نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أين المقاومة في قانون الإعلام المرئي والمسموع؟



المهندس نايف كريم‏


اثنا عشر فصلاً وثلاثة وخمسون مادة، حوالي خمسة وسبعين بنداً وفقرة تضمنها قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 382 - 94، فشلت بعد أكثر من أربع سنوات على صدورها في بلورة رؤية إعلامية وطنية يمكن الركون إليها، مع أنها تطرقت بالبحث والتفصيل لأحكام تأسيس المؤسسات الإعلامية المرئية وواجباتها وما هو محظور عليها، وكل ما يتعلق بمداخليها والرقابة عليها.

ومع بدء العام 1999 يكون هذا القانون قد دخل عامه الخامس وهي فترة كافية ربما، وربما طويلة تسمح بعد التجربة العملية التي تمت بإجراء مراجعة موضوعية شاملة لمواد القانون الذي يمكن وصفه بأنه الأكثر إثارة للجدل قبل وبعد صدوره وأكثر تسبباً بالأزمات أثناء تطبيقه.
وعلى الرغم من أهمية صدور قانون من هذا النوع في لبنان بعد استتباب السلم الأهلي للحد من الفوضى والعشوائية الإعلامية التي كانت قائمة، كان من الواضح أن الظروف والأوضاع وحسابات مراكز القوى التي كانت سائدة آنذاك تركت آثاراً وندوباً واضحة في بنية القانون تسبب في ظهور الكثير من الاختلالات والإرباكات أثناء التطبيق.

واليوم مع اتخاذ قرار طبيعي بإعادة فتح ملف الإعلام المرئي والمسموع فإن الحكم بإيجابية هذا القرار يوضحه المنحى الذي ستسلكه معالجة هذا الملف. هل ستكون محكومة لحسابات مراكز القوى المستحدثة وسنعاني بالتالي من ندوب جديدة تزيد الواقع الإعلامي اختلالاً وارتباكاً؟ أم أن المعالجة ستكون محكومة بروح وطنية تتوسل التقويم الموضوعي للنص القانوني وللأداء الإعلامي اللبناني ومدى الانسجام أو اللاإنسجام في إنتاج رسالة إعلامية وطنية تلبي تطلعات اللبنانيين وتخدم قضاياهم الكبرى؟

إن مراجعة مواد قانون الإعلام المرئي والمسموع توحي بأن إطار تنظيم هذا القطاع محكوم بهاجس السعي للإمساك بعنق من يبقى قادراً على الاستمرار بعد تجاوز العقبات والتعقيدات المالية والإدارية. لذلك جاءت بنود القانون مفصلة أكثر مما يجب في بعض الجوانب الثانوية ومجتزأة وغير سليمة على مستوى التوجه في جوانب أساسية ومصيرية.

وحتى لا نغرق في جدل سطحي حول تعديلات تطال دور وصلاحيات مجلس الوزراء ووزير الإعلام والمجلس الوطني للإعلام نعتقد أن البحث ينبغي أن يتركز على قضايا جوهرية على الشكل التالي:
أولاً: قضية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي و "تحرير الجنوب اللبناني وأهل الجنوب" الذين توجه إليهم رئيس الجمهورية إميل لحود في خطاب القسم بالتحية "صامدين ومقاومين، أحياء وشهداء" معتبراً أن "القضية الوطنية الكبرى هي أنتم وإزالة الاحتلال عنكم".
إن هذا التشخيص الدقيق والواضح للقضية الوطنية الكبرى ينبغي أن تظهر مصاديقه في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وفي فعاليات اللبنانيين وأنشطتهم اليومية، وهذا ما لا يساهم بإيجاد قانون الإعلام المرئي والمسموع الحالي، الذي لم يتعرض إلى هذه القضية الهامة إلا في البند السادس من المادة السابعة وبشكل غير كامل عندما تحدث عن "التزام المؤسسة عدم بث كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ترويج العلاقة مع العدو الصهيوني".
إن هذا النص اليتيم لا ينسجم في الواقع مع تشخيص القضية الوطنية الكبرى..." وإن كان يمنع بشكل صريح ما يروج للعلاقة مع العدو الصهيوني لكنه يتجاهل تماماً كل مفردات القضية الوطنية الكبرى التي حددها الرئيس لحود: "أنتم الجنوب وأهل الجنوب، صامدين ومقاومين، أحياء وشهداء، وإزالة الاحتلال عنكم". وهذا التجاهل في القانون انعكس تجاهلاً تاماً في معظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة المرخصة، إذ باستثناء إيراد الأخبار الحديثة التي تنسجم مع مطلب مواكبة الأحداث وغالباً وفق رؤية وكالات الأنباء الأجنبية ونقلاً عنها لم تشعر بعض الوسائل الإعلامية أحداً في لبنان وخارج لبنان بأن لدينا قضية وطنية كبرى.

لقد ثبت بالتجربة أن هذا النص عاجز عن دفع المؤسسات الإعلامية لتبني قضية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ودعم مقاومة اللبنانيين والحث على الصمود والثبات والاهتمام بأبناء المنطقة المحتلة، بعيداً عن التمييز والإثارة الطائفية ذلك لأنه نص سلبي يلزم المؤسسة بالامتناع عن شي‏ء محدد فقط وهو الترويج للعلاقة مع العدو الصهيوني، ولا يوجب عليها في المقابل فعل أي شي‏ء لنصرة "القضية الوطنية الكبرى". بل إن هذا القانون لم يمنع بعض المؤسسات من بث البرامج التي تروج لتفوق العقل اليهودي وتدفعه باتجاه التعاطف مع اليهود كفئة مضطهدة تاريخياً.

إن معالجة هذا الخلل في القانون الذي أبرزته التجربة العلمية يعتبر من أولى الأولويات التي يجب أخذها بالاعتبار عند لانظر بتعديل القانون.
ثانياً: الأخلاق العامة التي لم يتطرق إليها قانون الإعلام المرئي والمسموع إلا في المادة 36 فيما يتعلق بمنع بث إي إعلان "يحتوي على عناصر تسي‏ء للناشئة والأخلاق العامة". وفي هذا النص المجتزأ الذي لم يلتزم به جميع وسائل الإعلام المرئية باستثناء المنار إشكالية واضحة لناحيتين:

الأولى: أن النص جاء هنا أيضاً نصاً سلبياً يتحدث عن منع الإساءة للأخلاق العامة من دون الحديث عن أي فعل واجب لنشر الفضيلة والأخلاق الرفيعة، فضلاً عن أن تحديد ما يسي‏ء وما لا يسي‏ء وسيلة إعلامية دون مرجعية يُستند إليها.

والثانية أن دفتر الشروط النموذجية الذي تحدث عن البرامج (وهذا يحتاج لمعالجة خاصة) نص صراحة في الفقرتين "أ" و "ب" من البند الثاني من الفصل الثالث على السماح ببث ما يسي‏ء للأخلاق العامة بعد التاسعة والنصف ليلاً بعنوان "أفلام وبرامج تتسم بالعنف والتشويق الجنسي".
فكيف نفسر منع الإساءة للأخلاق العامة في الإعلانات والسماح بها في البرامج؟

ثالثاً: المنحى التجاري الذي يفرضه القانون على المؤسسات الإعلامية، إن هذه النقطة بالذات بحاجة إلى دراسة متأنية ودقيقة تحدد الكثير من سلوكيات المؤسسات الإعلامية وتدفع باتجاهها.
إن بعض بنود القانون التي وضعت بخلفيات سياسية لتضييق الخناق على المؤسسات الإعلامية ومنع معظمها من الاستمرار بحجة عدم استيفاء الشروط على مستوى مصادر التمويل تحولت عند التطبيق إلى حاكم أعلى في تحديد طبيعة المادة الإعلامية التي يمكن تقديمها إلى الجهور، وبما أن الترويج للسلعة هو مصدر التمويل بات من الضروري التساؤل هل الإعلام رسالة أم سلعة؟

بالطبع لا يمكن التسليم بأن الإعلام سلعة تخضع لمنطق السوق ومفاهيمه وقيمه التي لا تقيم وزناً للمبادئ‏ والأخلاق وتطغى فيه أهمية الشكل على المضمون، لأن إعلاماً كهذا لا يمكن أن يكون له دور في خدمة القضايا الوطنية الكبرى.
وإذا كنا نفهم الإعلام بأنه رسالة تغني التفاعل والتواصل بين أبناء المجتمع وبين بني البشر وتسهم في الرقي الإنساني وفي لعب الدور الأبرز في خدمة القضايا الوطنية والإنسانية، فإن علينا أن لا نجعله محكوماً لمنطق السوق.

إن ما تضمنه قانون الإعلام المرئي والمسموع حول مصادر تمويل الأداء الإعلامي وربطه حصراً بسوق الإعلانات التجارية لم يؤدِ في الحقيقة إلا إلى إخضاع الرسالة الإعلامية لمنطق السوق ومستلزمات الترويج للسلع الاستهلاكية، فضاعت الحدود بين السلعة والرسالة، وضاعت بينهما الرؤية الإعلامية الوطنية اللبنانية التي ما زلنا نبحث عنها دون جدوى، إذ بدت السلعة هي رسالتنا الوطنية حيناً واختزلت رسالتنا الوطنية إلى سلعة أحياناً!

وبتنا نلتمس السلعة وسيلة لنصرة قضايانا الوطنية الكبرى إعلامياً ومن دونها لا نصرة ولا من ينصرون ولا من ينتصرون!
فهل ننقذ الإعلام اللبناني من هذا السقوط ونوقف "تسليع" الرسالة الإعلامية الوطنية؟ سؤال برسم العهد والحكومة والمجلس النيابي.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع