طرق باب عبد الرحمن بن سيابة رجلٌ من رفاق أبيه، وكان عبد الرحمن فتىً يانعاً توفي أبوه ولم يورثه إلاّ الفقر والبطالة.. ارتاح الزائر في البيت وعزّى صاحبه وسلاّه، ثمّ سأله هل ترك أبوك شيئاً؟
فقال: لا.
فدفع الرجل إليه كيساً فيه ألف درهم وقال له:
احفظها وكُل فضلها.
ثمّ عاد الرجل من حيث أتى، ودخل عبد الرحمن البيت فرحاً مسروراً وأخبر أمّه بذلك، ولما كان العشاء، ذهب إلى صديق من أصدقاء أبيه، وطلب منه أن يشتري له بضائع، فما كان الغد حتّى جلس في حانوت يبيع ويشتري وبمرور الأيام رزقه الله خيراً كثيراً، ودرّت عليه تجارته ربحاً وفيراً، وما إن حلّ موسم الحجّ حتّى صمّم على السفر لأداء فريضة الحج، وأخبر أمّه بتصميمه، فقالت له ردّ دراهم فلان عليه أولاً، ثمّ هيء نفسك للسفر.
ذهب عبد الرحمن إلى الرجل، ودفع إليه دراهمه، فظنّ الرجل بأنّ الدراهم كانت قليلة، فقال لعبد الرحمن: لعلّك استقللتها فأزيدك.
فأجابه: لا ولكن وقع في قلبي الحج وأحببت أن تكون دراهمك عندك.
سافر عبد الرحمن إلى مكّة وأدّى مناسك الحجّ، ثمّ ذهب إلى المدينة ودخل على أبي عبد الله عليه السلام مع من دخل الناس، وجلس خلفهم، فأخذ الناس يسألون الإمام عليه السلام وهو يجيبهم، فلما خفّ الناس، أشار الإمام عليه السلام إلى عبد الرحمن، بأن يدنو منه، فلمّا دنا منه سأله:
ألك حاجة؟
فقال: أنا عبد الرحمن بن سبابة.
-ما فعل أبوك؟
-هلك.
فلمّا سمع الإمام عليه السلام ذلك ترحّم عليه ثمّ سأله:
-أترَكَ شيئاً.
-لا.
-فمن أين حججت.
-فحكى عبد الرحمن للإمام عليه السلام قصّة الرجل، وما إن انتهى من حكايته حتّى سأله عليه السلام: ماذا فعلت بدراهم الرجل؟
-فقال: رددتها إليه.
فقال له الإمام عليه السلام: قد أحسنت، ألا أوصيك؟
-بلى جعلت فداك.
-عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة تشرك الناس في أموالهم.