يطلق على الأعمال المحظورة التي تسيء إلى مصالح المجتمع بشكل مباشر مصطلح "الجريمة" هذا في القانون الوضعي، أمّا في التشريع الإسلامي فإنّ الجريمة تشمل كلّ الأعمال التي تسيء إلى مصالح المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر، فالرذائ الخلقية التي يمارسها الإنسان لوحده، أو يضمرها في داخل نفسه، هي ذنوب أو جرائم في رأي الشريعة الإسلامية، لأنّها تحط من قيمة الإنسان وشرفه وكرامته، وبالتالي تؤدّي إلى انهدام المجتمع الإنساني بشكل غير مباشر.
ثمّة ذنوب تنخر في جذور المجتمعات البشريّة وتهدّد وجودها مثل الكذب والغيبة والتهمة والافتراء والغضب والحسد والرياء والحرص والتكبّر والحقد لا يعتبرها القانون الوضعي ذنوباً ولم يضع لها عقوبة، بل لا تستطيع يد القانون الوضعي أن تمتدّ إلى مثل هذه الذنوب، بينما يتسع نطاق التشريع ليشمل كلّ ما تنطوي عليه النفس الإنسانية وكلّ ما يصدر عن الإنسان في خلواته.
فعلى سبيل المثال نرى الشريعة تقف موقفاً صارماً من الكذب فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:
"إنّ الله عزّ وجل جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب". وعن الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام: "حطّب الخبائث في بيتٍ جُعل مفتاحه الكذب".
وروي أنّ رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: "يا رسول الله دُلّني على عمل أتقرّب به إلى الله تعالى". فقال: "لا تكذب"، فكان ذلك سبباً لاجتنابه كلّ معصية لله لأنّه لم يقصد وجهاً من وجوه المعاصي إلاّ وجد فيه كذباً أو ما يدعو إلى الكذب فزالت عنه تلك المعصية".
علماء الاجتماع والنفس اليوم يتحدّثون عن أخطار الكذب وارتباطه بازدواج الشخصية الإنسانية، وآثاره السيّئة على الفرد والمجتمع، لكنّ علماء القانون الوضعي لا يستطيعون القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع.
وبشأن الحرص والحسد والتكبّر يقول الإمام الصادق عليه السلام: "أصول الكفر ثلاثة: الحرص، الاستكبار، والحسد فأمّا الحرص فإنّ آدم عليه السلام حين نُهي عن الشجرة حمله الحرص على أن يأكل منها وأمّا الاستكبار فإبليس حيث أُمِر بالسجود لآدم فأبى، وأمّا الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه".
وحول الغضب يقول عليه السلام: "الغضب مفتاح كلّ شر".
هذه الأمراض النفسية تعصف اليوم بالمجتمعات البشرية وتهدّدها بالإبادة والفناء، وتثير هنا وهناك الفتن والحرون الطاحنة والمجازر الدموية، كما أنّها تؤدّي إلى انتشار أنواع الأمراض النفسية والعقلية، وتنشر الدوائر العلمية والاجتماعية التحقيقات تلو التحقيقات عن هذه الانحرافات النفسية، ونتائجها، غير أنّ المسؤولين عاجزون عن استئصال جذور هذه الانحرافات والجرائم التي أخذت تزداد بازدياد بُعد المجتمعات عن سلطة الدين وهيمنة الشريعة.