نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب الأنبياء: حبيب اللّه محمد


سكنة حجازي


يمكن القول، بدون أدنى مبالغة، إن شخص رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وأدبه وخلقه، أقل ما يقال فيه أنه مما يحار فيه المفكر العاقل واللبيب الحاذق، لأن من أراد أن يسبر أغوار هذه الشخصية العظيمة ويقتفي أثر هذه الأخلاق العالية يستحيل عليه أن يعرف نقطة البداية لكي يسلك الطريق ويصل إلى النهاية.

إن أدب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مع اللّه تعالى، وكما أسلفنا في العدد الماضي، انطلق من حبه لله وفنائه واستغراقه في عبادته حتى استحق أن يكون سيد الأولين والآخرين وسيد المرسلين، وحبيب إله العالمين. وهذه المرتبة الجليلة التي وصلها بتركه كل ما عدا اللّه تعالى جعلته، ربما فوق مستوى البشر.

قال تعالى:
 ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾  (النجم: 7 ـ 5).
 ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ  بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾  (القلم: 4 ـ 5).
 ﴿تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ،  الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾  (طه: 1 ـ 3).
 ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يس  وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ  إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ (يس: 1 ـ 4).

* عند سدرة المنتهى!
ها هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالأفق الأعلى ويطأ موطئاً لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل فقد روي عن أبي عبد اللّه السلام أنه قال: وذلك أنه، يعني النبي صلى اللّه عليه وآله، أقرب الخلق إلى اللّه تعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرائيل لما أسري به إلى السماء: تقدم يا محمد فقد وطأت موطئاً لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولولا أن روحه ونفسه كانا من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، وكان من اللّه عز وجل كما قال اللّه عز وجل {قاب قوسين أو أدنى} أي بل أدنى.

* الخوف من غضب رب العالمين!!
لذا كان صلى اللّه عليه وآله لا يضيق صدره أو يغضب لأمر مهما كان كبيراً إلا لله ولأجل الوحي والرسالة وهداية الناس إلى الوحدانية النورانية الكبرى، ولم يطلب لنفسه الراحة والأجر على عمله بل تحمل من أعباء وثقل الرسالة ما لم يتحمله نبي سبقه واعياً حقيقة نبأه اللّه تعالى بها،  ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ (المزمل: 5). وعاشها في أدق لحظات الضيق وأعلى درجات البلاء. فها هو النبي الرحيم في الطائف بعد أن نبذته عشيرته قريش، وبعد أن توفيت سلوته وزوجته السيدة خديجة الكبرى رضوان اللّه تعالى عليها وتوفي عمه أبو طالب رضوان اللّه تعالى عليه، ها هو يخرج إلى الطائف لعله يجد أرضاً في النفوس لدعوته ورسالته فإذا بهم يكذبونه وليس هذا وحسب بل يؤذونه شر أذية فيلجأ إلى جذع شجرة في بستان ويسند ظهره إليه ويناجي اللّه تعالى) "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهو أني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".

* الرسول أول المسلمين:
وفوق ذلك كان مخلصاً في عبوديته لدرجة أنه جعل حياته ومماته وما يدور في فلكيهما لله رب العالمين:  ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين﴾ َ (الأنعام: 162 ـ 163).
فهو أول المسلمين من الخلق أجمعين فلم ينقل اللّه تعالى في كتابه المجيد هذا القول إلا لنبيه الكريم صل اللّه عليه وآله فيما أخبر عن السابقين خصوصاً الأنبياء عليهم السلام أنهم من المسلمين، قال تعالى على لسان المواريين: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾  (المائدة: 111).
وعلى لسان النبي نوح عليه السلام: ﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين﴾ َ  (يونس: 72).
وقال تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾   (البقرة: 132).
وعليه فإن قوله تعالى:  وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين  يدل على أنه صلى اللّه عليه وآله يتقدم كل المسلمين: قرباً وكرامة وشأناً عند اللّه تبارك وتعالى.

* المولى يخاطب
ولم ينقل لنا القرآن الكريم خطاباً مباشراً عن النبي صلى اللّه عليه وآله بل إن اللّه تعالى كان دائم الخطاب له وذلك إن دل فإنما يدل على المنزلة التي وصل إليها وأصبح مخاطباً من العلي الأعلى، في القرآن الكريم، وفي سدرة المنتهى بما فيه من التكريم والتقريب ما لا يخفى على ذي لب.
فقد قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم صلى اللّه عليه وآله بأنواع من التأديب الإلهي الرقيق: {قل اللهم فاطر السماوات والأرض...} و {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء...} و {قل الحمد لله}، {وقل رب زدني علماً}.
بل إنه طلب إليه الصبر والاستماع لكامل الوحي فلا يعجل ويستبق جبرائيل عليه السلام لشدة تلهفه لوحي اللّه تعالى واستغراقه به. قال تعالى:﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾  (طه: 114). وقال عز من قائل:  ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة﴾ ٌ  (القيامة: 18).
وهنا كلام يحتاج إلى تفصيل نرجو أن نوفق إليه بمشيئة اللّه تعالى.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع