مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تحدّيات الإعلام الملتزم

إبراهيم فرحات(*)



يُعتبر الإعلام اليوم من أكثر الحقول إثارة للجدل نظراً إلى مدى أهميّته وتأثيره في تكوين الأفكار والآراء والقناعات لدى الجماهير.

وليس صدفةً أنّ أكثر من 75 % من المادة الإعلاميّة التي تُضخ في العالم مصدرها الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركيّة. ويُعتبر الإعلام والمال أقوى سلاحين في رسم المشهد الدولي والتأثير في الدول، وصولاً إلى التأثير الكبير في الأسواق، والقناعات وخلق سلوك استهلاكي معيّن، حيث إن الكثير من عادات التسوّق وتفضيل سلع معيّنة هي من تجلّيات الإعلام والإعلان.

•التحدّيات تطوّر الإعلام
وعندما نتحدّث عن التأثير الكبير لوسائل الإعلام إنّما نتحدّث عن إعلام الصورة والصوت والذي يرتكز في الذهن أكثر من غيره من وسائل الإعلام، وكما يقول "ريجيس دوبراي": "إن سيّد الصورة هو سيّد البلاد".

انطلاقاً من هذا التمهيد ندخل في صلب موضوع "الصعوبات الحالية أمام الإعلام الملتزم والهادف" لنقول إن الإعلام إنّما يزكو على التحدّيات. ومواجهتنا للعدوان الإسرائيلي أعطت لإعلامنا القوة والشعلة للانطلاق والتطوّر السريع من إعلام مبتدئ باتجاه إعلام فاعل ومحترف.

•الضوابط... نقاط قوّة
قد يُعتقد أنّ كثرة الضوابط الشرعية والأخلاقية تحدّ من فاعليّة الإعلام الملتزم والهادف. وهذا في جانب منه صحيح، ولكن في المقابل فإنّ قوّة الإعلام الملتزم تأتي من خلال تحلّيه بهذه الضوابط، التي إنْ أحسن توظيفها والاستفادة منها، أصبحت نقاط قوّة له، لا نقاط ضعف فيه.

لقد شكّل إعلامنا الملتزم مدرسة خاصّة به، لها أصولها ومبانيها وضوابطها ومعاييرها، فكان نموذجاً للمصداقية والنزاهة والاستقامة، ونجح في إشاعة ثقافة العفّة بدلاً من ثقافة الفاحشة، وتميّز بالدقّة والمصداقية في تغطياته الإخبارية، وتمكّن بأخلاقيّات مهنيّة عالية من تقديم برامج متنوّعة ومسلسلات دراميّة ووثائقيات... إلخ، وواكب خبرياً مجريات ما يحدث في المنطقة والعالم من منطلق العارف بما يريد، فكان نصيراً لقضايا المظلومين والمستضعَفين في الأرض أينما كانوا، ومثّل صوتاً صادحاً بالحقّ نصرةً لقضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فآزرها وساندها وأبرز مظلوميّة شعبها بكلّ ما أوتي من أدوات وأشكال وأساليب.

•الإعلام الملتزم بالحقّ دوماً
لقد كان إعلامنا منذ البداية صريحاً بأنّه لن يقف إلّا إلى جانب الحقّ حينما تدور الدائرة بين الحقّ والباطل، وكان الكثيرون ممّن يتباهون بأن إعلامهم محايد أو ليس لهم أجندة سياسية، يعيبون على إعلامنا ويصفونه تارةً بأنّه إعلام تعبويّ وطوراً بأنه إعلام منحاز.

وكانت نقطة قوّة إعلامنا بأنّه وقف إلى جانب قضايا شعوب هذه الأمّة، ليتبيّن لاحقاً وتحديداً بعد اندلاع الحرب على سوريا، قيام الكثير من أدوات هذا الإعلام -الذي سمّى نفسه محايداً- بفبركة أفلام لا تمتّ إلى الواقع ولا إلى الحقيقة بصلة، فقام بأكبر عمليّة تضليل وخداع من خلال حملة منسّقة لتدمير بعض الدول العربية، ومنها سوريا والعراق لحرفهما عن موقفهما السياسي.

وهنا كان دور إعلامنا الهادف الذي استطاع -وبإمكانات محدودة- مواجهة آلة الدعاية هذه، وكشفَ زيف ادعائها أمام الجماهير، معتمداً على مبادئه المتمثّلة بالمصداقيّة والرصانة والنزاهة وقوّة الحق، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، وإذا بكلّ هذه الوسائل تبلع ألسنتها ولم تعد تتحدّث لا عن حياديّة ولا عن موضوعيّة... فقد انكشف دورها في التزييف واختلاق الوقائع من خلال انخراطها في حملة معادية لشعوب بعض الدول التي تبنّت خيار المقاومة والممانعة في مواجهة العدوّ الصهيوني.

•إعلام المقاومة أعطى الأمل للأمّة
لقد استطاع إعلامنا تقديم نموذج المقاومة على أنّه أمل الأمة للخلاص من نير الاستعباد والاستعمار والاحتلال بأشكاله كافّة.
لقد دأبت هذه المشاريع على بثّ ثقافة اليأس في الناس وأنّه لا إمكانيّة لبناء قدراتهم الذاتيّة والاعتماد عليها، وذلك من خلال التركيز على نقاط ضعف أداء حكوماتنا ومجتمعاتنا، وبأننا لسنا جديرين بالنهوض والارتقاء بمجتمعاتنا وحكوماتنا نحو الأفضل.

ولنا في تجربة المقاومة في لبنان خير دليل وشاهد، فعندما دخل العدوّ الإسرائيلي إلى بيروت صيف عام 1982م إنّما أراد وبقوة -إضافةً إلى أهدافه العسكريّة- سحق أيّ أمل في النفوس وزرع ثقافة الاستسلام وانعدام أيّ إمكانية للقيام؛ وإذ بالمقاومة، وبالاتكال على الله وعلى قدراتها الذاتيّة المنطلقة من عقيدة راسخة وأصيلة، تبرهن أنّها قادرة على هزيمة العدوّ، وقد هزمته ودحرته عن أغلب أرضنا واستطاعت من خلال مسيرتها المكلّلة بالشهادة أن تُنشئ معادلة ردعيّة في مواجهة العدو، فزرعت الأمل في النفوس، بإمكانية القيام والتصدي.

لقد لعب إعلامنا دوراً مواكباً لعمل المقاومة، مقدّماً صورتها كما هي لا كما يريد رسمها العدو أو أصحاب المشاريع المشبوهة، ولولا هذا الإعلام لكانت قُدمت صورة المقاومة بطريقة مشوّهة، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك.

•للارتقاء بالإعلام الملتزم
وانطلاقاً من المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق إعلامنا الملتزم نرى أنّه لزاماً علينا دائماً السعي نحو الأفضل ونستطيع بالإرادة والعزيمة والمبادرة أن نقدم الأفضل. فالمأمول من إعلامنا المزيد من الدخول في ساحات المواجهة بقوّة أكبر، ولذا علينا الأخذ بعين الاعتبار العديد من الأمور للارتقاء بخطابنا الإعلامي وصورتنا الإعلامية:
1- الجاذبية والإبداع بما يحقّق أهداف الرسالة الإعلاميّة المرجوّة.

2- زرع وتجذير القيم الدينيّة والأخلاقيّة.

3- أن يكون إعلامنا إعلام هداية إلى الصراط المستقيم.

4- التوعية من المخاطر الاجتماعيّة، والانحرافات الأخلاقيّة والسلوكية، وتسليط الضوء عليها ومعالجة الظواهر الشاذّة.

5- الإضاءة على فكر ومنطق الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من أهل بيته عليهم السلام ونشر، وتوضيح مبادئ، ومفاهيم، وقيم الإسلام المحمدي الأصيل.

6- فضْح المشاريع السياسيّة المشبوهة والتي تصبّ بالنهاية في خدمة العدوّ الإسرائيلي ومواجهتها إعلاميّاً بالأشكال والمضامين والأساليب المناسبة.

7- التصدّي للغزو الثقافي ومواجهته عبر تقديم أنواع مختلفة من الإنتاجات الإعلامية التي تُخاطب العقل والوجدان، كالبرامج الدينيّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة والمسلسلات التي تُبرز مواطن القوّة والعزّة.. وتقديم نموذج المقاومة بكلّ أبعاده ليس كنموذج عسكري ناجح فقط، بل كنموذج ثقافي قيَمي حضاري وسلوكي في مقابل ثقافة التحلّل من القيم التي يُراد غرسها في وجدان وقلوب وعقول شبابنا، وذلك تمهيداً لكسر إرادة المقاومة عبر النيل من بيئتها الحاضنة بعد يأسهم من كسر إرادتها عسكرياً.

8- العمل على تنمية المهارات الإعلامية وتحفيز روح المبادرة لدى العاملين في وسائلنا الإعلامية؛ وذلك لرفع مستوى وجاذبية منتجنا الإعلامي.

إنّ النجاحات التي تحقّقت على المستوى الإعلامي يجب أن تشكّل حافزاً لتطوير منظومتنا الإعلامية، خصوصاً في ظلّ هذا التطور الهائل في تكنولوجيا الإعلام الجديد، لنكون على مستوى الحدث وعلى مستوى التحدّيات والتطلّعات والآمال.


(*) رئيس مجلس الإدارة -المدير العام للمجموعة اللبنانية للإعلام- قناة المنار.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع