نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

رسالةالقرآن في الهداية

آية الله جوادي الأملي‏


يعتبر القرآن الكريم الإنسان سالكاً إلى المقصد الأبدي: ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه.

والسلوك بدون الطريق والرفيق والزاد والقائد والمرشد لا يمكن أن يتحقق. وتعدد الأمور المذكورة في الطريق الحقيقي والإلهي حيث الطريق من باطن السالك، وسيره في العقيدة والأخلاق والعمل وهذه الأمور من شؤونه الوجودية وسوف تتبدل من الحال إلى الملكة في المستقبل القريب، ومن العرَض إلى الجوهر ومن العرضي إلى الذاتي ومن الخارج إلى الباطن وتصبح مقوم وجوده، وفي النهاية حيث الحشر الأكبر تصبح صورة الظاهرة مطابقة لسيرة الباطن، ويحشر كل إنسان على حسب سريرته الجوهرية.

ففي هذا الطريق الحقيقي لا يمكن الفصل بين الأمور المذكورة فالطريق والسالك والرفيق والزاد والمنازل والمقصد كلها واحدة يعلمها الله تعالى لعباده عبر أنبيائه المعصومين. ولا أحد يمكن أن يكون هادياً إلا الله سبحانه لأن الآخرين لن يكونوا مهتدين بالذات بدون هدايته. والموجود الذي لا يكون مهتدياً بالذات ومحتاجاً إلى الهداية لا يمكنه هداية الآخرين. لكن الله تعالى بما أنه مهتدٍ بالذات، وجميع أفعاله تكون على أساس الصراط المستقيم بدون تعليم الغير. ﴿إن ربي على صراط مستقيم.

* فإن حق الهداية ينحصر بذاته المقدسة
﴿أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلى أن يهدى، والمقصود من الأحقية في هذه الآية ما جاء على نحو التعيين لا الترجيح، كما في قوله تعالى: ﴿وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض.
لأن الآخرين لا حق لهم بالهداية. لأن كل ما بالعرض يجب أن يرجع إلى ما بالذات. وفي هذه الحالة تكون الهداية هداية بالذات تقوم بواسطة الهداة بالعَرَض، ولا تكون هداية أخرى: ﴿إن هدى الله هو الهدى.

ولأن القرآن هو برنامج الهداية الإلهية، فهو مهتد بالذات هادٍ ذاتي، مصون من أي جهل أو خطأ أو سهو أو نسيان. وسوف يبقى محفوظاً من ضرر الاختلاف:
﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولهذا نزل لهداية جميع الناس: ﴿هدى للناس، وأن لا يستفيد منه إلا فئة قليلة: ﴿هدى للمتقين. ولأنه يتمتع بجميع أسباب الاعتلاء، فإن كيفية هدايته هي أفضل هداية، بحيث لا يكون أي شي‏ء أهدى منه: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. وحيث أن للإنسان سيراً صعودياً، فإنه يطوي كل مراتب عالم الإمكان من أدناها إلى أعلاها، من: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا. إلى: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.

وهنا يلزم أن يكون برنامج هداية البشر كتاباً يبدأ من جانب النزول إلى الطبيعة ويستمد من نشأة الألفاظ والكلام السيال والمفاهيم الاعتبارية، ومن جانب الصعود يرتبط بما وراء الطبيعة ويرتفع عن حدود اللفظ والعناوين الاعتبارية، كما جاء في حديث الثقلين وغيره: إن القرآن حبل الله الخاص، طرفه بيدكم والطرف الآخر بيد الله سبحانه. كما أن النشأة الطبيعية للإنسان ترتبط بنشأته الغيبية، ونيل مقام التجرد العقلي بدون عبور حدود الحس غير متيسر. وكذلك فإن الوصول إلى باطن القرآن بدون حفظ الظاهر والعمل به لن يكون مقدوراً. وكما أن أسرار الإنسان الروحية بأي شكل كانت تظهر في منطقته الجسمانية. فإن معارف القرآن العميقة تظهر في مطاوي كلماته. لهذا فإن عامة الناس يستفيدون من الآيات القرآنية حسب وضع وعائهم العلمي، والخواص يأخذون من إشاراته، والأولياء من لطائفه والأنبياء يرتوون من حقائقه. إن هداية القرآن الذي هو كلام الله آية هداية متكلمه. أي أن الهداية العينية لله سبحانه تظهر في كل لحظة بشكل خاص، وتؤمن الحاجة التكوينية لكل محتاج مستعد ومستحق يطلب بلسان الاستعداد ولسان الحال شيئاً، والهداية العلمية للقرآن تتجلى في كل لحظة بصورة خاصة. وتجيب على كل سؤال علمي.

وإذا أردنا أن نبحث عن آية: ﴿يسئله من في السماوات ومن في الأرض كل يوم هو في شأن. في عالم العلم، فإن الكتاب الأوحد الذي يكنه أن يبين رأؤيه بشأن جميع المدارس العقائدية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، ويرسم الخطوط العامة لصوابها وصحته، ويرجع الخطوط التفصيلية فيها إلى اجتهاد المستنبطين المتعمقين فهو القرآن الكريم، وإلا لم يكن كتاباً خالداً. وكما أن ألسنة الاستعداد في الأمور التكوينية ليست متساوية، وتكون النتيجة أن أجوبة طلباتها التي تفاض عليها ليست متساوية. فلسان حال سالكي طريق الحق في بيان معارف القرآن لا يتساوى، والأجوبة التي يستنبطونها منها لا تتساوى أيضاً، لأن همم سالكي طريق تهذيب النفس ليست متساوية، والفيوضات التي تنزل عليهم لا تتساوى. فمثلاً، أشير إلى كيفية الهدايات الباطنية في القرآن بقوله: ﴿إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا.

لكن صفة الأوساط من أهل التقوى هي أنهم قد خلصوا من جنود الجهل العملي ونالوا جنود العقل العملي، وفي معترك العمل وصلوا إلى مقام الخلوص ولاصفا والفواء والرضا ونظائرها. ولكن همة اووحدين من المتقين هي أنهم إضافة إلى الظفر في ساحة العمل، ونيل المنازل العملية للسائرين إلى الله، فقد أفلحوا في ميدان العلم أيضاً، وخلصوا من فخ الوهم النظري كما خلصوا من الوهم العملي، ونجوا من هموم المغالطات الفكرية، ووصلوا إلى البراهين العقلية. وقد سافروا من تمثل الصور النفسانية ووصلوا إلى المثال الثابت، ومن هناك عرجوا إلى ما فوق المثال المفيد والمطلق. وكالحارثة بن مالك الذي يقول: "كأني أنظر إلى عرض ربي قد وضع للحساب" عبروا من منزل كأن الذي هو مقام الإحسان إلى منزل "إن" وهو السير والوصول.
وهناك يُعلم من الكريمة: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. أية معارف عميقة يمكن صيدها، ومن قوله: ﴿يجعل لكم فرقانا.

* ما هي الفروقات الكثيرة بين المفاهيم الحصولية لأصحاب التعقل والمشاهدات الحضروية لأصحاب البصيرة؟
كما أن الارتباط التكويني بين كل الوجود يمدهم في استنزال الفيض ولزوم الوحدة والانسجام في جميع الجوانب لأصحاب العلوم القرآنية يساعدهم في الفم الأفضل لمعاني الوحي الإلهي السامية. لهذا فالقرآن الكريم يدعو الجميع للاعتصام بهذا الحبل المتين. ولا يعني الاعتصام الجماعي بهذا الحبل المتين أن يستفيد كل واحد على حدة من القرآن، ويستحسن ما يراه مناسباً، بل المراد أن يفهم الجميع معاً، فيطرحوا أسئلتهم العميقة ضمن تضارب الآراء وتبادل الأفكار على القرآن ليحصلوا على الأجوبة الدقيقة لينقلوها إلى عقول الجميع، فتعطي لعقولهم سعة الآفاق، وتنسجم مع عمق أرواحهم وتوافق أوج عروج الشاهدين ولا تخالف متن شهود الشاهدين الشامخين. لأن جميع هؤلاء قد ساورا في ظل التمسك بالقرآن والعترة، والعمل بمقتضى موازين الشريعة، والاستمداد من قواعد الحوار، والاستظهار من أسلوب المحاضرة، واستنطاق الخطابات السماوية عن طريق المشافهة المألوفة والممضية والمرضية.

إن الدراسة الشاملة لهداية القرآن التي هي رسالته الأولى تتطلب رسالة مستقلة، ولكن نكتفي هنا بهذا المقدار والفصول المقبلة التي هي بمنزلة شجرة طوبى لهداية القرآن سوف تجبر بعض المطالب التي لم تذكر كرسالة القرآن في التربية التي لا تتطلب فصلاً مستقلاً فحسب، بل رسالة منفصلة، لكن مع رسم خطوطها العامة في هذا الفصل المختص بالهداية، وضمن الفصول الأخرى التي أعطيت عناوين مستقلة ومطالب منفصلة سوف تتضح بعض المسائل المتعلقة بالتربية الإسلامية. والتعرف على البنى التحتية للتربية بحيث يمكن استنباط جزئياتها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع