القرآن الكريم كتاب الهداية، وهادي سلوك الإنسانيّة، ومربّي النفوس، وشافي الأمراض القلبيّة، ومنير طريق السير إلى الله. ومقاصده الشريفة كثيرة، وقد تقدّم بعضها في العدد السابق، ونعرض في هذا العدد قسماً آخر:
1- الحِكَم والمواعظ: يدخل في هذا القسم، الحِكَم والمواعظ لذات الحقّ المقدّسة، حيث إنّه بنفسه دعا العباد بلسان قدرته فيما يناسب الدعوة، إمّا إلى المعارف الإلهيّة والتوحيد والتنزيه، كما في سورة التوحيد المباركة أو أواخر سورة الحشر وأوائل الحديد وسائر موارد الكتاب الشريف الإلهيّ. ولأصحاب القلوب والسوابق الحسنى من هذه القسمة حظوظ لا تُحصى. فمثلاً: أصحاب المعارف يستفيدون من الكريمة المقدّسة ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ﴾ (النساء: 100) قرب النافلة والفريضة، وفي الحال نفسه يستفيد السائرون الخروج بالبدن والهجرة مثلاً إلى مكّة أو إلى المدينة، أو أنّ الحق تعالى دعا إلى تهذيب النفوس، كالآية الكريمة الشريفة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 9 - 10) إلى غير ذلك، أو الدعوة إلى العمل الصالح أو التحذير عن مقابلات كلّ من ذلك. ويدخل في هذا القسم أيضاً، الحِكَم اللقمانيّة وحِكَم سائر الأجلّة والمؤمنين المذكورة في الموارد المختلفة في هذه الصحيفة الإلهيّة؛ كقضايا أصحاب الكهف.
2- أحوال الكفّار والجاحدين: ومن مطالب هذه الصحيفة النورانيّة بيان أحوال الكفّار والجاحدين والمخالفين للحقّ والحقيقة، والمعاندين للأنبياء والأولياء عليهم السلام، وبيان كيفيّة عواقب أمورهم، وكيفيّة بوارهم وهلاكهم؛ كقضايا فرعون وقارون ونمرود وشدّاد(1) وأصحاب الفيل وغيرهم من الكفرة الفجرة؛ ففي كلّ واحدة منها مواعظ وحكم، بل معارف لأهله. وقد يدخل في هذا القسم قضايا غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ فيها مطالب شريفة مذكورة؛ منها كيفيّة مجاهدات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإيقاظ المسلمين من نوم الغفلة، وبعثهم للمجاهدة في سبيل الله، وتنفيذ كلمة الحقّ ومحق الباطل.
3- قوانين الشريعة والآداب: من مطالب القرآن الشريف بيان قوانين ظاهر الشريعة والآداب والسنن الإلهيّة. وقد ذكرت كلّيّاتها ومهمّاتها في هذا الكتاب النورانيّ. والعمدة في هذا القسم الدعوة إلى أصول المطالب وضوابطها؛ مثل: أبواب الصلاة والزكاة والخمس والحجّ والصوم والجهاد والنكاح والإرث والقصاص والحدود والتجارة وأمثالها. وحيث إنّ هذا القسم علم ظاهر الشريعة، وعامّ المنفعة، ومجعول لجميع الفئات من حيث تعمير الدنيا والآخرة، ويستفيد منه الناس عامّة كلٌّ بمقداره، فالدعوة إليه كثيرة لهذه الجهة. وورد في الأحاديث الشريفة والأخبار خصوصيّاته وتفاصيله إلى حدّ وافر، وتصانيف علماء الشريعة في هذا القسم أكثر وأعلى من سائر الأقسام.
4- أحوال المعاد: ومن مطالب القرآن الشريف: أحوال المعاد والبراهين؛ لإثباته، وكيفيّة العذاب والعقاب والجزاء والثواب، وتفاصيل الجنّة والنار والتعذيب والتنعيم. وقد ذكرت في هذه القسم حالات أهل السعادة ودرجاتهم من أهل المعرفة والمقرّبين ومن أهل الرياضة والسالكين ومن أهل العبادة والناسكين. وكذلك حالات أهل الشقاوة ودرجاتهم من الكفّار والمحجوبين والمنافقين والجاحدين وأهل المعصية والفاسقين. ولكن ما كان أكثر فائدة لحال العامّة كان أكثر ذكراً وبصراحة اللهجة، وما كان مفيداً لطبقة خاصّة فقد ذكر بطريق الرمز والإشارة، مثل رضوان الله الأكبر، وآيات لقاء الله لتلك الطائفة، ومثل: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ (المطففين: 15) للطائفة الأخرى. وقد ذكر هذا القسم؛ أيّ في قسم تفصيل المعاد والرجوع إلى الله، معارف لا تحصى، وأسرار صعبة مستصعبة، لا يمكن الاطّلاع على كيفيّتها إلّا بالسلوك البرهانيّ أو النور العرفانيّ.
5- كيفيّة الاحتجاجات والبراهين: ومن مطالب هذه الصحيفة الإلهيّة كيفيّة الاحتجاجات والبراهين التي أقامتها الذات المقدّسة الحقّ تعالى بنفسه لإثبات المطالب الحقّة والمعارف الإلهيّة، مثل الاحتجاج على إثبات الحقّ والتوحيد والتنزيه والعلم والقدرة وسائر الأوصاف الكماليّة. وقد توجد في هذا القسم براهين دقيقة يستفيد أهل المعرفة منها استفادة كاملة، مثل: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ (آل عمران: 18). وقد توجد براهين يستفيد الحكماء والعلماء منها على نحو، ويستفيد أهل الظاهر والناس عامّة على نحو آخر، كالآية الكريمة: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الأنبياء: 22)، ومثل: ﴿إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ (المؤمنون: 91)، ومثل آيات أوّل سورة الحديد والسورة المباركة التوحيد وغيرها، والاحتجاج على إثبات ملائكة الله والأنبياء العظام الموجودة في موارد مختلفة من هذا الكتاب الشريف.
هذه حال احتجاجات الذات المقدّسة نفسها، وإمّا أنّ الحقّ تعالى نقل براهين الأنبياء والعلماء على إثبات المعارف، مثل احتجاجات خليل الرحمن عليه السلام وغيره. هذه مهمّات مطالب هذا الكتاب، وإلّا فالمطالب المتفرّقة الأخرى أيضاً موجودة ويستلزم إحصاؤها وقتاً كافياً.
(*) من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، الباب الرابع، في ذكر نبذة من آداب القراءة وقطعة من أسرارها، الفصل الثاني.
1.هو شدّاد بن عاد، باني مدينة إرم ذات العماد.