مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

هل انتهى دور تجمع العلماء المسلمين في لبنان أم تبدل؟


بقلم: الشيخ علي حسن خازم*


تتجه الأنظار في أسبوع الوحدة الإسلامية من كل عام إلى تجمع العلماء المسلمين في لبنان باعتباره الهيئة الوحيدة التي تشكلت من علماء الفريقين على أساس الوحدة والجهاد واستمرت.

وتعظم مسؤولية التجمع يوماً بعد يوم من خلال العناية الخاصة التي توليها القوى والفعاليات السياسية والدينية لدور هذا التجمع ورغبتها في أن يقدم المزيد، فأين التجمع من هذه الرغبة، وما هي آفاق الوحدة الإسلامية التي تستدعي استمراره في العمل بها؟
وخلافاً لهذا يرى بعض المراقبين أن تجمع العلماء المسلمين في لبنان يعاني من انكفاء في العمل كما في الحضور الجماهيري فما هي الصورة الواقعية للتجمع؟

الجامع بين الصورتين إقرار بالحاجة إلى بقاء تجمع العلماء المسلمين في لبنان واستمراره في العمل وهذه الحاجة موضوعية تستدعيها فعلاً معطيات المجتمع اللبناني والمسلمون فيه سواء من حيث التعدد المذهبي أو الديني أو الفكري الحامل لبذرة الاختلاف والتنازع علة الفشل وضياع عوامل القوة من يد المجتمع اللبناني في مواجهة الواقع الداخلي والخارجي. ويمكن الادعاء هنا وبدون أي مجازفة أن تجربة تجمع العلماء المسلمين في لبنان أسهمت وبشكل فعال في بلورة قيمة لمعنى الوحدة فسمعنا بأسبوع الوحدة المسيحية ورأينا صوراً للوحدة الشعبية أو السياسية أو الحزبية.

وقبل الدخول في آفاق الوحدة الإسلامية التي تستدعي استمرار التجمع في العمل لها، ومشاريعه على هذا المستوى لابد من التعليق على ملاحظة البعض التي ما انفك يطلقها حول توقف التجمع عن اندفاعاته وانحسار حضوره الجماهيري...
إن إصرار هؤلاء يصدر إما لغرض تعظيم بعض الأفراد فيقيس الفعالية تالياً بعدد البيانات أو المقابلات، وإما لغرض تعظيم بعض الأحزاب أو الحركات أو الهيئات فيقيس الفعالية والجماهيرية تالياً بالمهرجانات والمسيرات ومستوى تلبيتها، وإما استسهلالاً وتراخياً عن النظر في الواقع وتطوراته وإدراك المتغيرات فيه فيقيس حضور التجمع في السنوات الأخيرة على حضور التجمع في سنوات التأسيس. وإذا كنا ندرك واقعية وجدية تأثير فرد أو أكثر بالمزايا التي يتحلون بها فإننا ندرك كذلك واقعية القول أن العلاقة بين الفرد والمؤسسة لا يمكن أن تكون علاقة تطابق لأن غيابه يصير غياباً لها والتجمع ما يزال موجوداً فعلاً.

وإذا كنا نعرف حجم جماهيرية حزب ما أو تنظيم ما فإن القياس عليه خاطئ لأكثر من وجه منها أن المقياس عليه لا يشترك مع التجمع اليوم في شيء لا من حيث الشكل ولا من حيث الجوهر وإنما التقيا في كثير من الأمور.
أما إذا كان القياس قائماً على أساس التفاوت وفعاليته في حضور التجمع وفعاليته بين فترة زمنية وأخرى فإنني أجد ضرورة لبيان مقدمة هامة ينبغي اعتمادها وفي اعتبار السنوات بين 1982 و1990 مرحلة تأسيسية للتجمع يتداخل فيها الواقع الاجتماعي السياسي وتشكل التجمع تأثيراً وتأثراً. وسليمٌ القول إن الواقع الاجتماعي السياسي لم يؤثر في التجمع دون غيره من القوى والفعاليات ولكن السليم أيضاً القول أن التجمع في تلك المرحلة لم يكن وحده المؤثر في الواقع فضلاً عن أن التجمع اليوم كإطار وأداة لم يعد نفسه لجهة بعض المعطيات أو المساحات التي كانت متروكة له.

وهكذا مثلاً يصير القول "أن التجمع أسقط اتفاقية "السابع عشر من أيار" بإرادة المعنى الحقيقي لا المجازي عبئاً على التجمع لأنه إن كان حقيقة فحجم التجمع اليوم أكبر من جهة عدد أعضائه وإمكانياته وتصح مطالبته بإنجازات على هذا المستوى ولكن إن كان المراد المعنى المجازي- وهو الصحيح- فإننا نكتشف بسهولة الفارق في المعطيات لجهة التسليم الفارق في المعطيات لجهة التسليم من الكثير من القوى لزيادة التجمع في مواجهة اليهود والمتهودين في تلك المرحلة وحضورها معه أو خلفه.

وكذلك لا يمكن قياس فعالية وحضور مجموعة أو هيئة بحدود خصوماتها ومنافستها واختلافها على قاعدة أن هيئة ما أو فرداً لا يمكن له أن يكون حياً أو فاعلاً ثم لا يكون له منافس أو خصم أو حركة صراع. والواقع أن التجمع بصورة عامة ليس موقع خصومة مع أي جهة وهو خارج أي ساحة تنافس.

هذا القياس غير مقبول أولاً: لأننا إذا استدعينا كون التجمع شهد مرحلة من الخصومة والمنافسة بل والاختلافات الحادة أحياناً فإن غيابها لم يكن لانكفاء التجمع عن العمل بل لأن هذه الخصومة والمنافسة والاختلافات تعلقت بالتجمع من قضايا ومسائل مرعية أو مبرزة عبر التجمع وهي غير خاصة به فلما انفرزت القوى والمؤسسات لحقها ما يتعلق بها من خصوصياتها وبقي للتجمع خصوصياته التي نعرف جميعاً أنه يواجه خصومة واختلافاً مضمرين بل وتنافساً مضمراً على أساسها، وهذه الحالة من الإضمار ترجع إلى بقاء التجمع إلى اليوم معياراً معقولاً ومقبولاً عند المتنافسين البارزين سواء باحترامه وأفكاره إيجابياً عند البعض، أو تفادياً للسلبيات المحتملة دون اعتراف بدور التجمع في إيجاد وتركيز فكرة الوحدة الإسلامية بكل تحليلاتها كقيمة اجتماعية في لبنان لا يمكن تجاوزها عند البعض الآخر.

ثانياً: لأن ما تقاس به حيوية وفعالية هيئة ما هو حضورها فيحمل شعاراتها أو نتيجة أدائها لبرنامج عملها إلى الساحة المفترضة لها. وإذا كان ثمة تقصير من هذه الجهة في تعميم الشعارات المرحلية أو برنامج العمل ليقاس عليها فإن هذا لا يجيز للمراقب. الواعي خصوصاً والملتزم بشكل أخص- أن يلجأ إلى السهولة والتعميم في إطلاق الملاحظات لعدم سلامته منها من جهة وللمحذور الشرع والأخلاقي من جهة أخرى.

أخيراً إن الرغبة الشخصية لأعضاء التجمع في قيامه كانت سبباً في حدوثه لكنها ليست سبباً في بقائه، بل هي الرغبة الموضوعية التي يشتركون فيها مع الكثيرين، ولذلك نلاحظ حرص أكثر من واحد من أعضائه الذين تركوا العمل فيه على بقائه ونلاحظ عنايتهم واهتمامهم به ولو من بعيد. ولو لم يكن الداعي لاستمرار التجمع موضوعياً لكان أي اختلاف من أي مستوى كافياً لشق التجمع أو تعطيله.
نعم كما أن عصمة الأفراد لها شروطها كذلك لا يمكن ادعاء امتلاك التجمع العصمة لكن الجماعة بشروطها تكون أبعد عن الخطأ في سيرة عملها فيمكن والحالة هذه مناقشة وضع التجمع على أساس أطروحته العملية وإمكانيته الفعلية أما قياس وضع التجمع على الطموحات أو الرغبات أو الأماني فشأن بعيد عن الموضوعية فضلاً عن أن الأماني سلاح غير المجدين أو الجادين وفي هذا المجال يكون متعيناً إرشاد التجمع إلى بعض مواقع القوة والعمل التي يمتلكها ولا يستفيد منها وهذا شأن له مجاله الخاص.

* أفق الوحدة الإسلامية وعمل التجمع:
لم تكن الوحدة الإسلامية شهوة أو ترفأ فكرياً عند أعضاء تجمع العلماء المسلمين بل كانت قضية تعرضت لحرب يومية داخل لبنان وخارجه ولذلك كانت صلب عمله الميداني اليومي في شأنيه السياسي والحدثي خلال ما اصطلحنا عليه بمرحلة التأسيس بين 1982- 1990.
وكانت مواقف تجمع العلماء المسلمين وأعماله محكومة بمبادىء أبرزها:
1- فلسطين هي جوهر الصراع الإسلامي مع الاستكبار العالمي.
2- الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة الإسلام وقائدها هو قائد الأمة الإسلامية وولي أمرها.
3- الوحدة الإسلامية بمستوياتها المختلفة هي السبيل إلى الدولة الإسلامية القطرية والعالمية وإلى عزة المسلمين في بلادهم حيث لا يمكن ذلك.
4- إن درء فتنة التفريق والتنازع واجب رعي ولذلك ركّز التجمع في مواقفه منها على المستويات الوطنية الداخلية، أو بين دول المسلمين على اتجاهات ثلاثة:
أ- استنقاذ بندقية المقاومة وإبقاؤها في مواجهة العدو الإسرائيلي.
ب- تضييق عنوان النزاع بين الأطراف الإسلامية إلى حدوده الطبيعية.
ج- الدعوة إلى تحكيم الشرع والعقل في الأسباب المباشرة للنزاعات.
5- تعزيز روح الوحدة الإسلامية يكون، إضافة إلى بنائه المفهومي بتوعية أفراد الأمة على قضايا العالم الإسلامي كله، ودعوتهم إلى بذل ما يستطيعونه في سبيلها، ومباشرة العمل السياسي والجهادي والثقافي.
6- العلماء قادة الأمة، ولما جاء في الحديث الشريف: "العلماء ورثة الأنبياء" فإن العلماء والهيئات العلمائية ينبغي أن يكونوا في طليعة المتصدين لقضايا شعوبهم وأمتهم على كل الأصعدة.
هذه المبادئ حكمت المواقف والتحركات وفق طبيعة المرحلة التي اتسمت بصورة غياب الدولة المركزية وتعدد حروب الزواريب والقوى والحرب الداخلية بين اللبنانيين فضلاً عن المواجهة الأصلية مع العدو الإسرائيلي وعملائه وحلفائه والمعوقين في الشريط المحتل وغيره.

وأما بعد استقرار الوضع الداخلي لبنانياً وبعد اتجاه القوى الحزبية الإسلامية للمشاركة في البناء الوطني العام عبر المؤسسات الرسمية وما انتهت إليه من انتخابات نيابية وبلدية واختيارية فإن موضوعية الحاجة إلى تجمع العلماء المسلمين في لبنان كمبرر لاستمراره ناشئة من وجود أفق للوحدة الإسلامية يتسع ليشمل:
1- سلامة الحضور الإسلامي في لبنان بما هو دولة متعددة دينياً، وما يعنيه هذا الأمر من حفظ وجود واستمرار المسلمين متمسكين بشريعتهم وعدم السماح بصدور أي قانون يمس هذا الوجود أو يهيئ لإيجاد انحراف عن الالتزام الديني في مجالات الحياة كافة من التربية والتعليم إلى تشريع وسن القوانين، وهذا المعنى لا يتعارض مع الالتزام بالمواطنية ضمن حفظ النظام العام.
2- بناء المجتمع الإسلامي المنسجم مع محيطة وفق القيم السماوية لأننا أبناء بلد تعترف دولته بوجود الله جلّ جلاله وتجتمع في أديانه قيم الالتزام بالحقوق والخير والكرامة ورفض الظلم والعدوان والفحشاء وهكذا يمكن للمجتمع أن يحصن نفسه ضد جراثيم العدوان العسكري الإسرائيلي والتهويد الثقافي والتغريب المادي وهي قضايا مشتركة حتى مع الكثير من العلمانيين.
3- تميز دور اللبناني في تجربته السياسية والجهادية والتنموية لأنه حجة على الساحتين العربية والإسلامية فهو حجة في قدرة أبنائه على تجاوز نزاعاتهم الداخلية، وحجة في قدرة أبنائه في المقاومة الإسلامية على كسر هيبة الآلة العسكرية الإسرائيلية، وحجة في مجال التنمية وإن لم يبرز حتى الآن إلا الإرادة التي تجاوزت حالات التهرب العالمية من الدعم المفترض بقرارات دولية.

هذه العناوين التي يدركها تجمع العلماء المسلمين في لبنان أنشأت وظائف خاصة ضمن إطار إمكانيات التجمع على مستوى التنسيق والدعم للقوى والحركات الإسلامية أو مباشرة عبر أعضائه وأنصاره والوسائل الإعلامية المتاحة أمامه وفي طليعتها مجلة البلاد التي تعتبر لسان حال التجمع في الكثير من المواضع. وعبر مؤتمراته وندواته وبياناته وعبر توزع أعضائه وأنصاره في جميع أنحاء لبنان، وكذلك عبر مشاركته في العمل العام وحواره المستمر وعلاقاته الواسعة مع كل القوى والفعاليات محلياً وخارجياً.

يبقى أن نقول أن التجمع وإن بدا في الفترة الأخيرة وكأنه مؤسسة للنخبة فهذه الملاحظة ناشئة من أن التجمع قد بلور في فترة ما بعد التأسيس رؤية لعمله فصلت بين المتابعات الحدثية اليومية وتركها للقوى والأحزاب وبين مسؤوليته كهيئة علمائية عن المفاصل الوطنية في الشأن السياسي أو المؤثرة في سلامة الحضور الإسلامي العام في الوطن والمنطقة، نعم يمكن الإشكال على التجمع بأن من حق المتابعين لمسيرته أن يكونوا على اطلاع مفصل بتوجهه وخطته ليمكنهم من المشاركة والفعالية ولو بنحو الدلالة على مواقع للقوة قد لا يكون ملتفتاً إليها للاستفادة منها أو المساهمة معه في تطوير إمكانياته في ما يحتاج إليه وهذا ما ندعو إليه.

(*) مدير عام مجلة البلاد.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع