مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تحقيق‏: الاختلاط وجوه ومحاذير

ايفا علوية ناصر الدين‏



لم تضع التشريعات الإسلامية مسألة الاختلاط بين المرأة والرجل في دائرة الحرمة المطلقة أو الحليّة المطلقة بل جاءت الأحكام الخاصة بموضوع الاختلاط بناءً على تشخيص المصلحة والمفسدة، ومراعاة الحاجة والضرورة التي لا تؤدي إلى حصول الضرر والفساد.

ولقد كان الحديث عن مفهوم الاختلاط السلبي، ويقصد من الاختلاط الذي لا تتم فيه مراعاة الضوابط الشرعية التي من المفترض أن تحكم علاقة الرجل والمرأة، دافعاً لإثارة موضوع الاختلاط واستكشاف مظاهره السلبية والايجابية والتطبيقات العملية لأحكامه ومعرفتها بشكل أدق وأشمل من خلال ملامسة واقعنا الحالي الذي يتميز بانطلاقة المرأة المسلمة نحو العمل والدراسة وغيرهما من الميادين التي تُعرِّضها للتواجد في حدود بيئة مكانية واحدة مع الرجل، وبالتالي تُعرِّضها لأحد وجوه الاختلاط السلبية أو الايجابية إذا صح التعبير.

* بين الضرورة والاختيار
إنَّ الاختلاط في المجتمع يُمكن الحديث عنه في إطار زوايا متعددة منها الاختلاط في مؤسسات العمل المختلفة التي يتواجد فيها الرجل والمرأة تحت سقف ضرورة العمل والتي قد تفرض أن يكون هناك تماس بينهما وهذا من الناحية الشرعية "مسألة لها ضوابط تحكمها وليس فيها مشكلة" كما يقول الإعلامي عماد مرتضى الذي يعمل في مديرية البرامج السياسية في تلفزيون المنار، أحد المؤسسات الإسلامية التي تجمع تحت سقفها العديد من الرجال والنساء الذين تتكامل أدوارهم في سبيل تحقيق الأهداف وإنجاز الأعمال المطلوبة. وهذا ما تؤكده مذيعة الأخبار بتول أيوب بقولها: "ديننا هو دين اجتماعي يلامس الحياة حيث وضع لكل شي‏ء مبادئ‏ ومعايير ليتم العمل على أساسها، وبالنسبة للمرأة فإنها تستطيع أن تعيش حياتها العملية مع مراعاة الضوابط الشرعية بدون أي عقبات".

هنا يشدد عماد مرتضى على أنَّ هذه الضوابط لا تفرض على الشخص رقابة تُسجِّل له كل تحركاته بل يعود هذا الأمر إلى التزام الشخص نفسه وتربيته الإسلامية ومفاهيمه وقناعاته. وتنشأ الإشكالية الشرعية برأيه عندما يكون الاختلاط في العمل "عملية اختيارية كأن تجلس المرأة في غرفة العمل مع الرجال لتبادل الأحاديث والمزاح الذي ليس له لزوم وترتفع الأصوات والضحكات وهذا بعيد كل البعد عن ضرورات العمل". وتعتبر أيوب أن مجرد وجود المرأة في مؤسسة إسلامية يعني عدم وجود مشاكل كثيرة تعانيها في هذه الناحية وكل ما هو مطلوب منها الانسحاب من كل غرفة "ليس فيها دواعي عمل". ويشير مرتضى إلى أنّه بإمكان الرجل والمرأة على حد سواء أن يفرض كل منهما شخصيته على الطرف الآخر حتى لو لم يكن يتصرف على أسس الضوابط فهما "يستطيعان بسلوكهما وتعاطيهما أن يفرضا على الآخر الالتزام بالحدود وأن يحفظا حرمات اللَّه".

* رقابة ذاتية وعليا
يؤكد مدير الرقابة والتوجيه في تلفزيون المنار فضيلة الشيخ خضر الديراني على أنَّ مفهوم الاختلاط في الإسلام يُنظر إليه من زاوية الضرورة وعدمها، فالاختلاط الذي لا يؤدي إلى وجود فساد أو منكر وفيه خدمة للمجتمع لا يمانع الإسلام منه وهنا إشارة إلى أنه "ليس مطلق الاختلاط الذي لا يؤدي إلى حرام جائز بل كل اختلاط ضروري لا يؤدي إلى حرام هو جائز، وهنا تُقدَّر الضرورات بحسبها لذلك نجد أنَّ الفقهاء يشيرون إلى أن موضوع الاختلاط من المواضيع التي يعود تشخيصها إلى المكلف نفسه".

أما بالنسبة إلى العمل اليومي الذي يجمع بين الرجل والمرأة في أي مؤسسة إسلامية فيجب أن يكون عملاً جدياً هادفاً على أساس التقرب إلى اللَّه تعالى مع التأكيد على "أن هدف العاملين في المؤسسات الإسلامية في الأصل طاعة اللَّه ورضاه عزّ وجلّ وسواء أكان شريكه مثيل له أو من الجنس الآخر فلن يكون سبباً في إدخاله في المحرمات، إنّ هدفه أسمى من الصغائر الدنيوية فلو أراد أن يعيش حياة الملذات لما عمل في مؤسسة إسلامية وكان بحث عن عمل آخر". وبالإضافة إلى التشديد على أنّ العاملين هم من الأشخاص المتدينين الذين يمتلكون روادع ذاتية فقد تحصل بعض الأخطاء التي قد تقع نتيجة الاشتباه وعدم المعرفة، ولذلك فقد كان من الطبيعي وجود "حدود وضوابط وضعت من قبل الإدارة العليا ضمن الأنظمة والهيكليات العامة للمؤسسة وهذه الضوابط مأخوذة بالطبع من روح الشريعة الإسلامية، وهي تُراعي موضوع اللباس والمسلك وما شاكل من أنواع الاختلاط الذي يمكن أن تؤدي إلى علاقة تشوبها شوائب شرعية".

* التعليم المختلط فوائد أم مفاسد
هذه الضرورة التي رأيناها خلال الحديث عن الاختلاط في العمل ليس لها أي أهمية أو اعتبار في مجال الدراسة والتعليم وهذا ما يُفسِّر توجُّه المدارس الإسلامية نحو فصل الجنسين أي الذكور والإناث في الصفوف التعليمية، ويشرح المدير المركزي لمدارس المصطفى صلى الله عليه وآله الأستاذ محمد سماحة خلفية قرار الفصل هذا بالقول: "لما كانت الشريعة الإسلامية تحث على عدم الاختلاط إلاّ في الحالات الضرورية وضمن شروط وظروف محددة ولاعتقادنا بأن الاختلاط قد يتسبب في مفاسد ومشاكل، ولمّا كان الفصل ممكناً في عملية تعليم الأبناء والبنات فقد عمدنا إليه وهذا ما أيّدته شريحة كبيرة في مجتمعنا ولاحظنا فوائده بالانصراف أكثر إلى الاهتمام بالشؤون التعليمية والتربوية وتجنُّب المشاكل التي تقع فيها المدارس المختلطة".

ومن الملاحظ أنّ الفصل في المدارس الخاصة أو الرسمية (غير الإسلامية) يتم في المراحل الثانوية بينما تعمد إليه المدارس الإسلامية في المراحل الابتدائية وذلك لأن الابتداء بالفصل قبل المرحلة الثانوية حسب الأستاذ سماحة أفضل حيث تكون الأجواء طبيعية وغير مثيرة للأسئلة الكثيرة عند الطلاب وستساهم في تعويدهم على هذا الأمر مع الإشارة إلى "إمكانية نشوء بعض السلوكيات الاستثنائية قبل المراهقة والتي تحتاج إلى اكتشاف ومعالجة حتى لا تتحول بعد ذلك إلى مشاكل مستعصية".

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو عن الآثار السلبية التي قد يسببها هذا الفصل للتلميذ خصوصاً في المرحلة الجامعية التي ينطلق إليها بعد إنتهاء المرحلة الثانوية ويجيب الأستاذ سماحة: "إنّ العُقد تكثر وتزيد في ظروف الاختلاط لا بل قد تكون قاسية ومؤلمة ثم إنّ الفصل بين الجنسين لا يعني إهمال تأهيل التلميذ لإقامة علاقات أو للتعاطي بثقة وجدارة مع مجتمع الجامعة بما فيها العلاقة مع الجنس الآخر مع التأكيد على أنّ التلميذ عندما يذهب إلى الجامعة يكون قد امتلك جملة إمكانيات تسمح له بالتعاطي مع الجنس الآخر فهو قد أصبح في مرحلة عمرية أكثر نضوجاً وأصبح مسؤولاً عن أعماله يُقدِّر عواقبها ويتحمَّل نتائجها ويكون قد تزوّد بالثقافة والفهم اللازمين للعلاقات الاجتماعية". وهناك مسألة مهمة لا بد من الإشارة إليها في خصوص أهمية التعليم غير المختلط وهي الدعوات والأصوات التي تعالت في السنوات الأخيرة في الغرب لفصل الجنسين في المدارس والتي يُمكن اعتبارها "ردة فعل طبيعية على ما آلت إليه الأمور في تلك البلاد، نسمع بين الحين والآخر وعبر وسائل إعلام الغرب أن جريمة قد ارتُكبت داخل مدرسة أو أخرى ذهب ضحيتها أبرياء من التلامذة والمعلمين وبعد التحقيق يتبين أن السبب هو تلميذ لم تتجاوب عشيقته معه فيئس وأراد الانتقام منها وممن حوله. هذا من جهة ومن جهة أخرى خلُصت بعض الدراسات في الغرب إلى أنّ مستوى التحصيل العلمي عند التلامذة في المدارس التي تفصل الجنسين هو أفضل منه في المدارس المختلطة".

* في الجامعة: تحدٍ واختبار
وبالانتقال إلى الأجواء الجامعية لرؤية ملامح ووجوه الاختلاط الذي يُمكن أن يتعرض له الطالب هناك ومدى تأثيرها على الفرد الذي يفرض عليه التزامه الديني امتلاك مجموعة من الضوابط الذاتية التي تؤمّن له الحصانة الفردية حيث تنعدم الرقابة على سلوكيات الطلاب ضمن نطاق النظام الجامعي. يقول الطالب مهدي نور الدين انطلاقاً من تجربته على مدى أربع سنوات في كلية الحقوق والعلوم الإنسانية أنَّ الاختلاط هو سمة عامة داخل الجامعة حيث "يغلب التعاطي المفتوح بين الطلاب ونشوء الروابط المختلفة وتفاعلها بألوان متعددة (زمالة، صداقة، حزبية)" إلا أن الاختلاط السلبي بالنسبة للطالب الملتزم دينياً "قد ينحصر في دائرة الطلاب الذين لا يملكون قدراً معيناً من المسؤولية والوعي باعتبار أنّ الطالب الواعي والمسؤول لا يتجاوز حدود الدين والعرف بل يُمثِّل له الجو الجامعي ميداناً للتحدي من جهة وللاختبار من جهة أخرى. وإذا كان الجو الجديد، يمتلك قدرة كبيرة على تضييع الفرد الذي تهتز مناعته الذاتية فإن رصيد الملتزم والشي‏ء المفيد له في جامعته للتعاطى مع الاختلاط بأضرار قليلة هو ما تغذى به من معتقدات إيمانية وتربية دينية تضعه في دائرة المسؤولية أمام اللَّه عزّ وجلّ ويبقى عليه في ما بعد المتابعة للتحصيل العلمي والديني، فالعلم فريضة الآن أكثر من أي وقت مضى".

* تحت مظلة المنزل‏
ما هي وجوه ومظاهر الاختلاط التي يُمكن الحديث عنها داخل أجواء المنزل فيما يخص العلاقات الاجتماعية التي تُبنى تحت مظلته؟ يُسجّل السيد حسين يوسف (مسؤول قسم الشباب في التعبئة التربوية) في البداية إشارة إلى العلاقات التي تخرج عن الإطار الشرعي وهي "العلاقات التي يتم فيها كسر جميع الحواجز التي تحفظ للمرأة والرجل الابتعاد عن المحرم والتي تؤدي إلى كسر الاحتياطات في موضوع الاختلاط". ويعتبر أنّ المنزل بشكل عام هو المكان الأفضل لضبط موضوع الاختلاط فهو "أفضل مكان للعلاقات الايجابية لأنّ مظلته هي الأكثر ضبطاً والأكثر ابتعاداً عن الفساد". وفي المقابل يوضِّح السيد حسين نظرته إلى مسألة الاختلاط في المنزل بقوله: "طبيعة الحياة وطبيعة الظروف الاجتماعية اليوم تفرض نمطاً من العلاقات يكون فيها موضوع الاختلاط قائماً فالفتاة تخرج اليوم لتتعلم في المدرسة والجامعة والمرأة تخرج للعمل ففكرة أن كل اختلاط هو سلبي ليست منطقية هنا ولا تجدي ثماراً في معالجة مفاسد الاختلاط لكن الأصل هنا هو ضبط عملية الاختلاط".

وهذا يعني برأيه التأكيد على الأدبيات واللياقات التي يجب أن يتحلى بها كل من الرجل والمرأة لضبط المفاسد التي قد تنتج عن الاختلاط "فلا نستطيع أن نعطي موقفاً مطلقاً أن كل زيارة يلتقي فيها أفراد العائلة مع عائلة أخرى هي شي‏ء سلبي بالكامل وفي نفس الوقت نقول أنَّ الأجواء الحميمية بين طرفي الصداقة لا يجب أن تؤدي إلى كسر حواجز اللياقة". وفي هذا الموضوع تقول السيدة خديجة سلوم مديرة معهد سيدة نساء العالمين أن الوقوع في محاذير الاختلاط ضمن أجواء المنزل قد يكون نتيجة الراحة النفسية التي يعطيها المنزل فقد تراقب المرأة نفسها أكثر خارج المنزل أما داخله "فقد تسهى عن مراقبة نفسها وتقع في المحاذير دون التفات" ومن المحاذير "الاستغراق خلال الزيارات في أحاديث ليس لها طائل أو فائدة ومنها إظهار لطافة الشخصية الموجودة في المرأة وهذه أمور يجب أن لا تظهر إلاّ للمحارم وهي خلاف عفاف المرأة".

ولذلك فهي ترى أنّه "من الأسلم أن تجلس النساء لوحدهن حيث تكون أحاديثهن واهتماماتهن مختلفة عن الرجال وفي خصوص الزيارات الرسمية نستطيع أن نفرض فيها الأجواء الشرعية بما يُرضي اللَّه عزّ وجلّ". وهنا يعود تقدير الموقف وتشخيصه إلى المرأة نفسها "فالإسلام أعطانا قاعدة عامة هي أن الاختلاط في غير المواقع الضرورية من المفترض أن نتجنب عنه، فكل جلسة ليس فيها فائدة أو مصلحة من المفروض أن نتجنبها سواء كانت داخل أو خارج المنزل في المدرسة أو العمل".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع