مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الآداب المعنوية للصلاة: في المواظبة على الوقت



ع.ن


"أيها العزيز، اغتنم وقت المناجاة هذا بالقدر المقدور والمقدار المقدور وأدّ آدابه القلبية، وفهّم قلبك أن وسيلة الحياة الأبدية الأخروية ومنبع الفضائل النفسانية ورأس مال الكرامات اللامتناهية هو المراودة والمؤانسة بالحق ومناجاته" (آداب الصلاة/ص111).
إنها دعوة العزيز العارف بالله الفاني في محبته. يدعونا إلى الغنيمة التي لا حدّ لها، في جوار المحبوب الأوحد، من خلال المناجاة والمراودة والمؤانسة بالحق جل جلاله، وأي مقام أعظم، وأي كمال أكمل؟ وكل الجمال والكمال له دون سواه.


ليست الحياة إلا الحياة الخالدة. وإن الحياة الفانية المنقطعة ليست عيشاً حقيقياً عندما تقارن بالحياة السرمدية كما قال مولى الموحدين عليه السلام: "لا عيش إلا عيش الآخرة".
وإن كل مذهب في الدنيا يدعو إلى الفضيلة، وكل مدرسة تدعو إلى الكرامة، ولكن هذا الدين الخالص يدعو إلى منبع الفضائل ومنتهى الكرامات اللامتناهية: "إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
ولا يتحقق ذلك كله إلا بطاعة الله والرجوع إليه في كل شيء، لأنه أصل كل شرف ومنبع كل خير، تعالى مجده.
"... وخصوصاً الصلاة، فإنها مرهم روحاني أُعدّ بيدي جمال الحق وجلاله، وهي عبادة أكمل وأجمع من جميع العبادات" (آداب الصلاة/111).
ولقد هيّأ الحق سبحانه للإنسان القابع في سجن الأمراض والأسقام ومستنقع الكثرة والغفلة مرهماً خاصاً من بين جميع المراهم والأدوية ـ التي هي العبادات ـ لشفائه وتربيته، ليصل إلى الجمال والجلال، ويكون مظهراً تاماً لتجلياته. وهو الصلاة الجامعة للأسرار والمستودع فيها كل الأنوار: "إن قبلت قبل ما سواها".

شروط الاستفادة:
"ـ قبقدر ما يمكنك حافظ على أوقاتها.
ـ واختر أوقات فضيلتها فإن فيها نوراً ليس في غيرها من الأوقات.
ـ وأقلل فيها من اشتغالاتك القلبية.
ـ بل اقطعها". (آداب الصلاة/ ص111).
ما هو الحفاظ على الوقت؟ ولماذا للفضيلة نور ليس في غيرها؟ إن وقت الصلاة في الحياة الدنيا هو وقت انقطاع خاص إلى الله تعالى. وحيث أن كل الأوقات لله، فإن وقت الصلاة هو مناسبة التعبير عن هذه الحقيقة. فلو ادعى العبد أن كل وقته لله، ولم يخصص منه شيئاً خاصاً له سبحانه فهو كاذب مدعٍ. وإن الصلاة هي اختصاص الحق عزَّ وجلَّ، وفيها اختصاص أخص هو وقت فضيلتها ليعلم الله الصادقين. ولو أخّر المصلي الصلاة إلى غير فضيلتها، فقد بَعُدَ عن الصدق إلا لعذر مقبول.
وبما أن الصلاة هي فرصة توجه القلب إلى الواحد، ولأننا ما زلنا في حجاب الكثرة والتلوين، فإن قلوبنا تحتاج إلى رياضة خاصة للتوجه إلى الوحدة، وأعظم الرياضات القلبية وأرفعها الصلاة.

* كيفية الاستفادة:
"وهذا يحصل بأن تقسّم أوقاتك وتعيّن للصلاة المتكفلة بحياتك الأبدية وقتاً خاصاً لا يكون لك فيه أشغال أخرى ولا يكون للقلب تعلقات.
ـ ولا تجعل الصلاة تزاحم الأمور الأخرى كي تستطيع أن تستحضر القلب وتريحه" (آداب الصلاة/ ص111).
إن تعظيم الصلاة والتوجه التام إلى المعبود يستلزم قطع الانشغالات القلبية مهما كانت، فكما أنه يجب استقبال بيت الله بالبدن أثناء الصلاة، كذلك ينبغي استقبال المعبود بالقلب حينها. ولا ينبغي أن يكون القلب مشغولاً بشيء أثناء هذه العبادة الجامعة. وعلى هذا الأساس، فإن على المبتدئ الذي ما زال خياله كالشجرة الكثيفة الأغصان، وخيالاته كالعصافير التي تنتقل من غصن إلى غصن، أن يجعل وقت الصلاة خالياً من الانشغالات القلبية. وذلك من خلال تعيين أوقات خاصة لكل الأعمال التي تشغله. وهذا لا يحصل إلا بتنظيم الوقت تنظيماً جيداً. كذلك لا يحصل إلا بعد اليقين بأن الرزق مقسوم، ولن يزيده السعي الزائد عن التكليف الشرعي. وتفهيم القلب حقيقة الصلاة وأنها رأسمال الكرامات اللامتناهية.

وعل أثر المواظبة والمداومة على هذه المجاهدات الموصوفة من قبل الإمام، تلوح أنوار الصلاة، وينبعث في القلب أنس خاص، يشد المصلي إلى محضر الانس ومحفل القدس.
ويذكر الإمام أمراً مساعداً، له تأثير قوي في النفوس لأجل تحصيل هذا التوجه. وهو الاطلاع على حالات أئمة الدين وقدوة الصالحين في مناجاتهم للحق، فيقول:
"والآن نذكر الأحاديث الواردة في أحوال المعصومين (عليهم السلام) فلعله بالتدبر في حالات أولئك الأكرمين يتم التنبيه وتدرك عظمة الموقف وأهمية المقام وخطره وتستيقظ من نوم الغفلة".
فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا ونحدّثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه شغلاً بالله عن كل شيء".
وروي عن علي عليه السلام؛ كان إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون، فيقال له ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول عليه السلام: جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها".

ونقل السيد ابن طاووس في فلاح السائل، كان الحسين عليه السلام إذا توضأ يتغير لونه وتضطرب مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: حق لمن يقف بين يدي ذي العرش أن يصفر لونه وتضطرب مفاصله".
وعن علي بن الحسين عليه السلام: كان إذا حضر للوضوء اصفر لونه فيقال له ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: ما تدرون بين يدي من أقوم؟".

* قاعدة عز الربوبية وذل العبودية:
وبعد هذا البيان، يأتي دور العرفان والمعرفة لتربية الإنسان، لأجل تحقيق قاعدة "عز الربوبية وذل العبودية" التي هي ميزان سير الإنسان وسلوكه.
فإن من عرف مقام ربه ومقام نفسه أمام ربه يصل إلى الحضور التام ويجد الصلاة وسيلة للتعبير عن هذه المعرفة، بل لا يرى غيرها وسيلة.
الصلاة هي وسيلة العارفين، كما أنها وسيلة للعرفان، فالعارف يصلي ليبثّ هذا الوجود حقيقة ثقيلة، وغير العارف يسعى للوصول إلى الحقيقة بالصلاة، والجامع بينهما معرفة مقام الرب سبحانه ومقام النفس عنده.
يقول الإمام قدس سره إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ :
"ونحن أيضاً إذا تفكرنا قليلاً وفهّمنا قلبنا المحجوب أن أوقات الصلاة هي أوقات الحضور في جناب القدس بحضرة ذي الجلال، وأن الحق تعالى ملك الملوك والعظيم المطلق في تلك الأوقات دعا عبده الضعيف الذي هو لا شيء إلى مناجاته وأذن له بالدخول إلى دار الكرامة حتى يفوز بالسعادات الأبدية ويجد السرور والبهجات الدائمة لكنا مبتهجين ومسرورين من دخول وقت الصلاة بمقدار معرفتنا" (آداب الصلاة).
ففي هذه الوصية الكبرى إشارة إلى مقام الرب وهو ملك الملوك والعظيم المطلق. ومقام النفس الذي هو: لا شيء. أي أن الإنسان ليس شيئاً بين يدي الله تعالى.
وإذا حصل للمصلي هذا التوجه، فإنه يبدأ في السير داخل "ذل العبودية وعز الربوبية"، وتصبح عباداته وسيلة للقرب.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إلهي ما عبدناك حق عبادتك"، وهو أفضل الخلق وأكملهم، وذلك لأنه أعرف الخلق بربه وبنفسه. وليس المطلوب من العبادة في مراحلها الأولى سوى إدراك هذه الحقيقة. وما دام العابد بعيداً عن هذا التوجه فلا يكون لعبادته أي معنى.

يقول الإمام قدس سره:
"... فإنك إذا جعلت ذلتك نصب عينيك وتواضعت لذات الحق المقدسة بروحك وقلبك، وعرفت نفسك وعبوديتك أنها لا شيء، يتلطف الحق تعالى ويرفعك ويخلعك بخلعة كراماته".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع