نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أول الكلام: كيف نتصرّف في مجلس المعصية؟


الشيخ بسّام محمّد حسين


تتردّد على ألسنة بعض المؤمنين والمؤمنات حينما يجلسون في مجلس يُعصى الله فيه -بغيبةٍ أو غناءٍ أو استهزاءٍ بالدين وغيره- عبارة: "انحرجنا"، كتبرير لبقائهم في ذلك المجلس حال وقوع المعصية؛ لأنّ الآخر قد ينزعج من انصرافهم.


وهذه المجالس تمثّل بالنسبة إلى الإنسان المؤمن ابتلاءً اجتماعيّاً، عليه التعامل معه بإحدى طريقتين:

1- الطريقة الإيجابيّة: أن يعالج الجالس ذلك الأمر المحرّم، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح والموعظة الحسنة. وإن لم يمكن هذا العلاج، فعليه أن يقوم بتغيير مجرى الحديث بحيث يتناول موضوعاً جائزاً ومحللاً.

2- الطريقة السلبيّة: إن لم تنجح الطريقة الأولى، فعلى الجالس أن يتّخذ موقفاً شجاعاً، بحيث يغادر هذا المجلس ولا يبقى جالساً فيه، فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره"(1).

وهذا من آداب القرآن وتعاليمه في الآية الكريمة: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ (النساء: 140).

ففي تفسير الأمثل: إنّ الآية تخبرنا عن أمور عدّة:

1- إنّ المشاركة في مجالس المعصية تكون بمثابة المشاركة في ارتكاب المعصية، حتّى لو بقي المشارك ساكتاً أو ساكناً، ولم يشارك في الاستهزاء بنفسه؛ لأنّ السكوت في مثل هذه الأحوال، دليلٌ على رضى صاحبه بالذنب المرتكب.

2- لو تعذّر على الشخص النهي عن المنكر بالشكل الإيجابيّ، فلا بدّ أن يتحقّق النهي ولو بالصورة السلبيّة، مثل أن يبتعد الإنسان عن مجالس المعصية ويتجنّب الحضور فيها.

3- إنّ الذين يشجعون أهل المعاصي بسكوتهم وحضورهم في مجالس المعصية، إنّما يُجازَون ويُعاقَبون بمثل عقاب العاصين أنفسهم.

4- لا ضير من مجالسة الكفّار إنّ لم يدخلوا في حديث فيه استهزاء وكفر بالآيات الإلهيّة، وما لم تكن هذه المجالسة تحمل خطراً آخر. ويدلّ على إباحة المشاركة في مجالس الكفّار التي لا يعصون الله فيها، قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾.

5- إنّ المجاملة ومداهنة العاصين المذنبين، إنّما تدلّان على روح النفاق لدى الشخص المجامل؛ وذلك لأنّ المسلم الحقيقيّ الواقعيّ لا يمكنه أن يشارك في مجلس يُعصى فيه الله، ويُستهزأ بآياته الكريمة وأحكامه السامية، دون أن يُبدي اعتراضاً على هذه المعاصي، أو -على الأقلّ- أن يُظهر عدم رضاه بترك هذا المجلس(2).

ختاماً، إنّ الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت، فما حاله لو مات في ذلك المجلس الذي يُعصى الله فيه؟! وهذا ما حذّرت منه الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "لا تجلسوا على مائدة يُشرب عليها الخمر، فإنّ العبد لا يدري متى يُؤخذ"(3)، وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام وهو ينهى أحدهم عن الاستماع إلى الغناء المحرّم يقول له: "ما كان أسوأ حالك، لو متّ على ذلك!"(4).

اللّهمّ ارزقنا حُسن العاقبة، بمحمّدٍ وعترته الطاهرة.


1.الكافي، الكليني، ج 2، ص 347.
2.الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ج 3، ص 500-501.
3.ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 379.
4.الكافي، (م. س.)، ج 6، ص 432.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع