نحن نعتقد بالولاية وبلزوم تعيين النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لخليفة. وقد صرّح صلى الله عليه وآله وسلم بخلافة الإمام عليّ عليه السلام في موارد متعدّدة منها: حديث يوم الدار، وحديث المنزلة، وآية الولاية (عندما تصدّق بخاتمه لفقير ونزلت الآية الكريمة)، وحديث غدير خمّ، وحديث الثقلين.
فهل الغرض الأساسيّ من تعيين الخليفة هو فقط بيان الأحكام؟
• تنفيذ الأحكام
إنّ بيان الأحكام لا يستلزم وجود خليفة، فقد بيّنها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه أو دوّنها في كتاب وأعطاه للناس ليعملوا به. وبما أنّ تعيين الخليفة ضرورة عقليّة، فهو مرتبط بإقامة الحكومة فقط، إذ نحتاج إلى خليفة لينفّذ القوانين، فالقانون وحده لا يحقّق الهدف من دون جهة تنفيذ. ولو لم يعيّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خليفة، لما أكمل رسالته (كما في الآية 67 من سورة المائدة).
لم يقتصر الأمر في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على مجرّد بيان القوانين وإبلاغ الناس بها، بل كان هو نفسه المنفّذ والمطبّق لها. فقد طبّق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم القوانين الجزائيّة، مثل قطع يد السارق، وإقامة الحدود، والرجم. والخليفة مكلّف أيضاً بهذه المهمّات، فهو ليس مشرّعاً بل المسؤول عن تنفيذ أحكام الله التي جاء بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
• الحكومة الإسلاميّة والولاية
انتبهوا جيّداً، فكما أنّ بعض الناس يسيئون ترجمة الإسلام وبيانه للحطّ من قيمته، فعليكم أن تبرزوا الإسلام كما هو، وتوضحوا مفهوم الولاية. قولوا إنّنا نؤمن بالولاية، وإنّ الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد عيّن خليفة وألجأه الله إلى هذا التعيين ليكون وليّ أمر المسلمين، وبناءً عليه، يجب أن نؤمن بضرورة تأسيس الحكومة الإسلاميّة ونسعى بكلّ جهد لإقامة السلطة التي تنفّذ الأحكام وتدير الأمور. إنّ النضال من أجل تأسيس الحكومة الإسلاميّة جزء لا يتجزّأ من الاعتقاد بالولاية. اكتبوا عن قوانين الإسلام، وآثارها الاجتماعيّة، وفوائدها، وانشروا ذلك.
عرِّفوا النّاس على الإسلام لكي لا تتصوّر الأجيال القادمة أنّ رجال الدين قد جلسوا في زوايا النجف وقم ليدرّسوا بعض الأحكام، وأن لا دخل لهم بالسياسة، وأنّه يجب فصل الدين عن السياسة وعدم تدخّل علماء الإسلام في الأمور الاجتماعيّة والسياسيّة. فهل كانت السياسة منفصلة عن الدين في زمان الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟ لقد أوجد المستعمرون وعملاؤهم هذه المقولات من أجل إبعاد الدين عن التدخّل في شؤون الدنيا، وتنظيم المجتمع الإسلاميّ.
• حاكميّة الله
إنّ حكومة الإسلام قائمة على قانون إلهيّ شامل، تنحصر فيها الحاكميّة بالله وحده، ويطبّق ذلك القانون على جميع أفراد الدولة الإسلاميّة بلا استثناء، بدءاً من الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وصولاً إلى الخلفاء والسائرين على دربهم؛ إذ إنّ تولّي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الخلافة كان بأمر من الله تعالى، فهو «خليفة الله في الأرض» وليس بناءً على إرادته الخاصّة. وقد أوجب الله تعالى عليه نقل أمر الخلافة كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (المائدة: 67). وقد امتثل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأمر الله بتعيين أمير المؤمنين عليه السلام خليفةً تنفيذاً لحكمه تعالى.
وفي هذه الحكومة، تُمنح الصلاحيّات للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولأولي الأمر من الله، ويعدّ اتّباعهم اتّباعاً لحكم الله كما في قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59). فلا دور لرأي الأفراد ولا حتّى للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تغيير القانون، فالجميع ملتزمون بإرادة الله وحكمه في نظام الحكم الإسلاميّ.
• تحمّل المصاعب
عندما بُعث النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة، لم يؤمن به في البداية سوى طفل في الثامنة من عمره، هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وامرأة في الأربعين هي السيّدة خديجة بنت خويلدO. وعلى الرغم من الأذى الشديد والمحاربة والتخريب، لم ييأس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بل صمد بعزيمةٍ روحيّةٍ لا تُهزم، حتّى أوصل الرسالة إلى ما هي عليه الآن.
وكذلك بدأ مذهب الشيعة من الصفر. فعندما دعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قومه في بداية الدعوة إلى نصرته، لم يُجبه سوى الإمام عليّ عليه السلام، وهو لم يبلغ سنّ البلوغ بعد، لكنّه كان يحمل روحاً أكبر من الدنيا كلّها.
وحين أعلن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولاية الإمام عليّ عليه السلام، قوبل بالبخبخة (بخٍ بخٍ) الظاهريّة، لكنّ العصيان بدأ منذ ذلك اليوم. لو نصّبه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كمرجعٍ دينيّ فقط، لما خالفه أحد، لكنّه جعله الحاكم المطلق على شؤون الأمّة، وهذا ما أثار الاعتراضات والمخالفات.
اليوم، لو انسحب الشيعة من الحياة السياسيّة، لسلموا من الأذى. لكنّهم اخترقوا هذا الصمت، وتدخّلوا في شؤون الحكم والسياسة، فتحمّلوا كلّ الأذى والمصائب ولم يتخلّفوا عن جهادهم.
* مقتبس من كتاب: الحكومة الإسلاميّة، ص 37-40.