مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الثورة في نظر الإمام الصدر: نداء الأنبياء

 


في 23 آب 1978 نشر الإمام موسى الصدر مقالاً مهماً في صحيفة لوموند الفرنسية حول موضوع الثورة الإسلامية في إيران، يعتبر الآن وثيقة فريدة خصوصاً أنه آخر مقال كتبه سماحته قبل اختفائه في يوم 31 آب من العام نفسه وقبل انتصار الثورة المباركة في إيران:
وهنا ترجمة حرفية لهذا المقال:


تختلف انتفاضة الشعب الإيراني عن كل الحركات المماثلة لها في العالم، فهي تفتح منظوراً جديداٌ للحضارة العالمية، ومن هنا فهي تستحق اهتمام جميع المعنيين اليوم بقضايا الإنسان والحضارة.

فحركة الشعب الإيراني برغم اتساعها وبرغم الاتهامات التي تلصقها بها السلطة، تتمتع بأصالة كبيرة سواء من حيث اتجاهها أو من حيث مكوناتها الشعبية، أو من حيث مبادؤها وأهدافها، أو من حيث أخلاقياتها، فقوى اليمين غائبة عن انتفاضة الشعب الإيراني برغم وجود البترول والمصالح الكبرى التي يمثلها، وكذلك الأمر بالنسبة لليسار الدولي، فهو كذلك غريب عن هذه الانتفاضة، برغم وجود أكثر من ألفي كيلومتر من الحدود المشتركة بين إيران والاتحاد السوفياتي، والحزب الشيوعي الإيراني كذلك ليس له دور كبير في هذه الانتفاضة مع أنه من أقدم أحزاب المنطقة. إذاً فإن كلاً من قوى اليمين واليسار، في حدود ارتباطهم المباشر بالكتلتين الدوليتين، ليس لهم أي تأثير على مجرى الأحداث.

والشعب الإيراني يعرف ذلك جيداً. فهو يعرف أن النظام الذي اتهم الانتفاضة بالرجعية يتجاوز كل الأنظمة الرجعية من حيث انتهاكه للحريات وأساليبه البائدة في الحكم. فالشعب الإيراني يعلم أن النظام لا يتردد في التضحية بمصالح الأمة وفي تزيع ثرواتها على القوى العظمى، ليحظى برضاها وعندما يقارن الشعب هذا السلوك مع أصالة المعارضة فإنه لا يتورع عن التضحية من أجل هذه الأخيرة. وهو برغم أنه أعزل، فإنه يدلي بشهادة الدم بشكل بطولي ويوجد قوة ليس لأي كان القدرة على تحطيمها.

والثوريون الإيرانيون، لا يمثلون شريحة اجتماعية محددة. فالطلبة والعمال والمثقفون ورجال الدين يساهمون جميعاً في الثورة. إنها حركة شعب في تنوع أجياله: في الأسواق وفي المدارس وفي المساجد وفي المدن وحتى في أصغر الدساكر. وهذا ما يجعل النظام يتهم اليمين واليسار، الشرق والغرب، العرب بمختلف أنظمتهم، وحتى الفلسطينيين. وهو بذلك يعترف باتساع الانتفاضة الشعبية وعمقها.

وحركة معارضة نظام الشاه، تستند اليوم إلى أعلام خاص بها، فتصريحات قادتها وخطبهم تبلغنا بواسطة أولئك الذين توجه لهم التصريحات والخطب في قلب الشعب الإيراني.
والحق أقول، إن هذه الحركة وازعها الإيمان وأهدافها هي أهداف إنسانية مفتوحة وأخلاقية ثورية وهذه الموجة التي تهب على إيران اليوم تذكرنا بنداء الأنبياء، قبل أن يحيد عن خط هذا النداء أصحاب الملل والنحل والمستفيدون. وهي حركة حدد زعيم المعارضة، الإمام الأكبر الخميني أهدافها بوضوح في حيث أدلى به لصحيفة "لوموند" (تاريخ 6 أيار)، وهو عندما شهد بأصالة هذه الحركة، فقد أشار إلى أبعادها القومية والثقافية والتحررية.

إن أحداث إيران، وما طرأ عليها من تحول دراماتيكي، تضع العالم أمام جملة من المعطيات الأساسية:
1- إن التجربة الإنسانية التي تخاض في إيران تستحق أن تدرس وأن يدافع عنها ضد الدعاية المغرضة، من قبل كل من يهتمون بقضايا الإنسان والحضارة.
2- إن نظام الشاهد بعد أربعين سنة من التسلط وبرغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة أمامه، فقد فشل حتى عن أن يحمي نفسه من غضب الشعب، علماً بأنه يمتلك في الوقت الحالي أكبر مخزون للأسلحة في العالم الثالث.
3- إن القيم الأخلاقية للإنسان المتحضر باتت مهددة في إيران، وهي لا يمكنها أن تنقذ مهما كان الدعم العالمي الذي يحظى به النظام طالما واصل هذا الأخير سفك الدماء، وخنق الحريات مع ادعاء الدفاع عن "التقدم" و"الحضارة".
4- إن النظام الذي بات يعاني خضات داخلية، كان بالأمس يتحدث عن الدفاع عن أمن الخليج والمحيط الهندي والصومال. ذلك أن شيئاً لم يعد يزعجه أكثر من الحركات الشعبية.

إن المذابح التي تدمي إيران حالياً والتي يحاول النظام إخفاءها، تتوجه بنداء للإنسان المعاصر ولحس المسؤولية عنده، وهذا الإنسان يتعين عليه أن يعطي عن هذه المذابح صورة حقيقية للعالم، ففي مثل هذه الخدمة يؤكد رفضه لها.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع