أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مقابلة: لقاء مع الشاعر حسين جواد يونس


ولاء إبراهيم حمود


 

يا شِعّة الحرف بالإيمان والقيم

بقية الله روض الفكر والقلم

مُدّي سطورك شمساً في مدى القمم

تسنمي صفحات النور أشرعةً

محرابك الدين، صلّي الدين واعتصمي

رسولة الخير والإرشاد باقية


بهذه الأبيات افتتح "أبو عادل" حواره معنا، جاءت سبّاقةً لكلّ احتمالاتٍ متسائلةٍ عن قيمة الكلمة وجمال المعنى وروعة العلاقة بين الحرف المشع والكلمة المومضة والفكرة الخلاّقة ... بهذه الأبيات بادرنا فمنعني من سؤال صمت حوله طويلاً. ولكنّه اكتشفه وتبرّع بالإجابة مستغنياً عن السؤال؟ نعم ليس البقاع ولا بعلبك خزّان مقاومةٍ فقط، إنّهما معاً.
رحاب شعرٍ وأعمدة قصيدة خالدةٍ، خلود المعنى المضيء من أشعة الشمس التي لا تستفيق في بعلبك إلاّ على قصيدة ولا تغيب عنها إلاّ وقد لملمت عن نهايات أعمدة قلعتها الشامخة وبدايات بواكير المواسم في سهولها ذيول أخرى راحلةٍ، تلاحق حمر الأفق.. بعلبك والبقاع خزّاناً مقاومة.

والمقاومة على ربوعهما قصيدة لم يكتبها هذا المقاوم شعراً عاشقاً لآل البيت فقط بل شارك بكتابتها كلّ شهيدٍ لوّحت شمس بعلبك وجهه فمضى إلى ربّه بهذا الوجه الموشى بالشعر والمقاومة!
ماذا يمكن أن يقال بعد في شاعر الحب الإلهي للمقاومة وآل البيت. الآتي من "شمسطار" الواقفة في الوسط بين مدى الأفق ومدى الشرق ... ثمّة حادثة لطيفة جرت بين مقدمة برامج للأطفال على إحدى شاشات التلفزة المحلية وبين طفلة صغيرة طلبت منها المُقدمة أن تنشد نشيداً ما. فأجابتها الطفلة، أنا لا أعرف سوى النشيد الوطني... ولمّا شجعتها المقدّمة على إنشاده متوقعةً سماع النشيد الوطني الذي لم تغيبه الأحداث عن ذاكرتنا، كوّرت الطفلة يدها ورفعتها في العلاء وهتفت: وطني بمقاومتي صامد... من أقصاه إلى أقصاه.. وحسين جواد يونس الشاعر المحاور في هذا العدد من "بقية الله" هو صاحب هذا النشيد. وهو يعدّ شريك فرق "العهد" للأناشيد الإسلامية. وهما معاً صاحبا الأناشيد الرائعة التي نترنم بها جميعاً في حِلّنا وترحالنا... كنا نعلم أنّ هذه الأناشيد تنتسب "للعهد" ولكنّنا، ما كنّا نعلم أنّها لهذا الشاعر الصادق الولاء لله وللرسول. ولآل البيت وللمقاومة المنتصرة بكلّ هذه المشاعر مجتمعةً. ثمة تفاصيل أخرى أترك الحوار يرويها:

*لنبدأ من نقطة الوصول، لا الانطلاق. هل تعتقد أن قصيدتك التي تصدّيت للرد على الصهاينة من خلالها بعدما تطاولوا على حرمة الرسول الأعظم، استطاعت مداواة وجعنا حيال هذا العمل الشائن؟؟
-إنّ كلمتي البسيطة قاصرة عن التعبير عن فضائل الرسول الذي وصفه خالقه، (وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم) اكتفيت بما آتاني الله به من قوة إيمان للتصدّي لهذه الشراسة العنصرية، وحسبي أجر المحاولة ... للذود عن رسولنا الأكرم وأئمتنا العظام. الذين يشكلون معاً كلّ ما في الحياة من إشعاع حضاري وفكري.

* كيف وصفت كلمتك "بالبسيطة" في وقت يحتاج فيه الموقف لما يشبه "رشق النّبُلِ". ألا ترى أنّ الكلمة لغة أخرى وقد تبالغ أكثر من الشعر أحياناً؟؟
-أمام عظمة الرسول؟ أمام قيمه الفذّة لا معنى لأيّ كلام سوى: كلام الله سبحانه فيه، لذلك وصفت كلمتي بالبسيطة. في حين تستطيع الكلمة أن تكون قنبلة وقذيفة ورشق نبال كما في قول الرسول لشاعره حسان بن ثابت. إنّ الكلمة التي تختزن في داخلها آلام الشعب وآماله هي كلمة مقاومة تسمو بارتباطها بالقِيم الإنسانية وتأتي بساطتها ميزة لا منقصة وقيمة تعبيرية أكثر إيحاءً من تلك التي تتصف بالعمق الفكري كما يفسّره البعض.

*علامَ ينطوي الشعر برأي الشاعر حسين جواد يونس؟؟
-الشعر واقع يحلّق نحو المُثُل، وهو جهْدٌ إنساني فذ للتعبير عن أحاسيس مضيئةٍ أو مبحرة أشرعة باتجاه الآخرين وهو يعد قدرة على اكتناز مشاعرنا ومشاعر الآخرين في آنٍ وهنا تكمن فرادة الشعر وقيمته بين سائر الفنون التعبيرية الأخرى.

*أن يُضاء الشعر يعني أن يُكْشف وأن يتّضح. وهذا ما يعتبره البعض مُسْقِطاً للقيمة الفنية فيه، طلباً للغموض والإبهام، هل توافق هذا السائد المعاصر بحجّة التميز والتغاير؟؟
-عندما تحمل القصيدة الإبهام والغموض، هي لا تعبّر إلاّ عمّا يعانيه صاحبها؛ فكيف سيلتقي حيها مع معاناة سواه؟ هي تبقى سراً مغلقاً وبالتالي تنعدم عملية التواصل بين المُلقي والمتلقي وحينها لا شعر ولا شاعر ولا متفاعل متذوق للشعر. في حين يفترض بالشعر أن يكون شراعاً يُقِلّ الحياة إلى مرافئ النفس الإنسانية لا أن يكون دائرة مغلقة على الفردية والذاتية. لم يكن الشعر يوماً خندقاً والناس فيه متحاربون كلّ يسعى لإبراز تفوّقه، هو بحدّ ذاته تجربة إنسانية حيّة للتعبير الصادق.

*أفهم من إجابتك أنّ للشعر دوراً ووظيفة أخرى غير الترفيه والتفكه؟
-ليس بالمعنى التوظيفي البغيض الذي يرسم أمامنا شاعر بلاط وسلطان. أردت للشعر رحاباً أكثر امتداداً. والرحاب أماكن وليس للشعر أمكنة. ولا تحده أزمنة. ربما كانت مطاردة بين الشاعر وقصيدته وربما تتوقف هذه المطاردة بين هذا الشاعر وتلك القصيدة بموت الشاعر. أمّا الشعر فلا ينتهي. الموت قصيدة تكتبها الحياة بشكلٍ أو بآخر.

*الموت سكونٌ والشعر حركة باتجاه الآفاق الرحبة التي ذكرتها منذ قليل، كيف يمكن للموت أن يكون شعراً؟؟ هل ألغى عندك موت المتبني تأثير مدائحه لسيف الدولة؟ أصحاب المعلّقات ماتوا جميعاً، أما زالت معلقاتهم عالقة في كتب الأدب وفي ذاكرة طلاب الأدب؟
-الموت بهذا المعنى قصيدة تضيء القصائد القديمة لقصائد لم تأتِ بعد، وبهذا المعنى قصدت، أن موت الشاعر حياة لقصيدته، وبداية لشعره .. ولكن ثمّة إضافة أخرى. بما أنّ القصيدة هي الخالدة والموت لا يعتريها فلأقل إنّ الموت قصيدة بالنسبة لنا ولكنّها لمّا تكتب بعد (يتوقف قليلاً ليفكر في إضافة جديدة). إلاّ في إجابة أمير المؤمين عليه السلام لمن سأله موعظةً على فراس الموت فأجابه: "يعظكم سكوني وخفوت أطرافي" ألم يتكلم الموت هنا بأحلى من الشعر وأكثر إبلاغاً؟؟

*أجيز لنفسي استعمال تعابيرك لأسألك هل أنت في رحاب المقاومة الإسلامية المفتوحة لكلّ مقاوميها بالكلمة. مطاردُ قصيدةٍ أم مطارَدُ شِعْرٍ؟ وأين يكمن انتصارك بفتح الراء أم بكسرها؟
-بكل الحالات، نحن ننتصر بالمقاومة شعراً أكثر مما تنتصر هي بنا، محاولتي شعر وقصيدة هي قصيدتنا وهي شعرنا وإن لم يكن شعرنا مقاومة كتبتها قصائدنا وقصيدة كتبتها مقاومتنا لا معنى من انتمائنا إلى عصرٍ تشرف بلقب عصر المقاومة والمقاومين للزمن الإسرائيلي اللئيم ولا معنى لقلم يخط الشعر لسواها. قلمي جندي يأخذ من مواجهات المقاومين رصاصه وأنا به لفخورٌ، أعمل على تشذيبه بحب آل البيت رواد المقاومة في عصورهم. بأساليبهم المتميزة.

*هل شعرت يوماً أنّ القصيدة تكتبك وتصوغ إنسانيتك بدل أن تكتبها أنت وتصوغها إنساناً ينطق عنك بأحساسيك؟
-لم أشأ أن أكون يوماً خارج إنسانيتي في قصيدتي تصوري أنّني في حوارٍ دائم مع كلمتي أسألها عن المدى الذي من خلاله تستطيع أن تلتزم ما أصبو إليه، وربما استبعدتها إذا ما شعرت أنّها مشاكسة، معاكسة لِما يجول في داخلي من تطلعات لحياةٍ هدفها رضا الله وبناء الإنسان متسامياً أمام عين الله...

*كيف تقوّم علاقة الشاعر بجمهوره من خلال تجربتك أنت مع الإلقاء والمنبر وجمهور المستمعين؟؟
-مخطئ من يظن أنّ الجمهور لا يطالبك بالأجود... ربّما اختلفت درجات الثقافة بين الناس. ولكن المشاعر حيال الجمال واحدة متوحدة. لذلك اعتبر أن العلاقة بين الجمهور ومشاعره قائمة على أساس احترام الشاعر لنفسه باحترامه لجمهوره. وهذا بحدّ ذاته حافزٌ له كي يسعى لإعطاء أفضل ما عنده.

*هذا يعني أنّ الشعر بخير والشعراء بعافية وما من أزمة ولا متأزمين؟ فهل عصرنا على مستوى الشعر؟؟
-أنا لا أنفي وجود تقصير ثقافي تثقيفي مقارنةً بعصرنا مع العصور الذهبية التي عاشها الشعر العربي عصر المعلقات، عصر النقائض، عصر المتنبي وأبي تمام ولكني أرى أن عصرنا لا يفتقد إلى شعراء مميزين عملوا على تنمية قصائدهم ومواهبهم من خلال مطالعاتٍ فردية على ثقافاتٍ متنوعة بلغاتٍ مختلفةٍ.

*على سيرة المتنبي وأبي تمام، هلاّ حدثتنا عن الشاعر الذي أخذ بيدك في أولى خطواتك على "أوتوسترادات" الشعر والشاعرية؟؟
-ستستغربين حتماً لو قلت لك أن قائدي على "أوتوستراد" الشعر كما سمّيتهِ لم يكن شاعراً على الإطلاق. لا متنبي ولا بحتري. كان عاشقاً للشعر، راوية له. وربما استقلّ وحده بلقب راوية كلّ الشعراء. كنت طفلاً عندما كنت أجالسه في منطقة وادي شحرور تلك المنطقة الجميلة الهادئة المسكونة بشفافية الطبيعة أعظم قصائد الله في أرضه ألم تخرّج هذه المنطقة شاعراً إنتسب إليها فقيل: شحرور الوادي..؟؟
في هذا المكان وقرب "شارل بدران" صاحب هذا الاسم المغمور، تفتقت أولى بواكير شاعريتي لترافقني فيما بعد رعاية أساتذتي في مختلف المراحل التعليمية.

*تريد القول: رُبّ عاشقٍ للشعر يصنع شاعراً لم يصنعه الشّعراء المجيدون؟ وماذا عن تأثيرات المتنبي وابن الرومي وابن القارض وسواهم من سلاطين الشعر العربي.
إنّ بدايات السؤال تختصر فعلاً ما حدث معي، أمّا هذه الأسماء العظيمة التي ذكرتها وسواها أيضاً ثقفتني وروّضت أّذني موسيقياً وأكسبتني عبر قراءتي دواوينها الشيء الكثير. ولا أنسى أنني قرأت أيضاً لكبار المعاصرين كعبد الصبور ونازك الملائكة ومحمود درويش والسيّاب والقاسم وسعيد عقل وسواهم..

*ثمّة ملاحظة في حديثك عن ذكريات طفولتك. هل أفهم أنّك واصل الجذور العائلية المقطوعة بالشعر. أم أنّ في عائلتك من أورثك موهبة الشعر وحبه أيضاً؟؟
-لقد وصلها عمي قبلي، كان شاعراً مجيداً، وربما كانت أمي تصلني أيضاً بجذور شاعرية عائلتي...
في عائلتي شعراء ومحبو شعر، ومتذوقوه، ولكن حتّى أنا ما كنت أتوقع أن أقف يوماً على منبر ولكن ولمّا توفرت الحاجة لوقوفي مجاهداً بالكلمة والتعبير تصديت خلافاً لسائر أفراد عائلتي لهذه المهمة.

*لاحظت في الأناشيد التي أنشدتها لك فرقة العهد. وحتّى في إجاباتك الآن. أنّك تكثر من التساؤلات، لماذا؟ هل ما زلت في حال بحثٍ وسؤال، ولم تجد إجاباتك بعد؟ أم أنّه محض أسلوب تعبيري فني؟؟
-هذا صحيح! ألاحظ أحياناً أن السؤال إجابة لسؤال وهي إجابة دامغةٌ.
وهذا الأسلوب ميزة قرآنية في التعبير: (ألم نشرح لك صدرك) سؤال يجيب ربما على سابقٍ له. وربما لأنّ الناحية الإبلاغية في التعبير تخضع غالباً للحال النفسية يصح تماماً ما طرحته في بدايات سؤالك...

*ندخل في عالم النشيد الإسلامي المعاصر الذي يُشكّل ميداناً هاماً من ميادين شاعريتك؟ هل يعاني ملحنو قصائدك صعوبة في تلحينها أم أنّها تأتيهم حاملةً بين مفرداتها أنغامها؟ وهل سؤالي هذا شرط من شروط لأصحية القصيدة للإنشاد؟
-لقد شهد لي بعض الأخوة في فرقة "العهد" بأنّ أناشيدي تأتيهم سهلة لأنّها مموسقة على قارب من لحنٍ ونغم. لأنّ لكلماتي مفاصل، والمفاصل هنا مزيج من رقةٍ ونغم يتهادى بين حروف الكلمة نفسها. ليمتدّ إلى الكلمات الأخرى في علاقة يسميها الملحنون عادة الموسيقى الداخلية للقصيدة، وعندما يتحد المعنى واللحن في أيّ مرسلةٍ موسيقية مضافاً إليه الشرعية الدينية في الأداء والإيقاع يأخذ النشيد الإسلامي ميزته ويصل من شاعره ومُلحّنه ومُنشده إلى سامعه ليؤدي الهدف السامي الذي أنشد لأجله ويأخذ غالباً دوراً يوازي دور القصيدة الملقاة على منبر. وبهذه الميزات مجتمعة استطاع النشيد الإسلامي أن يفرض وجوده عملاً فنياً راقياً يحمل من روحانية الرسالة الإسلامية كلّ جمالياته.

*من يستفيد عادة من الآخر؟ وعلى حساب من تنجح العلاقة بين الشاعر والفرقة التي تنشد له؟؟ وهل تتعامل مع غير "العهد"؟
-"يتجاهل خبث السؤال، ويغض الطرف عن هدفه الأخير ليجيب على محور آخر"، إنّ "العهد" كان مسؤولاً، "العهد" هي حِلْفٌ معمدٌ بالشعر والموسيقى، ومعاً نعمل على الوصول إلى إسلامنا من خلال الكلمة والصوت، والفائدة العظمى نجنيها معاً عندما يساهم النشيد الإسلامي الهادف بنشر تعاليم الله ورسوله والدفاع عن المقاومة التي مدّت جذورها عميقةً في باطن الحياة. والتعامل مع غير "العهد". أمْرٌ لم تفرضه علي ظروفي. أحترم كل الفرق الإسلامية. وأنا و "العهد" مشاعٌ لأمّتنا ورساليتها في الحياة. والتعاون بيننا وبين سوانا قائمٌ من خلال السعي لتطوير حركة النشيد الإسلامي المعاصر دون شكليات هذا التعاون.

*هل تعتقد أنّ النشيد الإسلامي نجح في أداء المطلوب منه؟ وهل نستطيع مقارنته بالأغنية السياسية التي انطلقت مع فرقة الميادين ومارسيل خليفة وأحمد قعبور؟ باعتبار أنّ كليهما يلتزم هدفاً وقضية وإن تباينت الأهداف والقضايا؟
-ثمّة فرق شاسع بين النشيد الإسلامي والأغنية السياسية، الأغنية السياسية متبنّاة، من شخص معيّن أو مرحلة معينة، لأنّها تؤدي مدلولاً سياسياً مرتبطاً بفئة دون سواها تبعاً لارتباطها بمبادئ مختلف عليها، خلافاً للنشيد الإسلامي المرتبط بالله والذي أعطاه هذا الارتباط خاصية الانتشار العام. إنّ أناشيدنا سائدة بين الناس على اختلاف تدينهم والتزامهم، لأنّها تحمل في مضامينها الرؤية البشرية الإنسانية العامة التي تميز الإسلام كدين للحياة، ودليلي أن نشيد "طلع البدرُ علينا". راشد الأناشيد الإسلامية والذي استقبلت به الشّيماء أخت الرسول، رسول الله في جمع من اهل المدينة المنوّرة هو نشيدٌ عامٌ خالدٌ. أنشده الإسلاميون الآن بعد أن ترنّم به سواهم ردْحاً من الزمن، خلافاً للأغنية السياسية التي ضاقت مساحة انتشارها على دائرة مؤيديها ومناصريها فقط.

*هل أفهم من إجابتك أنّك راضٍ عن المستوى الفني للنشيد الإسلامي عند سائر الفرق الإسلامية و "العهد" منها؟؟
-أعتز كثيراً بكل ما أنجز حتى الآن، وأثمّن وأقدر جهود الجميع، مع طموحي الدائم لتقديم الأفضل!

*ولكن ثمّة نقد موضعي يحتاجه تصويب المسار، أنم أنّك ترى أنّكم وصلتم حدود الكمال فيما أنجزتم؟
-لا، ليس الأمر كما ذكرتِ، المسألة أنّني أرفض تخطيء الآخرين وأعتقد أن علينا أن نقبل العمل الفني كما أتى طالما أن القائم به لم يستطع الإتيان بأفضل..

*بهذا المنطق، قد يسود الغث ويطغى على السمين؟؟
-أرفض تجريح الآخرين بحجة النقد، هو لهم أجرُ من اجتهد فأخطأ، وأنا لي أن أتعلّم من أخطائهم وأخطائي في آنٍ ولي ولهم أجرُ السعي لتحسين العمل القادم. دون مهاتراتٍ فارغة قد يكون أحد أهدافها الظهور على حساب الآخرين.

*ألا تعتقد أنّ علينا أن نمنع انتشار العمل الفني الفاشل قبل أن يصبح العمل وصاحبه مدعاة سخرية؟؟
-لقد سخر الناس طويلاً من عباس بن فرناس عندما طار بجناحيه وتحطّم على الأرض ولكن عصر الفضاء اليوم مدين لمحاولته "الفاشلة" هذه بالنجاح في تصميم فكرة الطائرة وفي غزو القمر والمريخ والكواكب التي تنتظر على دروب المجرّات، لذلك أعتقد أنّ علينا أن نقول لمن فشل في أول أعماله أو أحدها. "الله يعطيك العافية" وعلينا أن نرشده برفق إلى الأفضل، صدّقي أنّ مشكلتنا ليست فيمن قام بعمل فني دون المستوى المطلوب، مشكلتنا في أولئك الذين لا يتقنون سوى التنظير المتكئ على الفراغ، لهؤلاء جميعاً أقول: الساحة لكم، تصدّوا للأفضل، وأنا لكم من الشاكرين لا من الناقدين. لأنّني أرى النقد بناءً وإصلاحاً. وأنا أعلم بالصعوبات المادية التي تصادف الفرق الإسلامية أثناء قيامها بإنتاج المميز والهام.

*ولكن؟ أيّ شأن للصعوبات المادية ببعض الأخطاء اللغوية أو العروضية الموجودة في بعض الأناشيد؟ كرفع المفعول به أو في اشتقاق الحال من لفظٍ جامدٍ؟؟
"أوقف المُسَجّل يناقش معي بعض قضايا اللغة ومسائل التعبير واصلاً بين حُسْنِ النية في المبادرة لملء الفراغ الذي كان سابقاً؛ مثنياً على الجهود الخيّرة التي وإن افتقدت للخبرات تبقى محاولاتٍ شجاعة و "مقاومة" ليضيف معيداً للمسجّلةِ دورها في الحوار:
لا أنكرُ أبداً ضرورة تصحيح وتنقيح أي نشيد قبل إطلاقه وخاصّة أنّنا ننشئ جيلاً بكاملة يُردد هذه الأناشيد وهنا يُمارس النشيد دوراً تعليمياً تربوياً. أعتقد أنّ علينا جميعاً أن نكون على قدر المسؤولية وأن نتقن أي عمل نتصدى للقيام به من إصراري على أخلاقية التعاطي التقدمي فيما بيننا، وأن يقبل أحدنا عثرة أخيه لا أن يمسكها عليه زلة لا تغتفر.

*قبل نهايات الحوار أريد معرفة مكامن شاعرية حسين جواد يونس، عندما يجمح بك جواد الشعر، أن تحط رحالك في الفصيح الرسمي أم في العامي الشعبي الذي أضفته "مرتجلاً" في احتفال المولد النبوي لهذا العام؟
-كلاهما ساحتي ومضماري، أخوض بهما غمار الجمال.
في رصد الدفء اللغة المسكونة بالحب لكلّ مقاوم ومُوالٍ. وربما تحولا معاً وامتزجا بحراً. أبحرت فيه على شراع، أمضي فيه مسافراً لا يمل الترحال إلى غوامض كنوزهما. كتبتهما معاً منذ البدايات وإن استوطنتني الفصحى كرابطة دائمة الحضور. خلافاً للعامية الحاضرة فقط في مناطق لا يفهمها سوى أهلها.

*إذاً لتكن نهاية حوارنا أولى قصائدك، أو آخر ما كتبت وأنشدت؟؟
-"يرفق إجابته بابتسامةٍ تحيلنا إلى إجابةٍ سابقة" ماذا تريدين من قصيدتي الأخيرة؟ ألا تعتقدين أن الوقت ما زال باكراً لكتابتها؟ أما اتفقنا أن الموت قصيدة لم تكتب بعد؟
قاطعته لأتمنى له وللقصيدة الإسلامية عمراً مديداً في رحاب عقيدة التوحيد.. وتركته يعلن أنّ القصيدة الأولى كانت عن المدرسة وقد ضاعت تفاصيلها ورصد ظلال خيبةٍ سرعان ما عالجها بقوله: لن تعودي إلى بيروت بشريط فارغ" وامتلأت السلّة..
والذاكرة بما ألقاه وسماه أحب قصائده إليه، قصيدةً تتوجب بحب حبيب الله وعطر رسول الله، محمد بن عبد الله. رغم أنف الصهاينة الأعداء الوحيدين لكل خلق الله.

يا بزعة الفجر من محرابك انبعثت
عذراً نبيّي إذا ما الوحي داهمني
ورشّت الضوء في عصر الدياجير
ولم يُوَفك مدحاً عجز تقصيري
إقرأ وربك في عينيك آيته
فإن تكُ سُوَرُ الرحمن فاتحة
وينصت الأبد الآتي كمسحور
بآيها أعجزت أرقى التعابير
لامس بصوتك شمس الدهر محتفراً
فكيف تُرْسَمُ مِمّن دُكّ خَيبرهم
في وجه قُبتها آي البواكير
مقوّضاً بؤرة الإفساد والزورِ
هو التشهدُ لا إلاّه مُعْتصمٌ
مسوخهم تلك، عن أصلٍ لهم نطقت
وكل قولٍ عداه محض تزوير
أعلاج نسلٍ وتقذير وتحقير
ربي، وأنت، ومن ينسى ولا علي؟
هُمُ الخنازير طاشوا عن حظائرهم
بسيف عدلٍ من الرحمن مفقور
حاشا الخنازيرُ هُمْ روث الخنازير
هي النبوّةُ أذنها مقاومَة
وإن تشفّى بِرَسْم منك غائلُهم
بذي فقارٍ على الطغيان مشهور
فإن حاخامَهُم رَسْمٌ لطرطور
إسلامنا الحق سيف الله ناصره
وإن تلمودهم أسطورةٌ سُحِقت
فافخ بدينٍ مدى الأزمان منصور
وإن صهيونهم مسخُ الأساطير
وأنت باسمك أن صلّى الإله
وأردني، ولبناني، أنا قطري
علت في الأرض قاطبة أصوات تكبير
ومغربي، وإيراني وجمهوري
شعبٌ أنا، رافضي، مسلم، علوي
عمان أرضي، فلسطين الفدا وطني
محمديٌ، أنا هدر الأعاصير
أنا الفدائي، أنا جيل المغاوير
ديني، دمائي، على وجهي نما شِيَماً
أنا المقاوم، ريع الموت من غضبي
وحّدت ربي بإيماني وتكبيري
أنا الحياة، أنا الإسلام دستوري
أبيت ذلّي، وسيفي في يدي قدرٌ
أنا جماهير حزب الله عاصفتي
يخطّ نصراً على راياتِ تحريرِ
فإن أنا مِتّ تحييني جماهيري
جزائري، وسوداني، أنا يمني
وتونسي، وليبيّ، أنا سوري

حسين جواد يونس "أبو عادل"

(*) ألقيت هذه القصيدة في احتفال المولد النبوي الشريف خلال أمسية شعرية أقيمت للمناسبة الشريفة وذلك في ملعب الشهداء قرب روضة الشهيدين، في هذا العام 1997 م. وقد كانت المناسبة قريبة عهدٍ بالحقارة الصهيونية التي تمثّلت بتوزيع رسوم تطاولت على مقام الرسول الأقدس والسيدة العذراء عليها السلام.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع