَّ كان لها خيراً من عبادة سنة.
ومن هنا لا يجوز للمرأة أن تعامل زوجها بغير المعروف، لأن ذلك يكون كاشفاً عن كون الزوجة متسلطة أو لا أخلاق حميدة عندها، وهذا ما قد يسبب كما هو الملاحظ خلافات كثيرة تؤدي إلى حالات الطلاق والانفصال ما بين الزوجين، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة، ومنها:
1 ـ ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه... الإمام الصادق (عليه السلام).
2 ـ من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر.. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ب ـ حقوق الزوجة:
1 ـ ما زال جبرائيل يوصيني بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلاَّ من فاحشة مبينة ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ حق المرأة على زوجها أن يسد جوعتها وأن ستر عورتها، ولا يقبِّح لها وجهاً ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3 ـ وأما حق الزوجة فإن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها... الإمام زين العابدين (عليه السلام).
4 ـ إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خصال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك، معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن ـ الإمام الصادق(عليه السلام).
5 ـ إذا سقى الرجل امرأة أجر ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
6 ـ لا يخدم العيال إلا صدِّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
7 ـ جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما لا يحب الإسلام للمرأة أن تؤذي زوجها، كذلك لا يحب للرجل أن يؤذي زوجته، وقد ورد في الحديث أن (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة)، أي ينبغي على الرجل أن يعامل زوجته بكل رقة واحترام وأن لا يضغط عليها بما ليس بحق، وأن لا يؤذيها باليد أو اللسان، بل على العكس أن يعبّر لها عن حبه كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً"،
ومن الأحاديث الدالة على نهي الرجل عن إيذاء زوجته:
1 ـ ألا وإن الله ورسوله بريئان ممن أضر بامرأة حتى تختلع منه ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
3 ـ لا يكن أهلك أشقى الخلق بك ـ أمير المؤمنين (عليه السلام).
* ثالثاً: الصبر على الحياة الزوجية:
قد تصطدم الحياة الزوجية نتيجة لحالات معينة بخلافات في الآراء أو التوجهات التي قد تؤدي إلى مشاكل ومشاحنات، والمطلوب في مثل هذه الحالة من كلا الزوجين الصبر على بعضهما البعض ومحاولة استيعاب ما يحدث بينهما من لبيات، لأن استمرارها قد يؤدي إلى نسف الحياة الزوجية بالكامل ويحصل أبغض الحلال عند الله عز وجل وهو "الطلاق".
ولذا ورد في النصوص الشرعية ضرورة الصبر على الزوج والزوجة، ومن الأحاديث الدالة على ذلك:
1 ـ من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسية بنت مزاحم ـ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 ـ من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب (عليه السلام) على بلائه... رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الطبيعي أن تتوجّه الأحاديث إلى الرجل بالصبر أكثر على أذى المرأة وذلك لأن الطلاق بيده لا بيدها، ومن هنا نفهم تركيز الأحاديث على ضرورة صبر الرجل، وأن يتحمّل ما قد يصدر عن امرأته من تصرفات قد تكون أحياناً شاذة في غير محلها. بينما لو كان الأذى من الرجل فالمرأة لا تتمكن من أن تطلق نفسها إلا إذا وافق الرجل على إجراء الطلاق.
وبالجملة قصورة الحياة الزوجية ضمن الأسرة يجب أن تكون بصفة عامة جارية ضمن قواعد المعاشرة بالمعروف كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} إلاَّ أن النصيحة الإسلامية العامة، في هذا المجال أن على الزوجين أن يسعيا قدر الإمكان لتخفيف المشاكل عبر محاولة فهم كل واحد لتوجهات الآخر ورغباته، وأن يحاول كل طرف أن يطوّر من سلوكه وتصرفاته بما ينسجم مع الطرف الآخر، وخاصة أن كُلاً منهما قبل الزواج قد تكون له طريقة معينة أو تصرف معين قد لا يتلاءم مع طريقة أو تصرف الآخر، ومن هنا فلا بد لكلٍّ منهما من أن يفهم الآخر حتى يتمكّنا من تحقيق الانسجام مع بعضهما البعض، ومن العيش بالطريقة التي يحبها الإسلام، والتي تساعد على إنجاب الأبناء وتأسيس الأسرة الفاضلة الواعية والهادفة.