مي حمادي(*)
يملك المسلمون تراثاً دينيّاً مهمّاً وغزيراً في موضوع المشاعر والأحاسيس الإنسانيّة، بيد أنّ بعضهم يشتكي من جفاف الطباع، وتصحّر الأحاسيس؛ فبعض الآباء يشتكون من قسوة الأبناء، وبعض الأبناء يندهشون من غلظة الآباء، وبعض الأزواج يرمي بعضهم بعضاً بالجفاء والخشونة والشدّة والعنف. ويشعر كثير من الأزواج في هذا الزمن بانحسار كبير لقيم الحبّ والمودّة، وضآلة المشاعر والأحاسيس الإنسانيّة بين الشريكَين، ما يصيب الحياة الزوجيّة بآفات الشيخوخة المبكّرة.
•"عوِّدوا قلوبكم الرقّة"
يكشف التراث الدينيّ عن كمّ غزير من النصوص الدينيّة التي تهتمّ وتعالج مسألة المشاعر والأحاسيس الإنسانيّة، وخصوصاً في مجال الحياة الزوجيّة، التي تشعل الحياة وهجاً ودفئاً. والمشاعر الطيّبة نتاج قلوب سليمة خالية من الضغائن والأحقاد، فالقلوب خزّان المشاعر، وهي التي تدفع بها إلى الخارج. والقلوب المريضة تنتج مشاعر سقيمة تطفح بالضغائن والأحقاد. عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عوِّدوا قلوبكم الرقّة، وأكثروا من التفكّر والبكاء من خشية الله"(1)، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "اللسان ترجمان الجنان"(2)، و"عوّد لسانك لين الكلام وبذلك السلام، يكثر محبّوك، ويقلّ مبغضوك"(3).
وعدم البوح بالمشاعر الصادقة والبخل بها عن الشريك الزوجيّ والأهل يُعدّان من خشونة الطباع، وهما عامل نفور وكراهية بين الأزواج، بل والناس أجمعين.
•الحيويّة في الحياة الزوجيّة
من حقّ كلّ من الزوجين إظهار التقدير والاحترام والمودّة للآخر، وهي مشاعر دفينة في أصقاع النفس، ولا يمكن الاستغناء عنها؛ لأنّها تؤدّي دوراً حيويّاً وأساسيّاً في صناعة السعادة الزوجيّة. وكم صنعت الكلمات الطيّبة حياة زوجيّة طيّبة! وكم عكّرت الكلمات القاسية صفو علاقة زوجيّة سعيدة مستقرّة!
لذا، تحتاج الحياة الزوجيّة إلى حيويّة وتجدّد ودفء وجاذبيّة تشدّ الزوجين إلى بعضهما بعضاً باستمرار. والكلمة الطيّبة والتعبير الإيجابيّ عن المشاعر الفيّاضة المختزنة في القلوب هي التي تشغل الحياة الزوجيّة دفئاً وحميميّة؛ لأنّها تبقى في الوجدان تتحدّى وتقاوم أعتى المشكلات الزوجيّة، وتحافظ عليها متينة وساحرة ومتجدّدة. عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "قول الرجل للمرأة: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً"(4).
•الكلمة الطيّبة صدقة
البوح بالمشاعر الإيجابيّة يذيب جليد الفتور الذي يصيب العلاقة الزوجيّة، ويكنس آثار الخلافات بين الزوجين، ويهيّئ لاستعادة الحميميّة، وينعش القلب ويطيّبه. فالمرأة التي تتلقّى المديح والإطراء الحميد من زوجها تشعر بقيمتها عنده، وستشعر بمسؤوليّاتها الأسريّة بكلّ ما أوتيت من قوّة. وما يسمعه الزوج من زوجته من كلمات طيّبة تقدّر فيه مروءته وشهامته كزوج، يدفعه إلى بذل المزيد من الجهاد لإسعادها وعياله، ولو على حساب راحته. فالمشاعر الطيّبة تزوّد الحياة الزوجيّة بطاقة ووقود، يتسامى من خلالها الزوجان على كلّ عوامل التعب والمشكلات، ويشعران بالراحة والسعادة والتقدير.
في المقابل، قد نجد بعض الأزواج ممّن لم يُسمع زوجته كلمة إطراء ولا حمد، ولو من باب المجاملة، كأن يقول لها: أنتِ وفيّة، أنيقة، مميّزة. وكم من امرأة أبدت تذمّرها جرّاء تجاهل الزوج لها ولخدماتها المنزليّة، ولاهتمامها الخاصّ به، والعناية بأفراد الأسرة، وكأنّ لسان حالها يقول: "هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان"!
ومن جهة ثانية، قد نرى بعض الزوجات لا يشكرنَ أزواجهنّ على ما يفيضون عليهنّ من شتّى أصناف الإغداق المعنويّ والماليّ، وحالهنّ التنكّر الدائم لتلك الخدمات، ونكران الجميل.
•ما المطلوب من الزوجين؟
إنّ ما يؤسف له أن يفقد الإنسان إحساسه بشريك حياته وبتضحياته، ويغمض بصره ويصمّ سمعه عن نعمة كبرى أعطاه الله إيّاها؛ فالزوجة الصالحة التي تتفانى في خدمة زوجها وشرح صدره بأخلاقها العالية ومظهرها الأنيق، تستحقّ كلمات رقيقة عذبة يبدي فيها الزوج اهتمامه بمزاياها الباطنة والظاهرة، ولو ببعض كلمات جميلة تشبع الجانب العاطفيّ النفسيّ لديها، وتعطيها دافعاً وحافزاً أكبر للمثابرة والتفاني في خدمته. وما يُطلب من الزوج فعله من إبداء المشاعر الطيّبة يُطلب من الزوجة كذلك. فالمشاعر الإيجابيّة هي مكافأة للطرف الآخر، وتعبير لما يقدّمه الشريكان لبعضهما بعضاً. والحياة الزوجيّة تستحقّ تبادل المكافأة في الحفاظ على هدوء البيت، وأن تنشط الزوجة في تقديم ما لذّ وطاب، وتشرح قلب زوجها في كلّ حين. عن الإمام عليّ عليه السلام: "شكرك للراضي عنك يزيده رضىً ووفاء، شكرك للساخط عليك يوجب لك منه صلاحاً وتعطّفاً"(5).
عندما يعيش الأبناء في بيئة أسريّة لا وجود للمشاعر الدافئة، ولا أثر للإحساس بالأخير فيها، فإنّ الكثير من تلك الأخلاقيّات السلبيّة تتسرّب إليهم، فتضعف في نفوسهم قيم الرحمة والمواساة والحبّ والمودّة، ويتشرّبون فيروسات القسوة والأنانيّة وجمود المشاعر.
وعلينا أن نتذكّر أنّنا بحاجة عندما نكبر، وقبل أيّ شيء آخر، إلى عواطفهم ومشاعرهم ومحبّتهم أثناء عنايتهم بنا.
(*) كاتبة وباحثة.
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج80، ص351.
2.ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج4، ص2776.
3.عيون الحكم والمواعظ، الليثيّ الواسطيّ، ص340.
4.الكافي، الكلينيّ، ج5، ص569.
5.ميزان الحكمة، (م.س)، ج2، ص1492.