فاطمة السيد قاسم
لا شكّ أنّ شبابنا في خطر فما هو السبيل لإنقاذهم إذا أردنا أن ننظر إلى عوامل الفساد والتحلّل والإنهيار والاستهتار وتعاطي المخدرات وما إلى ذلك من مجموع القيم المدمّرة لشخصية الإنسان وإنسانيته فهي المال، والسلطة والجريمة والاستهلاك والجنس. كلّ ذلك يوضع بين أيدي الشباب من خلال البرامج والأفلام والمجلات، نجد أن هناك أيدٍ خبيثة صهيونية وراءها. هناك شبكات وأجهزة على علاقة بالصهيونية العالمية تصرف مليارات الدولارات لترويج المفاسد على اختلاف أنواعها بين الشباب الهدف من ذلك التخبّط في دياجير الضياع وخضمه.
كيف ننقذ شبابنا من هذا الضياع والانفلات والتمزّق؟
كلّنا مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى ورسوله الأعظم وأهل بيته الطاهرين. إنّهم يسألوننا عمّا فعلنا ونفعل لإنقاذ الشباب المسلم من الضياع؟
إنّ الإسلام بمناهجه الحضارية الثقافية التربوية هو أعظم من حفظ للشباب كيانهم ومنحهم حقوقهم. وممّا يثير الأسف أنّنا نستجدي الحلول من علماء اليهود الذين لا يريدون للأمة والبشريّة سوى التمزّق أمثال فرويد وسارتر ودارون ومن سار على طريقهم في الوقت الذي نجد في الإسلام التراث النيّر الذي يوصل هذا الشباب إلى شواطئ النور ومرافئ الحق.
إزاء ما نعيشه من واقع مريض بدأ يفتك في بيوتنا ومجتمعاتنا علينا أمام هذا أن نقدّم العلاج الشافي والناجع. فما هو هذا العلاج؟ هناك قاعدة أساسية تقول: كلّ شيء إذا أردنا أن نعالجه لا بدّ لنا من معرفته أولاً.
فالطبيب الذي يصرف الدواء قبل أن يشخّص الداء قد يقتل المريض، والفلاح لا يحرث الأرض ويزرعها قبل أن يعرف هل هي صالحة وتنبت زروعاً متنوعة. وعالم الإجتماع الذي يقوم بحلّ مشكلة اجتماعية لا بدّ له أن يدرس هذه المشكلة ليدرك ماهيتها.
فالإمام علي – عليه السلام – يقول لكميل بن زياد: يا كميل ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة وكلّ حركة لا بدّ فيها من معرفة. فالإسلام لا يقيم شيئاً إلاّ على علم ومعرفة. إذاً من دون معرفة الشيء الذي تريد أن تعالجه أو تتحدّث عنه فإنّه لا يمكن أن تخطو خطوة واحدة أبداً. من هذا المنطلق، فإنّنا أردنا أن نعالج مشاكل الشباب فإنّه يجب علينا أن نستوعب حياتهم والواقع الذي يعيشون فيه ثمّ بعد ذلك نطرح النظرية الإسلامية الحضارية التي تهتمّ بشؤونهم وتغير كلّ مشاكلهم.. وأيضاً سنعرف نوع الغذاء الفكري الذي يجب أن نضعه بين أيدي شبابنا بنين وبنات.
والغذاء هذا لا يتمّ إلاّ بركائز ثلاث مجتمعة هي: العلم والعقل والإيمان.
قبل أن نقدم هذا الغذاء العلاجي علينا أن نعرف أولاً: بأنّ في الشباب غريزتين هما: غريزة الجنس وغريزة الغضب، على أنّ هاتين الغريزتين يمكن السيطرة عليهما بشيء من التوجّه التربوي وقليل من الصبر والتأمّل في أحوال أبنائنا وبناتنا. فمثلاً، نجد الحضارة الإسلامية تعالج هذا الجانب لدى الشباب بتشجيعهم على الزواج من جهة، وإملاء الفراغ لديهم بالعلم والعمل من جهة ثانية.. على أنّ الذي يتطلع على المناهج التربوية في هذا المجال، يجد فيضاً كبيراً من الأحاديث والمناهج العلمية الحضارية تحثّ الأمّة على تطبيقها من أجل الحفاظ على طاقات الشباب وعدم هدرها. فقد شجّع الإسلام الزواج المبكر ودعا إلى تذليل العقبات من طريقه.. وتقليل المهور لأنّ قلّة المهر من بركة المرأة. ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "خير نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهم مهراً".
كلّ هذا، والإسلام يحرص أشدّ الحرص على الإسراع في تزويج الشباب وحلّ مشاكلهم. حتّى إنّه جعل قسماً من المال في بيت المال لهذا الهدف.
أمّا بالنسبة للعمل فقد هيّأ الإسلام الفرصة الكاملة للشباب حتّى يعملوا. فالإمام الصادق عليه السلام يقول: يعجبني في الشباب بكورهم إلى العمل.
وأيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: أرى الشاب فيعجبني أسأل أله صنعة؟ فإذا قيل لا، سقط من عيني.
والإسلام بمناهجه التربوية يقف ضدّ الفراغ والعبث وإضاعة الفرصة لأنّ إضاعة الفرصة غصّة على حدّ قول أمير المؤمنين علي – عليه السلام – لأنّه لا تضيع إلاّ من فراغ، ولأنّ الفراغ هو السبب الرئيسي، وراء تفاقم الجريمة المعاظم في العالم وأيضاً عن الإمام عليه السلام يقول في هذا المجال "فكلّما قصر في العمل ابتلي بالهم".
والإسلام يحثّ على طلب العلم الذي يخدم أهداف البشرية المقرون بالإيمان والتقوى، وفي هذا المجال يقول الإمام الصادق – عليه السلام – "ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقهوا بالدين".
والإسلام أيضاً يشجع على أخذ الصيام منهجاً في حياتهم بين وقت وآخر لأنّ الصيام يكسر أو يهزم أقوى غريزتين وهما الجنس والغضب. لقد أثبتت البحوث العلمية أنّ معظم الجرائم التي تحصل بالمجتمع يعود سببها إلى الجنس والغضب هذا بالإضافة إلى أنّ العقل حين يُغذى تغذية عملية كاملة مع الإيمان في القلب فإنّ الغرائز يمكن توجيهها بواسطة العقل والقلب والإيمان.
أمّا إذا أطلقنا العنان لها الذي أطلقه فرويد من خلال الإباحة الجنسية بالمفهوم الحيواني الذي يدمّر الأسرة ويمزّق المجتمعات تكون النتيجة مزيداً من الإنهيار والدمار وتحطيم البيوت. فها هو الشعب الأميركي بات شعب العوائل الممزقة والشباب المنحط الذي يحمل أمراضاً نفسية بقدر ما يحمل من الأمراض الجنسية والجسدية مثل ضعف المناعة في الجسم (الإيدز) وأمراض التلوّث الأخلاقي، هذا الواقع الذي يعيشه الغرب كرّسه بروفيسور يهودي هو "كارن بنياميين" حيث كان له دعوة صريحة للشباب والشابات إلى التحلّل وإشاعة الفحشاء بينهم. بحجّة أنّ هذا الترف الجنسي سيقضي على العقد النفسية، ويشفي الأمراض النفسية. هذه الصيحة الجنسية المسعورة انطلقت بحجّة أنّ العقل وحده يكفي لسد انبعاث الغريزة ولكن التجارب أثبتت أنّ الغرائز حيث تهيج تؤدّي تعطيل العقل لأنّه يقع أسيراً بيد الهوى والشهوات.
هذه من الحقائق التي أشار إليها سيد الوصيين علي عليه السلام حين أكّد أنّ العقل وحده لا يكفي إنّما هو بحاجة إلى إمداد وإمداده يكون من الوحي والإيمان.
إذاً، فالعلاج لا يكون إلاّ بالعودة إلى مناهج التربية الإسلامية. فالمجتمع الصالح لا بدّ له من أن توفّر فيه العقل، العلم والإيمان. العلم يبحث عن الحقيقة وحين نصل إلى العلم نواجه حقيقة لا بدّ من الإعتراف بها هي أنّ العلم الفارغ من الإيمان لا يؤدّي إلى نتيجة بل يتحوّل إلى مأساة وفاجعة مدمّرة للإنسانية. والعقل يكشف لنا الخير والشر ولكن ليس لديه القدرة على السيطرة على الإنسان. بينما الإيمان هو المسيطر وهو الوحيد الذي يمكن أن يسيطر على الإنسان ويوجهه إلى الله عزّ وجل.
دعوتنا موجّهة إليكم أيّها الشباب إلى مناهل العلم وينابيع المعرفة إلى أهل بيت الوحي ومعدن الرسالة الإنسانية الخالدة. تعالوا إلى مدرسة أهل البيت – سلام الله عليهم – واغترفوا من هذا النبع إيماناً وعلماً وأخلاقاً وهداية وبطولة.