أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مع الإمام القائد: الأدب الحقيقي


نص خطاب ولي أمر المسلمين قائد الثورة الإسلامية سماحة الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظلّه) لدى لقائه بالمسؤولين في القسم الفنّي لمؤسّسة المستضعفين والمعوّقين الذين يتولّون دراسة قصص الحرب.

بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ المعوّقين يمثّلون موضوعاً استثنائياً في قضية الحرب. فلقد انتهت الحرب وذهب الشهداء إلى الله، وأُسر الشهداء قد شملها النسيان الطبيعي للبشر، وهو يزداد يوماً بعد يوم، لكن المعوّقين سوف يستمرون في تحمّل عناء الحرب سنين طويلة. كلّنا انتهينا من الحرب، وأمّا المعوّق فلا ينتهي من الحرب إلى آخر عمره؛ لأنّه فقد يده أو عينه أو قدمه أو سلامته، لهذا لا يمكن مقارنة أسرانا ولا عوائل الشهداء ولا شهداءنا العظام ولا حتّى القادة الكبار بالمعوّقين، من الناحية التي ذكرناها، وهي أنّ المعوّق هو موضوع الحرب الذي لا يزال مستمراً.
إنّ جميع المواضيع ذات العلاقة بالحرق قد انتهت، فعليكم المحافظة عليها حتّى تبقى، فإن لم تحافظوا عليها، فسيزول حتّى ذكرها. حتّى شهداؤنا سوف ينساهم وينسى الحرب نفسها. ولكن هناك شيء خالد، شئنا أم أبينا، ذكرنا أم نسينا، ألا وهو معوّق الحرب، وهذا هو الموضوع الذي يُطرح هنا، وعليّ أن أقول أنّني أهتمّ بهذه المسألة اهتماماً قلبياً عميقاً.
إنّ عليكم أن لا تستصغروا هذه المسألة، فهي قضية مهمة، ولا يمكن لشخص أبداً إدراك العالم الكامن في داخل المعوّق، مثلما أنّه ليس بإمكان إنسان معرفة ما في باطن إنسان آخر؛ إلاّ إذا توفّرت لديه قوّة بيان فني تمكّنه من تبيان ذلك الشيء، أو أن تكتشفوا أنتم ما يدور في خلده، أو تعرفوا المسائل المتعلّقة به والتي هي عامل في تشجيعه وتشجيع الآخرين، ثمّ تبيّنوها. والحالة الثانية هي يمكن لأيّ فنان القيام بها، وقد أكّدت عليكم الذهاب والتعرّف بشكل صحيح إلى المعوّق والاستماع إلى كلامه حتّى يمكنكم معرفة مستوى أفكاره.

وفيما يتّصل بالمعوّقين؛ فإنّه ليس ثمّة بيان كافٍ ووافٍ غير البيان الفنّي، أي أنّ هناك بعض الأمور ولا يمكن لأيّة لغة بيانها إلاّ لغة الفن. فهذا اللقاء بيننا يمكن بيانه بالقول إنّ أربعة أشخاص جلسوا إلى جانب بعضهم، أمّا إذا أراد شخص شرح الحال والقرب الحقيقي والشعور السائد في هذا المجلس، فهذا لا يمكن توضيحه باللغة المتداولة، بل باستخدام الشعر أو الموسيقى أو الرسم أو لغة فنيّة أخرى؛ كي يبيّن حالة التقارب الروحي الحاكمة على هذه الجلسة. إنّ جلستنا أسمى من الأبعاد الماديّة والظاهرية، وليس باستطاعة أيّة لغة سوى لغة الفن من بيان أبعاد ذلك.
والآن نأتي إلى الفن؛ حين ننظر إلى اللغة الفنية نرى أنّ الفنون غير متساوية من حيث المدى والقوة ولا يمكن تفضيل فن ما بصورة مطلقة على فنّ آخر. فالتصوير فن عالمي، والموسيقى كذلك، أي أنّكم إذا ذهبتم إلى مكان في العالم وأخرجتم صورة وأريتموها للآخرين، فسوف يفهمون شيئاً عن هذه الصورة، سواء كانوا يفهمون لغتكم أو لا يفهمونها ومهما كانت هويتهم، وكذلك بالنسبة للموسيقى والرسم. تلاحظون أنّ دائرة بعض الفنون واسعة ولا تتحدّد بالحدود، إلاّ أنّ بيانها جدّ قليل، فهي وإن كانت واسعة الانتشار، لكنّ إمكانيتها على التبيين ضعيفة. من ناحية أخرى، لو لاحظتم الشعر مثلاً – الذي تكون حدوده انتشاره أقل بالنسبة إلى التصوير أو الرسم – فإنّ يستطيع بيان أمور كثيرة حول الموضوع ذاته. وبرأي؛ أنّ الفن الذي يتّصف بشمولية أكثر من بين كلّ طرق البيان الفنّي، هو الفن القصصي، فهو أكثر شمولية من السينما أيضاً، مع أنّ السينما ذات شمولية كبرى، إلاّ أنّ ثمّة تبايناً بين فهم الفيلم وفهم القصّة، فليس بمقدور الفيلم بيان بعض الأمور.

انظروا كم عدد الأفلام التي أُنتجت حتّى الآن من كتاب (البؤساء) لفيكتور هيجو؟ ففي إيران تمّ إلى الآن إنتاج فيلمين أو ثلاثة أفلام من هذه القصة. وقد عرضت في التلفزيون، وقد قرأت مراراً كتاب البؤساء وشاهدت تلك الأفلام برغبة، فوجدت أنّها لا يمكن أن تُقارن ببعضها الآخر. فتلك الأفلام كانت جيدة، لكنّ قصة البؤساء هي قمة في العمل الفني في الإطار البشري، ولا يمكن أن تُبيّن الحوادث أكثر وأفضل من هذا البيان الفني، ولا يمكن بيان هذه الحوادث وحقيقة الأفكار والروحية والعلاقات الإنسانية والعفو والمشاعر البشريةن أفضل من ذلك البيان. وطبعاً لا نقصد أنّ ذلك مستحيلاً، فإمكانية البشر ليس لها حد، فهناك مستوى أعلى أيضاً "فوق كلّ ذي علمٍ عليم" لكنّ هذا المستوى جدّ راقٍ".
وعلى أيّ حال، فإنّ خاصيّة الرواية القصصية هي هكذا، ثمّ إنّ الرواية القصصية يمكن أن تُترجم، على عكس الشعر الذي ليس بالاستطاعة ترجمته. فشعر حافظ لا يمكن ترجمته.

إنّ خصائص الشعر اللفظية وأُطره تؤثّر في عرض المفهوم الفنّي. أمّا الرواية فليست هكذا، إذ بالإمكان ترجمتها إلى جميع اللغات، وقد سمعت أنّ بعض الروايات تُرجمت إلى ثلاثين لغة، وهذا يعني أنّ دائرة الرواية القصصية أوسع من دائرة الشعر، وقد كُتبت قصص في فرنسا وروسيا وانجلترا في القرن التاسع عشر، ولم يُكتب مثلها حتّى الآن.
فالرواية لا تندثر، بل تنتشر، وهي ذات بيان ووصف غير اعتيادي. وتلك خصائص لا تجدونها في أيّ فنّ آخر، لا في الموسيقى ولا في السينما ولا في المسرح ولا في الشعر ولا يمكن أن نعثر على شيء يشبه الرواية القصصية، فهي قابلة للترجمة والانتشار والاستمرار وعدم الاندثار.

والآن حيث ذكرتم أنّكم جمعتم روايات الحرب، فذلك أمر جيّد، ولكن أجمعوا روايات المعوّقين أيضاً، وقد كنتم في ذلك اليوم حاضرين حيث أشرتُ إلى رواية روسية اسمها (الإنسان الحقيقي)، وقد كتبها المؤلف بصورة جدٌ جيدة – وهي طبعاً قصّة إعلامية في عهد الاتحاد السوفياتي السابق – أيّ أنّها كتبت لهدف إعلامي؛ وذلك حين يطرح الجانب الإعلامي، يظهر الجانب السياسي، ممّا يؤدي إلى التقليل بعض الشيء من اعتقاد وتصديق الإنسان، فيحتمل الإنسان وجود مقدار من الخلاف، ويشكّك في صحّة بعض الفقرات مع العلم أنّ الإنسان لا يريد رؤية الحقائق فقط في العمل القصصي. فيتّضح أنّ البيان هو بيان ووصف فنّي، لكنّه جميل جداً. على أيّ حال فالقصّة هي: أنّ أحد الطيارين قطعت ساقه أثر سقوط طائرته، فذهب وركّب ساقاً صناعية ثمّ تمرّن وصعد الطيارة مرّة ثانية. وهذه الحادثة إذا قورنت بحياة كثير من معوّقينا فهي ليست بالشيء المهم جداً، فكم لدينا من المعوقين الذي استشهدوا في العمليات، بعد أن كانوا قد فقدوا بعض أعضائهم في عمليات سابقة. فمثلاً كان هناك معوّق فقد يده وقدمه، ومع ذلك ذهب مراراً إلى الجبهة حتّى استشهد. وهذه الملحمة أرفع كثيراً من الملحمة الواردة في قصة (الإنسان الحقيقي)، فلماذا لا نبيّن هذه؟ فهناك – إذن – مسألتنا مرتبطتان معاً: إحداهما مسألة (المعوّق)، والتي ذكرنا أنّها ظاهرة لا مثيل لها في حوادث الحرب، أيّ أنّه ليس هناك شيء شبيه بالمعوّق، حتّى أسره الشهيد نفسه.

ومسألة أخرى هي مسألة الرواية القصصية حيث قلنا إنّها لا تقارن مع سائر أساليب البيان الفني. ومن الأفضل أن نقول أنّ بالإمكان مقارنتها ولكن يجب الاهتمام بهذا النمط الفني. وأنا أعرف مشكلة العمل هذا، وللأسف نحن متأخرون في فنّن كتابة القصة باللغة الفارسية أكثر تخلفاً من كثير من الأعمال الفنية الأخرى. ولو كان تأخرنا في الفن السينمائي، لأمكن القول: إنّ السينما فن مستورد، إلاّ أنّ فن القصة لم يكن فنّاً مستورداً.

فلو لاحظتم الملحمة الشعرية للفردوسي لرأيتم أنّها من الناحية القصصية استنثائية ولا مثيل لها، ففي الوقت الذي لم يكن الفردوسي قاصداً مراعاة المسائل الفنية للقصة بل يريد تأليف ملحمة، إلاّ أنّه مع ذلك كان فريداً في السرد القصصي حقيقة. فكيف يجب أن نكون نحن الذين كان لدينا الفردوسي قبل ألف سنة؟ يجب أن نكون أرفع من الفردوسي بألف سنة، ولكنّنا لسنا كذلك، أنّنا متأخرون جداً في مجال الكتابة القصصية، وللأسف لم يتمّ الاهتمام بهذا الأمر بعد الثورة.
وعلى أيّ حال فإنّها فرصة جيّدة أن يقوم السادة بهذا العمل ويقرّر كتّاب القصّة من أهل الذوق الشروع بذلك الموضوع، وهو أفضل عمل، لذا عليكم تشجيعهم وتروج وتوفير إمكانات العمل لهم. إنّ كلّ فنّان بحاجة إلى مشاهدة الفنون المشابهة لعمله والقضية ليست قضية تقليد وإنّما تفاعل متبادل ولو أنّ أولئك شاهدوا عمل هؤلاء السادة لتفاعلوا معه أيضاً نسأل الله أن يوفقكم.
وأنا لا أقتنع بهذا الكلام الذي سمعته، إلاّ عندما أقرأ القصص، ونحن نشكركم على ما ذكرتموه في مسألة بعض القصص التي ستؤلفونها، وجواب ذلك هو الشكر. وأفضل من ذلك الكلام هو أن أتسلّم كتاباً وأقرأه وأستمتع به وأنا لا أستمتع بالقصة من دون سبب فقد قرأت قصصاً كثيرة، أي أنّني لا أقتنع بأي تأليف، وسوف أقتنع حين تُكتب قصص جيدة – إن شاء الله – ولا أكتم عليكم القول أنّ القصص القصيرة التي كتبت حتّى الآن كانت جيّدة أنصافاً، وقد قرأت إلى الآن كثيراً من القصص التي كتبها هؤلاء السادة والأصدقاء حول الحرب والتي أصدرتها الدائرة الفنية، وعلّقت على بعضها، فهي قصص جيدة ويتّصف بعضها بالروعة ويثير إعجاب الإنسان ولو أنّ هذه الأذواق والكفاءات دخلت العمل لألفت قصص جدّ جيدة.

إنّ الذين كتبوا في بلدنا روايات طويلة، مؤلّفة من سبعة أو ثمانية أجزاء تحمل عنواناً كبيراً، لكنّها في الواقع عمل شكلي، لخداع الأطفال وهي مبنية في الحقيقة على التقليد والكذب والتلفيق.
فالإنسان يريد من خلال قراءة القصة فهم الأمور الواقعية. وأنتم حين تقرأون قصص (فيكتور هيجو) أو أمثاله، تفهمون الحقائق التي كانت في فرنسا في القرن التاسع عشر وتتضّح لكم أمور واقعيّة، فالكتاب القصصي يشبه المؤرّخ، يجب عليه أن يكون أميناً، لا أن يكتب شيئاً ليس له وجود في إيران أساساً، كأن يصوّر قرية ليس لها وجود في إيران أبداً، فالقرية التي ذُكرت في إحدى القصص ليست موجودة في إيران، لأنّني من أهل تلك المناطق ورأيتها عن قرب. أنّهم يستفيدون من القصص الفرنسية والأجنبية وكتابات (إميل زولا)، فيقومون بتقليدها ويضعون لها أسماء.
وأودّ أن أقول إنّ كشكولنا خالٍ الآن رغم كلّ هذا الضجيج والتشجيع الخطر الذي يقوم به البعض خارج الحدود، حيث يُبرزون شخصاً ويشجّعونه متعمّدين؛ من أجل أن يستعملونه هراوة ضدّ من يخالفهم.
وعلى أيّ حال عليكم أن لا تكتفوا بهذه الأمور وأن لا تنخدعوا، إذا ليس لدينا حتّى الآن كتاب قصصي ماهر، إلاّ أن يدخل الساحة شبابنا الثوريون – إن شاء الله – ويمارسوا العمل.
نأمل أن نسمع ونرى – إن شاء الله – أخباراً جيدة في هذا الصدد عن قريب.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع