إبراهيم منصور
* من أمثال العرب
بَلَغَ السيْلُ الزُّبَى؛ الزُّبَى جمعٌ مفردُه زُبْيَة وهي الرابية التي لا
يعلوها الماءُ. وفي أمثال العرب: "بَلَغَ السيْلُ الزُّبَى"؛ أي وصل السيْلُ
إلى الروابي العالية التي لا يبلُغها السيْلُ عادةً. وهذا المثَلُ يُضْرَبُ للأمر
يتفاقَمُ ويُجاوزُ الحَدَّ حتّى لا يُتَلافَى. كتب عثمان بن عفّان إلى الإمام عليّ
عليه السلام لمّا حُوصِرَ في داره: "أمَّا بعدُ فقد بَلَغَ السيْلُ الزُّبَى
وجاوَزَ الحِزامُ الطُّبْيَيْن، فإذا أتاك كتابي هذا فأقْبِلْ إليَّ، علَيَّ كُنتَ
أم لي". وجاوزَ الحِزامُ الطُّبْيَيْن كناية عن الأذى أو السرّ قد وصَلَ إلى أقصى
غايته.
و"الزُّبْيَةُ" كذلك حُفرةٌ تُحفَرُ للأسد والصَّيْد، ويُغَطَّى رأسُها بما
يَسترُها لكي يقعَ الصيْدُ فيها أو الأسد(1).
* من بلاغة النبوّة
جاء في الروايات: أثنى قومٌ على رجلٍ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال
صلى الله عليه وآله وسلم: "كيف عَقْلُ الرجُل؟" قالوا: يا رسول الله، نخبرُك عن
اجتهاده في العبادة وأصنافِ الخير وتسألُنا عن عقله؟ فقال: "إنّ الأحمقَ يُصيبُ
بحُمقِه أعظمَ من فجور الفاجر، وإنّما يرتفعُ العباد غداً في الدرجات وينالُون
الزُّلْفَى من ربِّهم على قَدْرِ عقولهم"(2).
* من لغة العرب
"أنا أمين، ولا أمين"؛ المَيْن؛ أي الكذب، من فعل مانَ يمينُ مَيْناً، أي
كَذَبَ، فهو مائن أي كاذب؛ ومنه قولُ بعضهم: "أنا أَمِين ولا أمين"، أي أنا
صادقٌ مؤتمنٌ ولا أكذِب. والمَيُونُ والميَّانُ من أوزان المبالغة؛ أي الكذّاب.
وتقول العرب: وُدُّ فلان متماينٌ، إذا كان غير صادق الخُلَّةَ؛ والمائنةُ: الكاذبة،
ومنه قولُ الإمام عليّ عليه السلام في ذَمِّ الدنيا: "فهي الجامحةُ الحَرونُ
والمائنةُ الخَؤون"(3).
* من جذور الكلام
الرَّشْوَةُ؛ يُقال: رَشْوَةٌ ورُشوَةٌ ورِشوَةٌ، بتثليث حركة الراء،
والجمعُ رُشىً ورِشىً، من فعل رشا يرشو. والرَّشْوَةُ هي المصانعةُ والمُحاباة
مقرونةً بدفع المال أو الهدايا لِتيْسيرِ الأمورِ وقضاء الحاجات. والرَّشْوةُ
مأخوذةٌ من رَشَا الفَرْخُ إذا مدَّ رأسه إلى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ. وقيل: إنّ أصل
الرَّشْوة من الرَّشا وهو حَبْلُ الدَّلْوِ الذي يَتَوَصَّلُ به المُسْتَقي إلى
الماء، فمِن غير الرَّشا لا يَتَوَصَّلُ الناسُ إلى الماء. وقيل: لا بأسَ أن
يُصانعَ الرجُلُ عن نفسه ومالِهِ إذا خاف الظلْمَ، أمَّا الرَّشوةُ المذمومةُ فهي
أن تعطيَ مالاً أو هديَّةً لمن يُعينُكَ على الباطل، ومنه حديث رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "لَعَنَ الله الراشيَ والمُرْتَشيَ والرائش"، والرائشُ هو
الذي يسعى بين الراشي والمرتشي فيَسْتَزيدُ لهذا ويَسْتَنقِصُ لهذا(4).
* من الثنائيّات
الصَّفَران؛ هُما شَهْران من أشهُر السنة العربيَّة، سُمِّيَ أحدُهما، في الإسلام،
بمحرَّم، وبقي الآخر على اسمه صَفَر(5).
* فائدة لغويَّة ودينيَّة
السُّلالةُ - السَّليل؛ السُّلالَةُ: ما انسلَّ من الشيء، والنُّطفةُ
سُلالةُ الإنسان؛ قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن
سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ (المؤمنون: 12)، ثمَّ قال:
﴿من مَّاء مَّهِينٍ﴾ (السجدة: 8)، وقوله تعالى:
﴿مِن طِينٍ﴾ أرادَ أنّ تلك السُّلالة تَوَلَّدَتْ من طين خُلِقَ
منه آدم عليه السلام في الأصل. والسُّلالَةُ والسَّليلُ: الوَلَد، والسَّليلُ:
المُهْرُ عندما يُولَدُ، والسليلُ: دِماغُ الفَرَس، والسليلُ: السَّنامُ، والسليلُ:
طرائقُ اللَّحْمِ الطِّوالُ تكونُ ممتدَّةً مع الصُّلْب، وبعدُ فالسليلُ هو مجرى
الماء في الوادي، وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"اللهمَّ اسْقِنا من سليلِ الجنَّة"، وهو صافي شرابِها، ورُوِيَ: "من
سَلْسَبيلِ الجنَّة"، وهو عينٌ فيها. يقولُ الإمام الباقر عليه السلام عن
السَّلْسَبيل: اللَّيِّنة فيما بين الحنجرة والحَلْق(6).
* من أجمل التَّوْرِيَة
التورية في علم البيان هي نوع من أنواع البديع، والتَّوْرية من فِعل وَرَّى الشيء؛
أي أخفاهُ وسترَهُ، وهي إطلاقُ لفظٍ ذي معنَيَيْن: قريب وبعيد، فيُرادُ البعيدُ
منهما ويُوَرَّى القريبُ، نحو:
كيفَ يشكو من الظَّمَا | مَنْ له هذِهِ العُيون؟! |
فالمعنى القريب الظاهر
للفظةِ العيون هو الينابيع، والمعنى الباطن هو الأَعْيُن، وقد استعملها الشاعر هنا
عِوَضاً عن العينين. ومن أجمل التورية ما قاله الإمام عليّ عليه السلام في حديثه
للأشعث بن قيْس: "إنّ أبا هذا كان ينسِجُ الشِّمالَ بيمينه"، فالمعنى القريب
الظاهر للشِّمال هو اليد اليُسرى، وأمَّا المعنى البعيد الباطن فهو جمْعُ شَمْلَة،
وهي الكِساء أو الثوب أو المئزر من الصوف أو الشَّعْر يُتَّشَحُ به، وهذا هو مُرادُ
الإمام عليه السلام من قوله: ينسِجُ الشِّمالَ بيمينِهِ(7).
* مفردة غنيّة بالمعاني
الرَّدْهَة؛ من معانيها: "النَّقْرَةُ في الجبل" أو في صخرةٍ يستنقعُ فيها
الماء - والرَّدهة أيضاً "حفيرة" - شِبه أكمة خشنة كثيرة الحجارة - المورد - الصخرة
في الماء - الأتان (أُنثى الحمار) - البئر - البيت العظيم الذي لا يكون أعظم
منه(8).
* مسألة نحويّة
النَّصْبُ بأنْ مُضْمَرَة؛ تزوَّج معاوية بن أبي سفيان مَيْسون بنت بَحْدَل
الكِلابيَّة، وأسكنها معه في قصره المُنيف، ولكنَّها -وهي البدويَّة بنت الصحراء-
كرِهَتْ حياة زوجها المرفَّهة في القصر واشتاقتْ إلى حياة أهلها في البادية فقالت:
لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عيني، | أَحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفُوفِ |
لَبَيْتٌ تَخْفِقُ الأرواحُ فيه | أَحَبُّ إليَّ من قَصْرٍ مُنيفِ |
فقد نَصَبَت الشاعرةُ مَيْسونُ الفعلَ "تَقَرَّ" بأنْ مُضْمَرَة؛ أي أنْ تَقَرَّ، فاتّخذ النحويُّون هذا البيت شاهداً على جواز هذا النصب؛ لأنّ قائلته بدويّة فصيحة، يجوز أن تُؤْخَذَ عنها اللغة(9).
1- لسان العرب، ابن منظور، مادة زبى.
2- سرّ خلق الإنسان، تحقيق حميدة فتوحي أردكاني، نشر دار الولاء، ص51.
3- لسان العرب، ابن منظور، مادة مين.
4- (م.ن)، مادة رشا.
5- المنجد في اللغة، لويس معلوف، مادة صفر.
6- لسان العرب، ابن منظور، مادة سلل.
7- كتاب البيان، جورج شكّور، ص79.
8- لسان العرب، ابن منظور، مادة رده.
9- المصدر نفسه، مادة مسن.