مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدسات جاسور محمد إسماعيل


نسرين إدريس قازان

شهيد الدفاع عن المقدسات جاسور محمد إسماعيل (تراب عليّ)
اسم الأم: فتاة دندش.
محل الولادة وتاريخها:
بريتال 8/6/1991م.
رقم القيد:
56/150.
الوضع الاجتماعي:
عازب.
تاريخ الاستشهاد: القصير
19/5/2013م.


جَسور وكم شابَهه اسمه؛ جريء شجاع، لا يرتجفُ قلبه خوفاً إلّا من الله. اتّخذه الضعفاء من أقرانه ملجأ لهم، فهو الحامي لهم كما لإخوته، لا يقبلُ أن تقفَ في طريقهم حجرةٌ فيعثروا بها، فالقلبُ الجسور ينضحُ محبةً لا يَصفها وصف..

•طفولة مجاهد

كان ابنَ ثلاثة أعوام حين فقَد "جاسور" والده. كان له أخ أكبر منه والثاني أصغر، تكاتفت العائلة، وجنباً إلى جنب قرّروا شقّ صعوبة الحياة، يحضنهم حرصُ الأم على أولادها، فاقتصرت مشاوير الفِتية على المدرسة والأقرباء برفقة والدتهم فقط، أمّا من يريد اللعب معهم، فعليه أن يقصد منزلهم. فصارت غرفة جاسور مرتعاً له ولأصدقائه منذ الصغر وحتّى شبابه.

كان جاسور صغيراً عندما كان يذهب مع أخيه الصغير إلى المدرسة في طريق موحشة، وبعيدة، يحمل محفظته ومحفظة أخيه، يتمشيان بين الظلال الوارفة حيناً وتحت سياط الشمس حيناً آخر، وفي الشتاء يجرفان الثلج بأحذيتهما البلاستيكية. ومن بين الطرق التي لا بدّ من المرور بها طريق فيها قفير نحل، حيث يتلقّى جاسور يومياً لسعات بعضها ليدرأها عن أخيه الذي يدفعه إلى الركض والهرب.

التحق جاسور بالعمل الجهاديّ صغيراً، بعد أن أنهى الصف الثانويّ الثاني. ومع كثرة الدورات العسكرية التخصّصية، قرّر أن يتفرّغ للعمل الجهاديّ.

•فرحه من فرحهم
كان جاسور سخيّ النفس، كرمَ الطباع، يده مفتوحة للسائل والمحتاج، ولا يُفرح قلبه شيء كمثل اجتماعه مع رفاقه في بيته وتناول الطعام معهم، فهو صاحبُ روح مرحة، وشخصية مرنة، وكأنّه قلب الحيّ النابض بالحياة. كان يستيقظ صباحاً ويحضّر القهوة لوالدته، يجلس معها على الشرفة، وقد يعلو صوته منادياً الجارات ليأتين ويشربن القهوة مع والدته، فيضخّ بعمله هذا سروراً وفرحاً لها ولهنّ، قبل أن يمضي إلى عمله.

•علمٌ وعمل
في بلدة صغيرة مختلطة الطوائف، كان قلبُ جاسور وعقله منزّهَيْن عن كل تعصّب، يُعامل المسيحيّ والسنّيّ والشيعيّ معاملة واحدة، فالإنسان بنظره إنسان، ويحترم طقوس كلّ منهم. ولأنّه شخص اجتماعيّ محبوب كان كلامه يترك أثراً في النفوس، فلم يحاججه أحد في مسائل الدين والعقيدة إلّا كانت الحجّة لجاسور عليه بالدليل والمنطق. كيف لا وهو قد قضى أوقاتاً طويلة يطالع الكتب ويدوّن ملاحظاته، ويستفسر، فلا يترك جملة واحدة من دون أن يفهم المراد منها. كما كان صلْبَ النقاش، وحرص على تحويل مجالسته رفاقه إلى حلقة دينيّة يستفيد منها الجميع.

•تأثّره بالوليّ الفقيه

من أكثر المواقف التي تركت أثراً على حياة جاسور، وألقت بظلالها على تصرّفاته، مشاهدته في إحدى المرّات مقطع فيديو للإمام القائد السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله وهو يخطب بالجموع المحتشدة تحت المطر، حيث بكى القائد تأثراً على حالهم ووقوفهم في البرد، قائلاً: إنه يقبّل تلك الأقدام الواقفة تحت المطر وفي البرد... كان هذا المشهد أبلغ درس في حياة شابٍّ لم يعد يرى الحياة إلّا طريق عبور، وزاده تواضع قائده تفكّراً وتخلّياً عن متاع الدنيا، فصارت الشهادةُ كلمةً يُكررها دائماً، وكأنّه يريد أن يمهّد لمن حوله فكرة رحيله...

"الشجاعة" كانت وصية جاسور للجميع، فقد كان يشرح لهم الفرق بين الجبن والخوف، وكيف أنّ على الإنسان أن يسيطر على خوفه فلا يقوده إلى الجُبْن، وأنّ المرء يهزم الموت حين يقتحمه، فإذا كان لا بدّ من الموت، فليكن بشجاعة.

بعد أن كان جاسور شاباً في مقتبل العمر يضخّ الحياة لمن حوله، صار فجأة كوردة في زاوية تذوي ببطء، وأمه تنظر إلى حاله بقلبٍ يتقطع عليه، فقد سُلب منه فرحه بالحياة برحيل رفاقه شهداء؛ صادقاً إثر صادق؛ وصالحاً إثر صالح؛ في الدفاع المقدس عن حرم السيدة زينب عليها السلام، وفي المناطق المحيطة بالحرم، فيما كان خجلاً من إصابته في المعارك، بالقرب من حرم السيدة، أمام ما قدّم غيره من الدماء. كان يغيبُ أياماً وأسابيع للجهاد، فإذا عاد من مهمّته، لام نفسه على تقصيره ومكوثه في المنزل.

•معركة القصير.. كربلائية

عندما بدأ التحضير لمعركة القصير؛ فاتحة المعارك والانتصارات، كان جاسور قد قضى عشرة أيام في مهمّة جهادية في سوريا، بالتالي، لن يشارك في المعركة المرتقبة، ولكن جاسور كان منتظراً، وقبيل أن تنتهي مهمّته بيوم، تواصل مع أحد الإخوة طالباً منه التوسط له للسماح بانضمامه إلى المشاركين في المعركة، ونجح في ذلك.

في القصير، كانت المعركة كربلائية؛ رخُصت الأنفس وبُذلت الأرواح، وكانت حماية رفاقه أولويّة "جاسور" ولو عرّض حياته للخطر. وكلما ارتفع إلى الله شهيد، زادت الحماسة فيه، إلى أن سقط رفيقه جريحاً في مكان خطرٍ؛ وخشي أن يؤخذ أسيراً، فطمأنه جاسور أنّ أحداً لن يمسّه طالما فيه رمق، فأجرى له الإسعافات الأوّلية وطلب الإسعاف الحربيّ، وأمّن لهم التغطية اللازمة من أجل سحب زميله الجريح، مقتحماً صفوف الأعداء متحاملاً على إصابته في يده، واشتبك معهم إلى أن استشهد.

•كلٌّ زفّه على طريقته

أسرَ التكفيريون جثمان جاسور، وتسابقوا لالتقاط صور لهم مع جثمانه.
بعد واحد وخمسين يوماً على استشهاده.. وقفت والدته على شرفة المنزل، تنتظر عودة بطلها لترشّ عليه الورد والأرز وتزغرد فرحاً بعودته، ومشى أهل القرية في جنازته كلّ يترحم عليه حسب عقيدته..

علَت صراخات "لبيك يا زينب" في تلك القرية النائية الهادئة، وترنّمت همسات "فليرحمك الربّ الذي في السماء".. كلٌّ زفّه على طريقته.. فذُرفت الدموع حزناً لفراق شابّ كان الجميع يعتبرونه ابناً لهم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع