مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

معلّمو البشرية

الحاجة عفاف الحكيم‏



للقدوة الصالحة دورٌ كبيرٌ في توجيه الناس وبناء المجتمعات.. وقد حرص الإسلام على استثمار هذه الوسيلة، ورَفَعَ من شأن من يستحقُّون أن يكونوا قدوة للمجتمع، ليهتدي الناس بهداهم. وقد حمل لنا كتاب الله صورةً واضحةً لمن يستحقُّ أن يُرفع إلى مقام القدوة، مبيِّناً أنَّ أولى الناس بتلك المكانة هم الأنبياء، ومن سلك نهجهم واقتدى بسيرتهم. قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ. (الأنعام: 83-90)

* الأنبياء قادة البشريَّة وطلائعها
إنَّ لأنبياء الله دوراً إيجابياً عظيماً في تاريخ البشريّة. وهذا الدور يشهد به حتّى منكرو الدّين. باعتبار أنَّ تعاليم الأنبياء الأخلاقيَّة والاجتماعيَّة كان لها دور مؤثِّر في إصلاح المجتمعات وتحسينها وتقدّمها.. فالنبي يبلِّغ رسالة الله إلى خلق الله، ويوقظ طاقاتهم ويوجهها، ويدعو إلى الله وإلى ما يُرضي الله. يدعو إلى السماحة والصفاء والإصلاح، وعدم الإيذاء، والتحرّر من غير الله، وإلى الصدق والاستقامة والحب والعدالة وسائر الأخلاق الحسنة، ويعمل على إنقاذ البشريَّة من قيد هوى النفس وأنواع الأوثان والطواغيت. وهو تعالى أرسلهم من أجل أن تعمّ الرحمة الإلهيَّة كلَّ البشر. فإنَّ القرآن الكريم يُخبرنا بأنَّ المشيئة الإلهيَّة قضت بأن يُرسِلَ الله لكلِّ أمةٍ رسولاً من أنفسهم، كي يعلمهم ويسلك بهم سبل الهداية ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ(النحل: 36). يبقى أنَّ الآيات الكريمة من سورة الأنعام، التي استعرضت هذا المشهد التاريخيَّ الجليل لمسيرة الأنبياء منتهيةً إلى الأمر الإلهيِّ ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ، تلفتنا إلى فاعليَّة التأسِّي وأبعاد التطلُّع والاقتداء في العمليّة التربويّة. والوحي كما تُشير الآيات لا يُخرج الأنبياء من البشريَّة بل يَجعلهم نموذجاً للإنسان الكامل وأسوة للآخرين. ولهذا يكونون للآخرين قادة وطلائع.

* هدف النبوّات
للوقوف على هذا المطلب نستعرض الآيات التالية:

1 يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا(الأحزاب: 45-46).
2 ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ(الحديد: 25).
هذه الآيات أشارت من جهة إلى الهدف العامّ الذي هو هداية الناس لتحقيق سعادتهم ونجاتهم، لكنَّها من جهة ثانية ركَّزت على أنَّ تعاليم الأنبياء هي مقدِّمة لأمرين هما:
1 معرفة الله والتقرُّب إليه.
2 إقامة العدل والقسط في المجتمع البشريِّ.

وهنا نُلاحظ أنَّ النبوَّة، التي بدأت بالسير المعنويِّ والدعوة إلى الله، انتهت كما يُطلِعنا القرآن الكريم إلى إصلاح حياة الناس وتنظيمها وتوجيهها نحو المسير الصحيح. أمَّا الآية التالية فإنَّها تُشير إلى نقطة هامَّة وأساسيَّة لعمليَّة تتبُّع خطى الأنبياء عليهم السلام وهي تزكية النفس وتصفيتها استعداداً للتعلّم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(آل عمران: 164).

ميزة الرسالة الخاتمة:

تميَّزت الرسالة الخاتمة بميزات خاصة تتناسب مع عصر الخاتمية وذلك بحكم كونها الصورة الكاملة الجامعة لدين الله وستكون الهادية للبشر إلى الأبد. فالتعاليم التي حملها خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله توجَّهت إلى الناس كافَّة بخلاف مَن سبقه من الرسل الذين أرسلوا إلى أُمَمهم خاصَّة. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(سبأ: 28). كما وإنَّ الله تعالى دعا رسوله الخاتم إلى إعلان هذه الحقيقة إلى الناس عامَّة ﴿أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ (الأعراف: 158). يبقى أنَّه لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ ميزات الرسالة الخاتمة لم تتمكن من أن يكون لها وجود واقعي في المراحل السابقة التي شهدت طفولة ونمو البشريَّة بخلاف مرحلة النضج التي نظَّمت الحقوق والواجبات وحدَّدت العقوبات وجعلت على سبيل المثال الفضل والكرامة بين الناس رجالاً ونساءً بأمور ثلاثة:

1 العلم ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (الزمر: 9).
2 الجهاد في سبيل الله ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا(النساء: 95).
3 التقوى والطهارة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ(الحجرات: 13).

* أخيراً وراثة الأنبياء
جاء في الحديث الشريف عن النبيِّ صلى الله عليه وآله أنَّ "العلماء ورثة الأنبياء"(1) و"أمناء الرسل"(2). وبديهي القول إنَّ مع العلماء هناك ركب المؤمنين العاملين في كلِّ عصر ممن أحرزوا ما فاضل به الله تعالى بين الناس (العلم، والجهاد والتقوى)، وحيث اتَّجه تقدير الأمم والشعوب لكلِّ طالب إصلاح وآمر بمعروف وناهٍ عن منكر؛ لأنَّ هذه الفريضة التي جُعِلَت قاعدة لسائر الفرائض تجعل المؤمنين في كلِّ عصر في حالة ثورة فكريّة دائمة، وطلب إصلاح مستمر، وجهاد دائب لا يفتر ضدَّ العبث والظلم والفساد على اختلاف أنواعه. وكان أن اتَّسعت عناصر التقدير لتشمل المعلِّمين المربين ممن تتبَّعوا نهج الرسل وخطى الأنبياء، والتزموا شريعة الله سلوكاً ومنهجاً وغاصوا في عمق المسؤولية ونهضوا بها. وكان خيارهم العمل الدؤوب المثقل بأسمى معاني الصبر والصدق والإخلاص لأنَّهم علموا أنَّ بناء الأوطان إنَّما يبدأ ببناء الإنسان الصالح، وبناء الإنسان الصالح هو من مسؤوليَّة المعلم، الذي تقترب رسالته كمربٍّ من رسالة الأنبياء عليهم السلام. فالتربية والتعليم كانا وما زالا المهمَّة الجليلة جداً في نظر الإسلام، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام "من علمني حرفاً كنت له عبداً"(3). وقد أراد الله تعالى أن يكرم المعلم ونسبه تعالى إليه وسماه ربانياً، قال تعالى: ﴿كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ(آل عمران: 79).


1- الدعوات، قطب الدين الراوندي، ص63.
2- القضاء والشهادات، الشيخ الأنصاري، ص250.
3- شرح رسالة الحقوق، الإمام زين العابدين، ص409، تحقيق حسين علي القبانجي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع