نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أهمية العلم قبل العمل‏

 


كثيراً ما نواجه في مجال التبليغ الديني أسئلة متعددة ومن مختلف شرائح المجتمع، وكل سؤال يتعلق بموضوع يكون محل ابتلاء للإنسان في حالة معينة، أو في فترة زمنية محددة مثلاً، أو قد يتعلق السؤال بأمر يراد له الاستمرار في حياة الفرد المسلم، وهكذا، ولكن كل ذلك الكم من الأسئلة ينقسم من جهة ثانية إلى قسمين اثنين:
الأول: أسئلة يراد بها معرفة التكليف الشرعي قبل العمل والفعل.
الثاني: أسئلة يراد بها معرفة التكليف الشرعي بعد العمل والفعل.

ولا شك في أن السؤال قبل حصول العمل فيه نجاة من الوقوع في الخطأ، مضافاً إلى أنه الطريق الموضوعي الذي يجب على الإنسان أن يسلكه في مقام امتثال أوامر الله ونواهيه، لأن الإقدام على أي أمر من دون معرفة به ودراية هو نوع من السير في الطريق المظلم الذي لا يأمن السائر فيه من الوقوع هنا أو هناك لعدم وجود سلاح يحمي السائر من ظلام الليل، وكذلك فإٌّ من يتصرف في التكاليف الشرعية من تلقاء نفسه أو اعتماداً على معلومة أخدها الإنسان من هنا أو هناك قد يوقعه في العديد من المشاكل الشرعية التي كان يمكن تجنبها لو التفت إلى أن عليه أن يسأل جيداً قبل العمل حتى لا يبتلى بهذا الابتلاء الذي أوقع نفسه به.

وهذا الموضوع الذي قد يقول البعض بأنه لا يستحق أن نعطيه هذه المساحة من الاهتمام، ويكفي القول بأن العلم مطلوب قبل العمل وهذا يكفي لإيصال الفكرة المطلوبة. إلا أن ما نراه من مشاكل متعددة في هذا المجال مما يترتب عليها في الكثير من الأحيان إحراجات بالغة، بل مشاكل معقدة يحتم علينا أن نتوقف ملياً عند هذا الأمر ولو من خلال ذكر بعض الأمثلة والنماذج عن الأسئلة التي هي مورد استفسارات الناس والمؤمنين الملتزمين، لكن قبل ذكر النماذج لا بد من الإشارة إلى أن الخطأ الحاصل بالعمل قبل التعلم يمكن إدراجه ضمن ثلاث فئات:
الأولى: أخطاء لا تترتب عليها أية مسؤولية شرعية لكونها غير مؤثرة، وإن كان الأفضل هو عدم حصولها، وهذا من قبيل ما لو قرأ ما وجب الجهر به في الصلاة بشكل خافت أو على العكس بأن قرأ ما وجب الإخفات به جهراً، أو صلى تماماً في موضع يجب فيه صلاة القصر جهلاً بالحكم، إلا أن هذه الموارد من الخطأ قليلة أولاً، ولا أِمية لها تذكر ثانياً.

الثانية؛ أخطاء تترتب عليها مسؤولية إعادة العمل لا أكثر مثل ما لو صام الإنسان حال السفر وهو يجهل أن المسافر مثلاً لا يجب عليه الصوم، أو مثل ما لو صلى بوضوء باطل فهنا تجب عليه إعادة الصلاة ولو بعنوان القضاء مع الوضوء الصحيح.
وهنا لا بد من التذكير بأن غالبية موارد الخطأ في هاتين الفئتين هي من موارد العبادات بالمعنى الخاص وهي متوقفة في صحتها على نية القربة إلى الله سبحانه وتعالى كالصلاة والصيام.
وهنا لا بد من التذكير أيضاً بأن إعادة العمل بسبب الخطأ قد يترتب عليها صدق عنوان فعل الحرام أو ترك الواجب مما يؤدي إلى استحقاق الإنسان للعقاب عند الله عز وجل في الفئة الثانية أيضاً.

الثالثة: أخطاء تترتب عليها مفاسد أخلاقية واجتماعية، وقد تؤدي أحياناً نتيجة إحراجات معقدة إلى وقوع الإنسان في فعل الحرام عن تعمد وعلم، مثل ما لو طلق رجل امرأته ثم قبل انتهاء عدتها تزوجت من آخر بمعنى صار هناك عقد زواج بينهما، فهنا من ناحية شرعية فإن العقد قبل انتهاء العدة باطل شرعا، ولا ينفع مرور الزمن في تصيح العقد الواقع باطلاً في هذا المورد، نعم لو حصل الزواج الفعلي قبل العلم ببطلان العقد فالأولاد إن وجدوا بسبب هذا الزواج فهم أولاد شرعيون، لكن لا بد من قطع كل علاقة زوجية بين الرجل والمرأة في هذه الحالة لأنها تصبح محرمة وهي بالنسبة إليه امرأة عادية كالأخريات، وهو بالنسبة إليها كالرجال الآخرين أيضاً، ومن الأمثلة أيضاً ما لو أعطى شخص ماله لآخر لكي يتاجر به بعنوان المضاربة ثم قال آخذ المال لصاحبه، "أعطيك في الشهر مئة ألف، على مالك" فهذا النحو من عقود المضاربة باطل من الناحية الشرعية، لأن المضاربة هي عبارة عن إعطاء شخص ماله لآخر على نسبة معينة من الربح الحاصل من العمل بنفس رأس المال، وتحديد رقم معين يتنافى مع وقع الربح الحاصل من المتاجرة الذي قد ينقص أو يزيد من المبلغ المحدد وفق المضاربة الباطلة، ومن الأمثلة أيضاً ما لو أراد شخص بنفسه ومن دون استئذان شرعي ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أنه قد حصل منه الضرر الجسدي أو المالي على بعض الناس، وهكذا في سائر مجالات الحياة التي يكون عدم العلم بالتكليف الشرعي موجباً للوقوع في الخطأ والاشتباه.

من هنا نرى تأكيد القرآن الكريم في العديد من آياته يشدد على ضرورة العلم والمعرفة مثل قوله تعالى:  ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾.
وبالرجوع إلى أحاديث المعصومين عليهم السلام نجد الوفرة من النصوص التي تؤكد على ضرورة التفقه في الدين لأنه سبيل النجاة عند الله عز وجل، ومنها:
1- تفقهوا في الحلال والحرام وإلا فأنتم أعراب.
2- من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: ".. ابتدئك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذك بك إلى غيره".
3- حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب وفضة.
4- ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام.
5- قال رجل للإمام الصادق عليه السلام: "إن لي ابناً قد أحب أن يسألك عن حلال وحرام، لا يسألك عما لا يعنيه، فقال: وهل يسأل الناس عن شي‏ء أفضل من الحلال والحرام".
ولذا نجد الحث والتشجيع على طلب العلم قبل العمل، ومن الأحاديث الواردة في هذا المجال:
1- من عمل بما يعلم علمه الله ما لم يعلم.
2- من تعلم فعمل علَّمه الله ما لم يعلم.
3- من عمل بما علم كفي ما لم يعلم.

من هنا نجد في أحاديثنا أن الإنسان عندما يحضر يوم القيامة في محضر العزة الإلهية لكي يحاسب على أعماله الباطلة أو عن الأعمال التي قصر فيها نتيجة جهله وتقصيره في حق نفسه فيحاول الاعتذار بأنه لم يكن يعلم ولذا صدر منه الخطأ أو عدم العمل، ومن هنا يأتيه الجواب القاطع (لماذا لم تتعلم حتى تعمل أو حتى لا تقع في الخطأ والاشتباه)؟.

ومن هنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد أن أفضل العلوم عند الله عز وجل وهو العلم بالدين والتفقه في التكليف الشرعي، ولذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أجاب من سأله عن أفضل الأعمال فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم بالله والتفقه في الدين" فكرر السائل سؤاله وقال: يا رسول الله، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن العلم ينفعك معه قليل العمل، وإن الجهل لا ينفعك مع كثير العمل".
وكذلك ما ورد في حديث آخر: "أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلا به، وأوجب العلم عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العمل لك ما دلَّل على صلاح قلبك وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علم العاجل فلا تشتغلنَّ بعلم لا يضرك جهله، ولا تغفلنَّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه".

من كل ما سبق نجد أن الأحاديث تعتبر أن العامل من دون علم كالسائر من دون نور لا يهتدي إلى الحق سبيلاً واضحاً، ومما ورد في هذا المجال:
1- إن العامل بغير علم، كالسائر على غير طريق، لاف يزيده بعده عن الطريق الواضح إلا بعداً عن حاجته، والعالم بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فينظر ناظر: أسائر هو أم راجع.
2- العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، ولا يزيده سرعة السير من الطريق إلا بعداً.
3- من عمل بغير علم كان يفسده أكثر مما يصلح.
4- مثل العابد الذي لا يتفقه كمثل الذي يبني بالليل ويهدم بالنهار.
5- المتعبد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح.

ولأهمية التعلم قبل العمل نجد التشديد في الحديث الشريف على ضرورة أن يبادر المسلم إلى تلقي العلم حتى يصح منه العمل، ومن النصوص في هذا المجال.
1- لا يستحينَّ أحد إذا لم يعلم الشي أن يتعلمه.
2- ما من متعلم يختلف إلى باب العلم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة.
3- من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً.
وبما أن المجال لن يتسع لكل ما نريد قوله عن العلم وأهميته نقتصر على هذا المقدار الذي يعطينا الصورة الواضحة عن ضرورة الوسيلة للإتيان بالعمل الصحيح المبرئ‏ للذمة أولاً، ولأنه يعطي الإنسان المسلم الحصانة من الوقوع في الخطأ والاشتباه، ولأنه يمنع الإنسان من ترك العمل بما جيب عليه أو يمنعه من فعل ما وجب عليه تركه، ولأن العلم الذي يصدر عنه العمل هو الذي يزيد من رصيد المسلم عند الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ونختم حديثنا في هذا الموضوع بالحديث الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل، لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع