الشيخ بسّام محمّد حسين
من الأيّام التي يحضر فيها ذكر إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بقوّة هو يوم عيد الفطر، الذي يمثّل مناسبة سنويّة مهمّة لاجتماع المسلمين بعد شهر تربويّ عباديّ هو شهر رمضان المبارك.
وهذا اليوم، الذي تعدّ صلاة العيد فيه جماعةً خلف الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من الواجبات في زمان حضوره، يدلّ على إحدى الوظائف الأساسيّة التي يُفتقد فيها الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بسبب غيبته عن الظالمين والطغاة المخالفين لمشروعه الإصلاحيّ العالميّ.
ويشير الإمام زين العابدين عليه السلام إلى هذه الناحية المهمّة في دعائه في عيد الأضحى ويوم الجمعة بقوله: "اللَّهُمَّ! إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وأَصْفِيَائِكَ ومَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا"(1).
كما جاء في دعاء الندبة، الذي يُقرأ في الأعياد الأربعة (الفطر والأضحى والجمعة والغدير)، الإلفات إلى هذا الجانب، واستشعار هذه الحالة، وتحزين القلب بها في هذه الأيّام، من خلال ندبة الإمام: "متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر؟ تُرى، أترانا نحفُّ بك وأنت تؤمّ الملأ، وقد ملأت الأرض عدلاً؟".
وحيث إنّ الإمام مسؤولٌ عن هذه الأمّة، وهو حجّة الله على خلقه، وخليفته في عباده، وهو الحاضر الغائب، الذي تُعرض عليه أعمال العباد، ويراقب الأحداث، ويعيشها لحظةً بلحظة، فإنّه يشعر في هذا اليوم بالحزن على هذه الأمّة التي افتقدت إمامها، وصارت كاليتيم بلا أبٍ ولا كفيل، ويرى عظيم ما جنته أيدي الطواغيت من ظلمٍ وقهرٍ وعذاب، وما نشرته من فسادٍ وبغي وجَور، فيتألّم لحالها ويحزن لفراقها، فعن عبد الله بن دينار، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "يا عبد الله، ما من عيدٍ للمسلمين أضحى ولا فطر، إلّا وهو يتجدّد فيه لآل محمّد حزنٌ، قلت: ولمَ ذاك؟ قال: لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم"(2).
وهذا الحزن والافتقاد في يوم الفرح والسرور والاجتماع، إنّما هو لحقّ الإمامة، ويُراد من خلاله تكريس الشعور عاطفيّاً بالإمام ودوره وأهميّة حضوره، لأجل الحثّ على العمل من خلال تمهيد الأرض لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف ليملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وهو معنى الانتظار الإيجابيّ.
ولعلّه لهذا الأمر ورد استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم العيد، باعتبار شهادته عنواناً لاعتداء هذه الأمّة بقتل خليفة الله تعالى، ولن يستقيم أمرها إلّا بالعودة إلى نصرته، وتحقيق أهدافه على يد وريثه وحفيده الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي وردَ استحضاره في دعاء الندبة في هذا اليوم بالقول: "أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟".
وبذلك يُفهم معنى الرواية الواردة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: "لَمّا ضُرب الحسين بن عليّ عليهما السلام بالسيف، ثمّ ابتُدر ليُقطع رأسه، نادى منادٍ من قبل ربّ العزّة تبارك وتعالى من بطنان العرش، فقال: أَلا أيّتها الأمّة المتحيّرة الضالّة بعد نبيّها، لا وفّقكم الله لأضحى ولا فطر. قال [الراوي]: ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: "لا جَرَم -والله- ما وفّقوا ولا يوفّقون أبداً حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السلام"(3). فإنّ النّعم التي خسرتها هذه الأمّة بفقد وليّ الله وحجّته، التي أحد مظاهرها الوحدة والانسجام والتآلف بين الأمّة واجتماعها في يوم واحد للصلاة خلف إمام حقٍّ واحد، لا يُمكن تعويضها إلّا بظهور الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
1.الدعاء الثامن والأربعون من الصحيفة السجّاديّة.
2.علل الشرائع، الصدوق، ج2، ص389.
3.الأمالي، الصدوق، ص232.