نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

علامات الظهور في الميزان


العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى


إن من الأمور التي أصبحت مألوفة لنا: أن نجد من الناس حين يواجهون الأزمات، ويجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع الأحداث الكبيرة والخطيرة نجدهم يظهرون اهتماماً متزايداً بقضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وبعلائم الظهور، ويبحثون عن المزيد مما يمنحهم بصيص أمل، ويلقي لهم بعض الضوء على ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد.

ومن هنا فإننا نجد عدداً من الكتَّاب والمؤلفين يحاولون الاستجابة لهذه الرغبة الظاهرة، ويبذلون جهوداً كبيرة لترسيم مستقبل الأحداث وفق ما يتيسر لهم فهمه من النصوص الحاضرة لديهم، تلك النصوص الحاضرة لديهم، تلك النصوص التي جاء أكثرها غامضاً وغائماً، اختلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها، وربما تعرض كثير منها للتحريف، أو زيدَ فيه أو نقص منه. هذا عدا عن أن الكثير منه ربما يكون قد اختلقته يد الأطماع والأهواء.

* الانحراف الخطير
وإننا وإن كنا نقدّر لجوء الناس إلى الدين وإلى النصوص الدينية وشعورهم بأنه هو الذي يملك الإجابات الصحيحة عن كثير من تساؤلاتهم، ولديه الحلول الجذرية لما يعانون منه من مشكلات وبلايا، إلاَّ أن تعاملهم في خصوص الإخبارات الغيبية، وبالأخص مع قضية الإمام المهدي (عليه السلام)، قد جاء لينذر بانحراف خطير في المجال العقائدي، فضلاً عن المجال العملي، وذلك حينما اقتصر على زاوية واحدة منه، وهي تلك التي تشغل بال الناس وتستأثر باهتمامات الكثرة منهم، ألا وهي علامات ظهوره (عليه السلام) بما تضمنته من إخبارات غيبية بما سيحدث في آخر الزمان.
وقد استبطن ذلك إهمال سائر مفردات ومجالات التعامل مع هذه القضية حتى أصبحت في عالم النسيان، لا تكاد تخطر لأحد منهم على بال، ولا تمرّ له في خاطر، رغم أنها هي الأهم والأكثر مساساً بحياتهم وبوجودهم، وعلى رأسها التعامل معه كقائد للمسيرة، ومهيمن على السلوك، والموقف، وموجّه لها..
وهكذا... لم يعد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بالنسبة إلى الكثيرين منا هو ذلك الإمام الحاضر والناظر، الذي يعيش من أجل قضية، ويعمل ويضحي، ويدعونا إلى العمل والجهاد والتضحية من أجلها وفي سبيلها.
كما أننا لم نعد نحمل همومه كما يحمل هُمومنا، ولا نشعر معه كما يشعر هو معنا، ولا نراقب حركتنا كما يراقب هو حركتنا، وربما لا نتوقع منه، ولا نريد أن يتوقع منا أي عمل إيجابي تجاه القضية الكبرى التي يجاهد ويعاني في سبيلها وهي قضيتنا قضية الإسلام والإنسان.

* الأئمة واقفون على سلبيات الأمر
في اعتقادنا: أن أئمتنا صلوات الله عليهم كانوا يدركون أن هذا النوع من الأخبار التي تصدر عنهم، وإن كانت له إيجابياته الكبرى إلاَّ أن له أيضاً سلبيات من نوع آخر، لا بد من التصدي لها ومعالجتها، والحد من تأثيراتها قدر الإمكان.
وذلك لأن هذا الموضوع جذاب، يستهوي أصحاب الأهواء والطموحات، خصوصاً أصحاب الدعوات الباطلة والزائفة منهم ممن يريدون تكريس دعواتهم تلك بالأساليب الملتوية وبالادعاءات المثيرة لفضول الناس العاديين، وتستأثر باهتماماتهم، شريطة أن لا يجرؤ أحد على تكذيبها بصورة صريحة ولا حتى التشكيك فيها، وذلك بسبب ما تثيره فيهم من شعور مبهم بالخوف والوجل تجاهها. فإن أصحاب الطموحات والدعوات الباطلة يدركون جيداً أن الإنسان العادي لا يملك إلا الاستسلام للغيب، والانهزام أمام المجهول، ومحاولة التحرز منه ومن أخطاره المحتملة..
وهذا بالذات هو ما يضعف مقاومة الناس العاديين أمام تلك الدعوات مهما كانت غائمة، وغير واضحة المعالم، أو غير منسجمة مع أحكام العقل، ومقتضيات الفطرة، كما أن ذلك من شأنه أن يبعدهم ويصرفهم عن التفكر في ماهيتها الحقيقية، وفي صلاحها وفسادها.
وبعد ما تقدم.. فإنه يصبح من الطبيعي أن يكثر الاختلاف والوضع في مجالات الغيبة المستقبلية وفي علامات آخر الزمان، التي يرصد الناس فيها مستقبلهم ومصيرهم.
ولسوف تصاغ بقوالب خادعة ومطاطة وغامضة ليمكن الاستفادة منها في الموقع المناسب.

* ما هو الحل؟!
وكل ما تقدم يحتم ويُلزم بوضع حلّ لهذا المشكل، تُتلافى معه تلك السلبيات مع الحرص على أن تؤدي تلك الإخبارات الغيبية الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) دورها التي كانت من أجله.
وقد بادروا (عليهم السلام) إلى وضع حل يضمن ذلك بصورة تامة ودقيقة، وقد جاء منسجماً تماماً مع الهدف الذي ترمي إليه الإخبارات الصادرة عنهم (عليهم السلام).
وقبل التعرض لهذا الحل نشير إلى حقيقة هامة، إذا أدركناها فإنه يسهل علينا معرفة صوابية ذلك الحل الذي قدموه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

* الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع
وهذه الحقيقة هي: أن المعصومين (عليهم السلام) ما كانوا بإخباراتهم تلك يريدون ربط الناس بما سيقع، من أجل أن يستغرقوا فيه. أو ليكون ذلك عذراً ومبرراً للوقوف على هامش الساحة في موقع المتفرج.
إن لم يصبح عبئاً يثقل كاهل العمل المخلص والجاد. ويثقل خطو العاملين كذلك.
هذا كله.. عدا عما يمارسه الكثيرون ممن لديهم هذا الفهم من دور سلبي في مجال التثبيط، وإيجاد حالة من الفضل والإحباط، وقد يتعدى ذلك إلى إيجاد الانقسامات والاختلافات التي تستهلك الطاقات، وتستنفد الهمم والعزائم، ليصبح العدو من ثم أقدر على توجيه الضربات الساحقة، والماحقة، لكل جهد مخلص، أساسي وبنَّاء.

نعم.. إنهم (عليهم السلام) ما كانوا يريدون ربط الناس بما سيقع، وإنما بما وقع، أي أنه يريدون للناس أن يستفيدوا مما وقع ومضى لينعش الأمل بالناس ويشحذ الهمم والعزائم ليمنحهم اليقين، ويهب لهم حالة السكون والركون إلى الحق، والارتباط العاطفي والشعوري بقائد المسيرة ورائدها، بعد الانتهاء من مرحلة الارتكاز العقائدي المستند إلى القناعات الناشئة عن وسائل الإثبات للأصول والمنطلقات الأولية في مسائل الإمامة على صعيد مفاهيمها الأساسية من جهة، وعلى صعيد التجسيد الحي في المثل الحي للإمامة الحاضرة، من جهة أخرى.
ولا شك في أن وجود هذا الارتباط العاطفي والشعوري، وذلك السكون والركون يصبح ضرورة ملحة، حينما يبدو أن الناس قد بدأوا يتعاملون مع قضية الإمام المهدي كمرتكز عقائدي، لا يملك من الروافد الشعورية والعاطفية إلاَّ القليل القليل، الذي لا أثر له في موقع الحركة، وتسجيل الموقف.
فالمطلوب إذاً، هو أن يسهم ما وقع في بعث الأمل ورفع درجة الإحساس، والشعور والارتباط بالقائد وبالقيادة إلى مستوى أعلى وأكثر حيوية وفاعلية فيه الكثير من الجدّية، والمزيد من العطاء: ويعمّق في الإنسان المسلم المزيد من الشعور بالمسؤولية والإحساس بالرقابة، ليعيش في رحاب الإمامة في السلوك والموقف، وفي جميع مفردات حياته التي يعيشها.
كما أن الأمة قد تتعرض لأخطار التشكيك وإثارة الشبهات في عقائدها وفي دينها، أو أنها تعيش حالة الضعف والانبهار بما عند الآخرين والدفع لسبب أو لآخر ولا تستطيع إيصال صوت الحق بقوة وبفاعلية وتفقد وسائل الردع. فعلامات الظهور إذاً تفيد في ترسيخ العقيدة وتأكيد الثقة والطمأنينة الوجدانية وتحفظ إيمان الناس.

* الحل الأفضل
وبعد هذا التوضيح الذي ذكرناه نقول:
إن هذا الحل يتلخص في إعطاء ضابطة عامة للأحاديث التي تتحدث عن المستقبل وعن علامات الظهور للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، تشير إلى أنها جميعاً حتى ما صح سنده منها إنما تتحدث عن أمور ليست بأجمعها حتمية الوقوع، فمن الجائز أن لا يقع بعض منها، ولكن هذا البعض لا يمكن لنا تحديده بالدقة.
والسبب في ذلك هو: أن الإمام (عليه السلام) أو النبي عجل الله تعالى فرجه الشريف إنما يتحدث ويخبر عن تحقيق المقتضي لوجود ظاهرة، أو حدث ما وفق ما هو مخزون في علم الغيب، بحيث لو سارت الأحداث على طبيعتها لتحقق ذلك المقتضي.

ولكنه عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يخبر عن شرائط تأثير تلك المقتضيات هل سوف توجد أم لا؟ كما أنه لم يخبر عن الموانع التي قد تعرض للمقتضي وتمنعه من التأثير.
وإذاً.. فإذا تحقق شيء مما أخبر عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإن ذلك يكشف عن تحقق شرائطه، وفقد موانعه، وتمامية عناصر علته، وإذا لم يتحقق، فإن ذلك يكشف عن عروض مانع، أو فقد شرط تأثير ذلك المقتضي.
فهو عجل الله تعالى فرجه الشريف إذاً إنما يخبر عن أمور قد تختلف في المآل والنتيجة، ولكنها متحدة، وذات طبيعة واحدة، وفي نسق واحد من حيث تحقق مقتضياتها. وهذا بالذات هو ما تعنيه الروايات التي نصت على حتمية بعض علامات الظهور، وأوضحت أن سائر ما يُذكر في الروايات مما عدا ذلك قد لا يقع بعض منه إما لاحتمال أن لا يوجد شرط تأثير مقتضيه أو لوجود المانع من التأثير.

وذلك يعني: أن يصبح ضعيف السند، وصحيحه من تلك الروايات بمنزلة واحدة، من حيث عدم إمكانية التنبؤ بحتمية حصوله في المستقبل فإن كل ما أخبرت عنه تلك الروايات يصبح في معرض أن لا يتحقق ولا يكون. وإن كان احتمال الحصول في الروايات الصحيحة أقوى منه في غيرها.
فلا مجال بعد لرسم خريطة للأحداث المستقبلية، ولا يصح صرف الجهد في التعرف إلى ما سيحدث، ومحاولات من هذا القبيل لن يكون لها الأثر المطلوب في ترغيب الناس، أو ترهيبهم، ما دام أنه لم يعد ثمّة مجال للاستفادة من الأخبار صحيحها وسقيمها إلاَّ بعد وقوع الحدث فيأتي حينئذٍ دور المقارنة بين ما هو مذكور في الرواية، وبين ما وقع فعلاً ويكون الإيمان به، أو عدمه على هذا الأساس.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع