أرحّب الأخوة الأعزاء والأخوات المحترمات، وآمل من الله التوفيق والتسديد لهم في هذا الطريق المقدّس المليء بالفخر والاعتزاز.
إنّ هذا الجمع العسكري والجامعي معاً الجامع لاثنتين من القيم السامية لمجتمعنا؛ ألا وهي العلم والجهاد، يعتبر من أفضل وأرقى الأجنحة في قواتنا المسلّحة.
إنّ اكتساب العلوم العسكرية يعبتر – اليوم – من الفرائض للعسكريين في أيّ مستوى كانوا، وإنّ الدورات العسكرية تعتبر من القيم الحقيقية بالنسبة لنا.
طبعاً إنّ الجيش وحرس الثورة الإسلامية اللذين يمثلان جيش الجمهورية الإسلامية يملكان ميزة استثنائية وهي أنّهما اجتازا التجربة العملية للعلوم العسكرية في سوح الحرب لسنوات طويلة. فهناك فرق بين قراءة شيء ما في كتاب، وبين تطبيق هذه القراءة أو تعلّمها في ميادين العمل. فأيّ علم أسمى من خوض جيش الجمهورية الإسلامية التجارب في ميادين الحرب والجهاد؟ طبعاً يحتمل وجود أفراد بينكم لم يدخلوا الحرب.
إنّني أكّدت مراراً وأُعيدها هنا أنّه يجب الاستفادة من تجارب الحرب في الدورات العسكرية بأقصى حدّ ممكن سواء لأجل الاستفادة من الجانب العملي لحقائق الحرب وهي مهمّة، أو لأجل إحياء تلك الأيام المليئة بالفخر والاعتزاز. فينبغي أن لا تنسى تلك الأيام العصيبة التي قضيتم فيها أصعب لحظات حياتكم!!.
فهل إنّ خوض شعب بقواته المسلحة حرباً يخرج منها بكلّ فخر واعتزاز هو مزاح؟ فمن أعاننا في هذه الحرب؟ ومن لم يدّ يد العون للعدو؟ وأنا أعتقد حقيقة أنّه يجب أن تشير جميع المظاهر في الجيش والحرس – التي تجلب النظر إليها – إلى تلك الأيام، حتّى هذه الأناشيد في مثل هذه المحافل، طبعاً هي أناشيد جيدة وقابلة للتقدير لكن بدلاً من المدح والتمجيد لشخص ما، يجب أن تمجّدوا أولئك المقاتلين الذين قضوا أغلى أيام عمرهم في تلك الحرب ورفعوا رأس القيادة والحكومة والبلاد والمجتمع والتاريخ. إنّني سافرت إلى دول عديدة تلك الأيام ورأيت أثر تضحياتكم وملاحمكم العظيمة في خلق صورة صادقة لتصدير الثورة، وحفظ شرف وعزّة الإسلام – الذي يعلم الجميع أنّ هذه التضحيات كلّها كانت من أجله...
ولا يجب أن يتصوّر أحد أنّ زمن الحديث عن الشهداء والمجاهدين والمضحّين في سوح الحرب قد انتهى، فهذا الزمن لن ينتهي أبداً. واعلموا أنّه منذ إنشاء أوّل قوة مسلّحة في هذه البلاد وإلى يومنا هذا لم يكن الجيش يتمتّع بهذه الشعبية وهذه العقيدة لخدمة الأهداف والقيم، وهذه التضحية في الدفاع عن البلاد والثغور بالقدر الذي يتمتع به اليوم. في الآونة الأخيرة كان الجيش مجرد اسم وقصر عظيم من الورق المزخرف، ولكنّه خاوٍ في ميادين العمل وكان يحكمه حكّام خونة وقادة عملاء ونفوس ضعيفة وذليلة أمام الأجانب.
كذلك كان الأمر في الأزمنة السابقة، فقد شُكّل الجيش باسم وزي وتنظيم وقيادة أجنبية، فكان جيشاً غير شعبي؛ لأنّ البلاد يحكمها حكّام لا يتمتّعون بأيّة شعبية. أمّا اليوم وبفضل الله فإنّ ذلك الجيش وتلك العناصر الإيرانية المسلمة نفسها قد تشكّلت وظهرت في قوة شعبية عظيمة تدعو للفخر والاعتزاز، لتدافع عن إيمانها وعقيدتها ووطنها.
انظروا إلى الجيوش في العالم وإلى سيرتها وتعاملها مع الأمور، فعلى سبيل المثال، ماذا تعمل الجيوش في الصومال؟ دخلوا إليها بحجّة إغاثة الشعب الصومالي، لكنّهم انهمكوا في القتل والنهب. فبأيّ حجّة يبرّر الجيش الأمريكي مواجهته الشعب الصومالي؟ ولماذا لا تتساءل ضمائر العسكريين الأمريكيين عن المبررات الموجبة لقتل الصوماليين وتحقيرهم تحت شعار كاذب وواهٍ؟ ومع ذلك يدعي بأنّه جيش متحرّر وواعٍ. فآثار حرب فيتنام لم تُمحَ من الأذهان إلى الآن، وهناك أمثلة أخرى، وسائر الجيوش كذلك لا تجد لها أيّ أثر في الدفاع عن الحق. لكن لماذا تواجدها في الصومال وفيتنام وفي المناطق التي لا أثر للأهداف الإنسانية فيها، ولا وجود لها في النقاط التي فيها أهداف إنسانية. طبعاً لا أريد أن أعم بكلامي هذا جميع الجيوش في العالم، فلا بدّ من وجود مجموعات عسكرية أو عناصر في هذه المجموعات مقبولة عندنا. وجيشنا نذر نفسه لخدمة الحق والأهداف الإلهية التي يقبلها كلّ منصف في العالم وكذا للذود عن وطنه واستقلاله، وقوّاتنا المسلحة تريد صون البلاد من الأجانب والمتسلّطين، وهذا هدف عظيم ومقدّس.
فأنتم يا من تعلّمتم في الدورات العسكرية المختلفة وتعلّق حقّ التعليم في رقابكم، صبّوا كلّ جهودكم واصرفوا كلّ أوقاتكم لتجهيز الجيش وجعله أكثر استعداداً، فالجيش بحالة جيدة لكن هناك نواقص ينبغي رفعها. لقد عمد الأعداء ومنذ عشرات السنين إلى عدم اعتماد الجيش على نفسه في مجال الأسلحة. واليوم وبحمد الله فإنّ جهاد الاكتفاء الذاتي والمؤسسات الفنية ماضية بالعمل في هذا المضمار فأديموا العمل ما استطعتم، وكذلك سعى الأعداء إلى الارتباط بهم حتّى في مجال التنظيم والموازين العسكرية. فعليكم التصدّي لهذا الأمر، وعليكم كسب العلوم العسكرية من أيّ كان، لكن لا للاتكال والعمالة لهم، وعليكم التأمل في طبيعة هذه البلاد وطبيعة هذا الجيش وطبيعة عملكم وما يُتوقّع منكم واعملوا طبقاً لهذه الأمور. والحمد لله فإنّ جيش الجمهورية الإسلامية يؤدّي كلّ هذه الوظائف حالياً. وطابقوا القرارات العسكرية مع مبادئ وقيم الثورة، فإذا لاحظتم قرارات مخالفة للقيم الإسلامية، حاولوا تبديلها بمقررات تتفق والأصول الإسلامية فهذه الأصول هي التي تقوّيكم وتدفعكم إلى الأمام وترفع شأنكم في نظر الشعب.
إنّ البلاد تعيش هذه الأيام مرحلة البلوغ والتكامل والبناء، ومرحلة البناء دائماً تكون مرحلة صعبة خصوصاً بعد كلّ هذا الدمار الطويل، دمار الحرب وقبله دمار سيطرة الأجانب على هذه البلاد. إنّني أعتقد أنّ دمار سيطرة الأجانب أخطر وأصعب علاجاً من دمار الحر.
انظروا إلى وضع العالم بعد الحرب العالمية الثانية، لقد اتّحد العالم أجمع – وأمريكا الغنية آنذاك خصوصاً – لبناء وإعمار ألمانيا وفرنسا والدول المتضرّرة في ذلك الوقت، واستمرّ ذلك لسنوات طويلة. أما نحن فلم نعتمد على أيّة دولة أو قوة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتّى عسكرية.
فعلى الشعب أن يكرّس كلّ طاقاته وجهوده وليبني بسواعده المفتولة بلاده بكلّ شوق وأمل، وللجيش السهم الأوفر في هذا المجال. طبعاً إنّني أعتقد أنّ البناء ينبغي أن يبدأ بالدرجة الأولى من داخل تشكيلات الجيش.
وعلى المؤسّسات العسكرية أن تبدأ بنفسها أولاً في البناء والإعمار، ولا مانع من المشاركة في إعمار البلاد إن استطاعت.
وعلى الشباب الذي يلتحقون بالجيش حديثاً وخرّيجي معاهد التعليم العسكري وذوي التجارب القليلة أن يعتبروا هذه الفترة من عمرهم فترة فخر لهم في الدنيا والآخرة، وينظروا إلى فترة الخدمة العسكرية بهذه النظرة. فالعمل العسكري عندما يكون بنيّة صادقة يكون عبادة.
أسأل الله أن يشملكم بلطفه ورحمته ويديم توفيقكم أكثر من ذي قبل وأن نشاهد تقدّمكم علمياً وثقافياً وعملياً ونرى ابتكاراتكم في ميادين شتّى إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته