"إنّه يوم عظيم واجتماع هامٌّ ومحلٌّ مبارك؛ يوم ولادة الزهراء المرضية وهو يوم
المرأة. إنّه يوم انتصار المرأة واليوم النموذجي للمرأة في العالم.
إن للمرأة دوراً عظيماً في المجتمع.
المرأة مظهر تحقُّق آمال البشر.
المرأة مربّية عظماء النساء والرجال.
... إنّه يوم وُلدت فيه امرأة هي نموذج للإنسان، امرأة تتجلّى فيها تمام الهُويّة
الإنسانيّة؛ وعليه، فهو يوم عظيم؛ يومكنَّ أيتها النساء".
بهذه الكلمات النورانيّة، يخاطب الإمام الخمينيّ قدس سره النساء في يومهنّ الذي
أعلنه يوماً للمرأة، متوّجاً بشكل رمزيّ مسيرة طويلة من نضاله الثوريّ في سبيل
إحياء دور المرأة الحقيقيّ في الإسلام، وتقديم النموذج المتألِّق للمرأة بشخصيّة
السيّدة الزهراء عليها السلام وقيادته المنتصرة لنهضة فكريّة وثورة اجتماعيّة.
* الدفاع عن المرأة
وقف الإمام الخمينيّ قدس سره بكلّ عزم وقوّة مقابل تيّارين قويّين ومؤثّرين في
المجتمع الإسلاميّ، ولكلّ منهما رؤيته الخاصّة في موضوع المرأة ودورها وحضورها:
1- تيّار التغريب المتماهي مع الحداثة الغربيّة، الداعي إلى مساواة المرأة بالرجل
كاملاً، وضرب مفهوم الأسرة وتكامل الأدوار التربويّة والاجتماعيّة بين الرجل
والمرأة... ما جعل المرأة أمام خيارَين لا ثالث لهما؛ إمّا "الترجيل" وتقليد الرجل
والتماهي معه، وإمّا "التسليع" وتحويلها إلى دمية تسعى لتزيين نفسها لإرضاء الرجل!
وهذا قمّة الإهانة لإنسانيّة المرأة وأنوثتها في الوقت نفسه.
2- تيّار الجمود والتحجُّر، الذي لم يكن يملك مشروعاً فكريّاً ولا منظومة اجتماعيّة
تحدّد دور كل من الرجل والمرأة؛ وبالتالي، كان تيّاراً منفعلاً أمام غزو الأجنبيّ
واستبداد الحكام والملوك في الداخل، فاكتفى هذا التيّار بالنظرة الضيّقة والأحكام
الفرديّة، مضافاً إليها رواسب اجتماعيّة وأعراف تقليديّة.
قام الإمام الخميني، فملأ الدنيا وشغل الناس! وبيّن أنّ الإسلام نظَّر للدين كمشروع
حياة وفكر وعمل. نظّر للإنسان بنظرة قرآنيّة ورؤية حِكَميّة، فالإنسان -ذكراً كان
أم أنثى- خليفة الله، ومحقّق المشروع الإلهيّ على الأرض، فـ"لا يوجد أي فرق بين
النساء والرجال في كل ما جعل لله للإنسان كإنسان -على الصعيد الإنسانيّ والحقوق
الاجتماعية وكذلك بالنسبة إلى القيم المعنويّة والسير التكامليّ المعنوي"
* تكريم المرأة وتقديرها
كان الإمام قدس سره ومسيرته وعلاقته بالنساء حافلة بالتكريم والتقدير، إلى درجة
اعتبارهنّ قائدات الثورة والانتصار الحقيقي، "إنّني -وبتواضع- أحبّ جميع فئات
الشعب، وخاصّة السيّدات، اللّواتي كان لهن الدور الكبير في هذه النهضة المقدسة،
وأعتبر أن النساء رائدات ومتقدمات في هذه النهضة. ولطالما كرّرت مراراً أن للسيدات
حقّاً أكثر ودوراً أكبر في الإسلام... هنّ الدافع والمحفّز للقيام الإسلاميّ".
"إنّ المقاومة التي أظهرتها نساؤنا العظيمات في مواجهة الاستكبار والقوى الكبرى
وعملائها، لم يسجل الرجال مثلها في شجاعتها وصلابتها على مرّ العصور".
* هي تمام حقيقة المرأة والإنسان
كان الإمام ينسب الانتصارات والإنجازات كلّها إلى اللطف الإلهيّ وإلى الإسلام
العظيم، وإلى المعصومين عليهم السلام. وكان لسيّدة نساء العالمين عليها السلام
الدور الأبرز، فهي الكاملة والقدوة والأسوة والنموذج في التكامل المعنوي الإنسانيّ،
ورائدة الجهاد والدعوة وخدمة الناس والاعتراض السياسي دفاعاً عن الولي المعصوم،
فضلاً عن أدوارها العظيمة كزوجة وأمّ وابنة.
إنّ عمليّة الإصلاح الاجتماعيّ والفكريّ والثقافيّ، وصولاً إلى بناء الحضارة
الإسلاميّة الجديدة، تتطلب إبراز الزهراء عليها السلام. المرأة النموذج والقدوة
المحبوبة، وتقديم فضائلها وأبعادها الساطعة للنساء والفتيات، "إنْ كان للمرأة يوم،
فاي يوم أسمى وأكثر فخراً من المولد السعيد لفاطمة الزهراء عليها السلام... امرأة
فضائلها مثل فضائل النبي الأكرم وأهل بيت العصمة والطهارة اللامتناهية... امرأة ظهر
فيها تمام الأبعاد المتصورة للمرأة وللإنسان. هي تمام حقيقة المرأة والإنسان بكلّ
ما لكلمة الإنسان من معنى".
* دفاعاً عن الزهراء عليها السلام
في ذكرى ولادة السيدة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة، وفي برنامج إذاعيّ اسمه
"سلام، صبح به خير" (سلام، صباح الخير)، قالت إحدى المتصلات عبارة يُفهم منها
الإساءة للسيدة الزهراء عليها السلام، حيث جعلت نموذجها شخصية تلفزيونية، وليس
السيدة الزهراء عليها السلام.
في اليوم التالي، أصدر الإمام الخميني قدس سره بياناً علنيّاً، وأوعز للمسؤولين
بمباشرة التحقيق في ملابسات هذا الحادث والتأكّد من تفاصيله وإصدار الأحكام
المناسبة.
وقد حاولت وسائل الإعلام الغربية والأوساط الجاهلة لِما حصل، استغلال الحادث. طلب
التحقُّق والتأكُّد من عدم وجود نيّة جرميّة عند أحد بالإساءة للمقام الشامخ للسيدة
الزهراء عليها السلام، الذي يوجب الارتداد، مع الالتفات إلى مقتضياته الثابتة في
الشرع الإسلاميّ، كما نبّه الإمام بموقفه الحازم والفوريّ والشفّاف إلى خطورة العمل
الثقافيّ والإعلاميّ ودقّة تأثيره، حيث ينبغي تقديم القيم الصحيحة والواضحة دون لبس
ولا تشكيك وإظهار عظمة المعصومين عليهم السلام العابرة للزمان والمكان والصالحة
لكلّ البشر.
أظهر الإمام الخمينيّ قدس سره عزماً راسخاً على إحياء الإسلام وتجديد الشريعة،
فأحيا قلب الأمّة بهذا التحوُّل الإلهيّ الذي أهداه للنساء في زماننا المعاصر عبر
قيادتهنّ ليقتدين عمليّاً بالسيّدة الزهراء عليها السلام، متخلّصات بذلك من أوهام
التغرُّب ورواسب التحجُّر، نحو الحياة الطيّبة بالإسلام المحمّديّ الأصيل.