مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

في كلّ جرح... رِفعة

الشيخ حيدر نبهان


الجراح التي يصاب بها المجاهدون في سبيل الله عزّ وجلّ ليست مجرّد ألمٍ عابر أو بلاءٍ عرضيّ، بل امتحانٌ إلهيٌّ مقصود، يختصّ به الله أولياءه ليزكّيهم ويرفع درجاتهم. ففي صفوف بيئة المقاومة شهداء وأسرى، وجرحى وبيوتٌ مدمّرة من معركتَي «الإسناد» و«أولي البأس». ومع ذلك، يبقى أهل هذا الخطّ ثابتين لا ينكفئون، متمسّكين بمعركةٍ اختاروها بإرادةٍ واعية دفاعاً عن الكرامة وطلباً لمرضاة الله، تجسيداً لقوله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَشرِی نَفسَهُ ٱبتِغَاءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَءُوفُ بِٱلعِبَادِ﴾ (البَقَرَة: 207). وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء في جسده»(1).
 
• بركات الجراح
الجراح التي يُصاب بها المجاهدون في سبيل الله كرامةٌ إلهيّة؛ فما من قطرة دمٍ تسيل، ولا جرحٍ ينزف في معركة الحقّ، إلّا ولها عند الله عظيم الأجر وجزيل الثواب. وقد جعل الله من هذه الجراح بركاتٍ عظيمة تعود على صاحبها في الدنيا والآخرة، من أبرزها:
1. الجريح شهيد حيّ وحجّة على المتخاذلين: تجعل جراح المجاهدين في سبيل الله أصحابها من الشهداء الأحياء؛ فيصبحون حجّة على كلّ من يعادي الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ويُعرض عن نصرة الحقّ، قال تعالى: ﴿إِن یَمسَسكُم قَرح فَقَد مَسَّ ٱلقَومَ قَرح مِّثلُهُ وَتِلكَ ٱلأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَینَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا وَیَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ (آل عِمرَانَ: 140).

2. تمحيص المؤمنين ومحق الكافرين: من بركات جراح المجاهدين في سبيل الله ومآثرها في الدنيا أنّها تعدّ من امتحانات الله لعباده، يميّز بها الصادقين عن غيرهم، فيمحّص المؤمنين، ويكشف المجاهدين والصابرين من بينهم، ويمحق الكافرين، قال تعالى: ﴿وَلِیُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا وَیَمحَقَ ٱلكَـٰفِرِینَ* أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا یَعلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا مِنكُم وَیَعلَمَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ (آل عِمرَانَ: 141-142).

3. الوقاية من الوهن والضعف والاستكانة: كذلك تعدّ الجراح سبباً في حماية المؤمنين الصابرين من الوهن والضعف والاستكانة، قال تعالى: ﴿وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیّ قَـٰتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ كَثِیر فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا ٱستَكَانُوا وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ (آل عِمرَانَ: 146).

4. الثبات وعدم الخوف: بما أنّ المواجهة بين جبهتَي الحقّ والباطل مستمرّة عبر التاريخ؛ فإنّ الثبات على نصرة الحقّ، على الرغم من الجراح، يمكّن المجاهدين من مواصلة القتال والخروج من المعركة منتصرين. هذا الثبات يزيد من إيمان أهل الحقّ، ويجعلهم يخشون الله، ويُذهب خوفهم من الشيطان وأوليائه، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ ٱستَجَابُوا لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعدِ مَا أَصَابَهُمُ ٱلقَرحُ لِلَّذِینَ أَحسَنُوا مِنهُم وَٱتَّقَوا أَجرٌ عَظِیمٌ* ٱلَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَٱخشَوهُم فَزَادَهُم إِیمَـٰنا وَقَالُوا حَسبُنَا ٱللَّهُ وَنِعمَ ٱلوَكِیلُ* فَٱنقَلَبُوا بِنِعمَة مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضل لَّم یَمسَسهُم سُوء وَٱتَّبَعُوا رِضوَ انَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضلٍ عَظِیمٍ﴾ (آل عِمرَانَ: 172-174).

• خصائص الجرحى
للجرحى خصائص تميّزهم عن سائر الناس، وقد بيّنت النصوص الإسلاميّة من آيات وروايات جملة منها، مثل:
1. صلابة الإيمان: المجاهد في سبيل الله ينتصر للحقّ حتّى لو أصابه ضرر جرّاء ذلك، وذلك إيماناً منه بالله ووعده ووعيده في اليوم الآخر. وقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام ذلك بقوله: «إنّ من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحقّ وإن ضرّك، على الباطل وإن نفعك»(2). وهذه الصفة تجلّت بوضوح في كربلاء، حيث وصف الإمام الصادق عليه السلام العبّاس عليه السلام قائلاً: «كَانَ عَمُّنا العبَّاس نافذ البصيرة، صَلب الإيمان»(3).


2. من المبشّرين: إنّ الجريح بصبره على ما أصابه في سبيل الله، يعدّ من المبشّرين الذين ورد في شأنهم قوله تعالى: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَیء مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقص مِّنَ ٱلأَموَ الِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ اتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ* ٱلَّذِینَ إِذَا أَصَـٰبَتهُم مُّصِیبَة قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیهِ رَ اجِعُونَ﴾ (البَقَرَة : 155 - 156).


3. موضع رحمة الله وصلواته: من بركات الجريح الصابر على ما أصابه في سبيل الله، أن ينال صلوات من ربّه ورحمة، قال تعالى: ﴿أُولَئكَ عَلَیهِم صَلَوَ ات مِّن رَّبِّهِم وَرَحمَة﴾ (البَقَرَة: 157).


4. من المهتدين: من بركات الجريح أيضاً أنّه يعدّ من المهتدين، وفقاً لقوله تعالى: ﴿وَأُولَـٰىِٕكَ هُمُ ٱلمُهتَدُونَ﴾ (البَقَرَة: 157). ويؤكد ذلك ما ورد في قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذنِ ٱللَّهِ وَمَن یُؤمِن بِٱللَّهِ یَهدِ قَلبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیءٍ عَلِیم﴾ (التَّغَابُن: 11)، وقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا فِینَا لَنَهدِیَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِینَ﴾ (العَنكَبُوت: 69).


5. من أصحاب العزم: يعدّ الجريح من أصحاب العزم، وفقاً لقوله تعالى: ﴿لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَ الِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا ٱلكِتَـٰبَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ ٱلَّذِینَ أَشرَكُوا أَذى كَثِیراً وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَ لِكَ مِن عَزمِ ٱلأُمُورِ﴾ (آل عِمرَانَ: 186).


6. الاستمرار على الرغم من الجراح: الجرحى وعائلاتهم أهل وفاء وثبات واستقامة وبذل وعطاء وإيثار، لا تثنيهم الجراح عن مواصلة الكفاح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، قال تعالى: ﴿وَٱعبُد رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأتِیَكَ ٱلیَقِینُ﴾ (الحِجر: 99). وهم أنصار أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذين جسّدوا بجهادهم شعار: «ما تركتك يا حسين»، من خلال تحمّل مسؤوليّة استثمار جراحهم في الصبر والثبات. فعلى الرغم من مرارة الألم، تحمل الجراح في باطنها فرصاً وقابليّات استثنائيّة، كما يشهد بذلك واقعنا، وأبرز نماذجه سماحة السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله الذي يتصدّى لأداء التكليف في زمن غيبة وليّنا المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف على الرغم من تعرّضه للإصابة في يده اليمنى.
وإنّ أبسط ما يشترك فيه كلّ جريح أنّه إنسان كريم له حقوق علينا، نؤدّيها بالوفاء لمبادئه، والثبات على النهج الذي بذل في سبيله دمه وراحته.


7. البذل والعطاء: إنّ الزكاة الحقيقيّة، القائمة على مبدأ العطاء، تتطلّب البذل والإنفاق، وما كان لله ينمو ويزكو. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «بَقِيَّةُ السَّيْفِ أَبْقَى عَدَداً، وَأَكْثَرُ وَلَداً»(4)، مشيراً إلى أنّ ما يميّز المجاهد في سبيل الله أنّه يعطي ويبذل ممّا أنعم الله عليه، راجياً رحمة ربّه، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا وَٱلَّذِینَ هَاجَرُوا وَجَـٰهَدُوا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أُولَئكَ یَرجُونَ رَحمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِیم﴾ (البَقَرَة: 218).

• مبعث للحياة
الجراح ليست علامة ضعف أو استسلام، وإنّما مصدر إلهام وأمل. وقد قال سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله في تأبينه سيّد شهداء الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه): «نحنُ جميعاً مصابونَ ومَكلومونَ بِشهادة السيّدِ العزيز، إنّهُ لفِقدانٌ كبير.. غيرَ أنَّ عزاءَنا لا يَعني الاكتئابَ واليأسَ والاضطراب، بل هو من سِنخ عزائِنا على سيّدِ الشهداءِ الحسين بن عليّ عليهما السلام؛ يبعثُ الحياة، ويُلهمُ الدّروس، ويوقدُ العزائم، ويضخّ الآمال»(5).

1. الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 255.
2. الخصال، الشيخ الصدوق، ص 53.
3. موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ، الشيخ الريشهري،
ج 1، ص 134.
4. نهج البلاغة، ج 4، ص 19.
5. خطبته دام ظله في صلاة الجمعة بتاريخ 4/ 10/ 2024م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع