نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

هل الدعاء يردُّ القضاء؟

الشيخ علي جابر


جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد"(1).
وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدعاء"(2).

إنّ جوهر العبادات الشرعيّة في الإسلام، هو الدعاء لله تعالى. وقد ذكر اللغويّون أنّ معنى الصلاة هو الدعاء، والدليل قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ (التوبة: 103)؛ أي ادعُ لهم، فإنّ دعاءك يا رسول الله سببٌ لسكينتهم واطمئنانهم. وذكروا له أيضاً معنى التعظيم.


•الدعاء مورد رعاية
الدعاء هو الابتهال والتذلّل بخشوع لله تعالى؛ لأنّه وليّ كلّ النعم والمستحقّ للعبادة، فهو مظهر ارتباط الإنسان الفقير المحتاج الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فهو عين الفقر والحاجة، أمّا الله تعالى فهو الغنيّ المطلق الذي بيده كلّ شيء وإليه تُرجع أسباب كلّ شيء. وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (فاطر: 15).

فقد أركزت الآية الكريمة الإنسان في مقام الفقر المطلق، وشدّت الانتباه إلى هذا المعنى بقوله تعالى: ﴿أَنتُمُ﴾، بعد أن كان الخطاب لكلّ الناس. والفقير لا بدّ أن يسأل الغنيّ المطلق ليغذّيه، بعد نعمة الوجود، بسائر النعم صباحاً ومساءً.

والدعاء يتيح للإنسان الفرصة لكي يحظى بعناية خاصّة من المولى، عندما يبتهل إليه، ويناجيه بفنون المناجاة، ويُظهر له حينئذٍ عبوديّته الصادقة، فينال عطفه ورحمته، ويصل إلى مطلبه ومقصوده، وخصوصاً إذا كان مقصوده هو الله تعالى، ليسلك إليه في مدارج القرب.

•هل يُغيّر الدعاء القضاء والقدرَ؟
القضاء هو ما أثبته المولى تعالى في علمه من حوادث تنزل وتصيب الناس أفراداً وجماعات. والقدر هو تقدير الحادث بشروطه وزمانه ومكانه وأمده في علمه تعالى.

وما قضاه الله تعالى وقدَّره، من المتوقّع حصوله في النظرة الأوليّة؛ لأنّ علمه تعالى لا يتخلّف ولا يخطئ، إلّا أنّ الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام، بيّنت أنّ قضاءه تعالى على نحوين: قضاء يجري فيه البداء أو يكون موقوفاً ولم يُمضَ بعد، وقضاء حتميّ لا يختلف ولا يتخلّف، بل يكون نهائيّاً، وقد أمضاه تعالى لكونه إرادته النهائيّة.

وبين القضاء الذي لم يمضه المولى تعالى بعد والحتم، يأتي دور الدعاء وأثره في الوقائع والأحداث، بل في بعض الأخبار أنّ الدعاء يؤثّر في تبديل القضاء الذي أبرم ونزل، كما في رواية حمّاد بن عثمان عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "سمعته يقول: إنّ الدعاء يردّ القضاء، ينقضه كما ينقض السلك وقد أبرم إبراماً"(3)؛ أي أنّه قد أحكمه ودبّره(4) وصار قطعيّاً. وثمّة شاهد على ذلك في القرآن الكريم في قصّة نبيّ الله يونس عليه السلام مع قومه؛ فإنّه بعد خروجه عليه السلام مغاضباً منهم، بدأ العذاب بالنزول كما توعّدهم المولى، ثمّ عاد وارتفع بالدعاء، فرُفع عنهم العذاب، لعلمه تعالى بتبدّل حالهم، وشفاعة دعاء العبد الصالح الذي بقي مع قومه، وفي ذلك عبرة عظيمة.

•هل يُردّ البلاء؟
للدعاء أثر عظيم في دفع البلاءات التي قد تصيب الإنسان، ولا سيّما المؤمن الذي يتميّز برابطته الروحيّة والعقائديّة بالله تعالى؛ فالمؤمن سريع التوجّه إلى ربّه كلّما شعر أنّ ثمّة مصيبة أو بلاءً يحيط به ويكاد يصيبه، فيتوجّه بالدعاء والتضرّع لدفعه عنه ونجاته منه، والله تعالى لا يخيّب عبده. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَن تخوّف بلاءً يصيبه فتقدّم فيه بالدعاء، لم يُرِه الله عزّ وجلّ ذلك البلاء أبداً"(5).

ولذا، جاء في بعض الأخبار وصف الدعاء أنّه سلاح المؤمن، والنور المتّصل بين الأرض والسماء، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والأرض"(6).

وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "عليكم بالدعاء، فإنّ الدعاء لله والطلب إلى الله يردّ البلاء، وقد قدّر وقضي ولم يبقَ إلّا إمضاؤه، فإذا دُعي الله عزّ وجلّ وسُئل صرف البلاء صرفه"(7).

•الدعاء والتوفيق في الحياة
التوفيق أمر جوهريّ في حياتنا، وهو يعني حُسن الاختيار والاهتداء إلى ما هو الأصلح في أمورنا. وإذا حُرم الإنسان التوفيق، فإنّه لن يحصد خيراً ولن يهتدي إلى مصالحه الحقيقيّة، سواء في دنياه أو آخرته.

ومن المخاطر التي يتعرّض لها الإنسان، أن يرى الأمور كلّها بيده وتحت قدرته، ويثق برأيه، ويغفل عن توفيق الله تعالى له. وأمّا المؤمن العاقل، فيعلم أنّه لو بذل جهده وإمكاناته كلّها لبلوغ غاية وخذله الله تعالى فيها، فإنّه لن ينالها، وقد تحصل ولا تترتّب الآثار التي يأملها منها.

وقد ذكر بعض العلماء الباحثين في أسمائه تعالى الحسنى اسم "الموفّق"؛ أي الذي يكون منه التوفيق إلى كلّ خير وهداية، ويتجلّى هذا الاسم في أفعاله تعالى التي يوفّق فيها المؤمنين إلى ما هو الأصلح لهم بشرط الدعاء الصادق والعبادة المخلصة.

وقد روي عن السيّدة الزهراء عليها السلام أنّها قالت: "مَن أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عزّ وجلّ إليه أفضل مصلحته"(8).

فمن مصاديق خالص العبادة الدعاء الصادق، فيطلب المؤمن من المولى ما يختاره له من الصلاح، ولن يختار المولى له إلّا الأفضل، وهذا هو التوفيق.

•ناجِ الله ولو بقلبك
تظهر بعض الحالات لدى الإنسان حيال الدعاء، مثلاً حضوره في الدعاء، وعدم قدرته على التعبير بين يدي الله عند طلبه حاجته، فيما يعيش حالة معنويّة لطيفة؛ لذلك ينبغي التمييز بين الدعاء والمناجاة.

الدعاء طلب من الداني إلى العالي، كما قيل. أمّا المناجاة القلبيّة، فهي حديث القلب مع الله تعالى. والمناجاة كما قد تكون في السرّ، قد تكون في العلانية أيضاً. وتتميّز المناجاة بشدّة الإخلاص؛ ولذا اعتبرها بعضهم أرفع درجة من الدعاء، فهي حديث المحبّ لمحبوبه.

ونلاحظ أنّ العلماء الأعلام (رضوان الله عليهم)، الذين نقلوا لنا تراث أهل البيت عليهم السلام، قد ميّزوا بين الدعاء والمناجاة، لما في الأخيرة من الخصوصيّات الروحيّة. وقد نقل الشيخ عبّاس القمّيّ في "مفاتيح الجنان" المناجاة الخمس عشرة لمولانا الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وكذلك المناجاة المنظومة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كما نقل في "الباقيات الصالحات" (مجموعة من المناجاة).

وبالعودة إلى المناجاة القلبيّة، فهي وإن كانت ممدوحةً بالطبع، إلّا أنّها لا تغني عن المناجاة الملفوظة والدعاء، لكن ورد المدح للإسرار في الدعاء، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دعوة في السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية"(9)، وهي مما يصدق عليها المناجاة، كما أنّها من علامات الخاشعين لما ورد أيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا علامات الخاشع فأربعة: ... والمناجاة لله"(10).

وينبغي للعابد أن يقتنص الحالة المناسبة لقلبه إن كانت دعاءً أم مناجاةً. وأمّا التعبير اللفظيّ فهو أدبٌ بين يدَي الباري. وقد ترك لنا أهل البيت عليهم السلام زاداً وتراثاً يعلّمنا سنّ الأدب وهيئة التوجّه لمناجاة الباري عزّ وجلّ ودعائه، وحتّى لو كنّا في حالة إدبار القلب، ففي دعائهم عليهم السلام مفاتيح خاصّة للإقبال.
 

1.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج93، ص300، ح37.
2.أصول الكافي، الكليني، ج2، ص467، ح8.
3.(م.ن)، ج2، ص 469، ح1.
4.لسان العرب والقاموس المحيط مادة (أبرم).
5.مكارم الأخلاق، الطبرسيّ، ج2، ص10.
6.أصول الكافي، (م.س)، ح2، ص468، ح1.
7.(م.ن)، ج2، ص 480، ح8.
8.تنبيه الخواطر، الأشتريّ، ح2، ص108.
9.الدعوات، الراونديّ، ص18.
10.تحف العقول، الحرّانيّ، ص20.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع