قال الله تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون﴾.
وإنما يسلك طريق المحاسبة بعد الهزيمة على عقد التوبة. وإذا نظر المؤمن إلى ما يقدمه لغده وآخرته حاسب نفسه على ما تعمله وصحح أعماله لتناسب ذلك المحضر. فإن كل إنسان إذا أدرك الموضع الذي هو آتيه تحضر له وأعد حتى لا يقع في الخسران. فأول أسباب المحاسبة الاطلاع على الآخرة ومعرفة مآل الأعمال. كالتاجر الذي يحسب ربحه وخسارته لينقذ رأسماله ويؤمّن تجارته.
وقد قال الإمام الكاظم عليه السلام: "ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم محاسبة الشريك شريكه والسيد عبده". وسلوك طريق المحاسبة عند العارفين يقع بعد إحكام حقائق التوبة، والعزيمة تحقيق القصد والاستمرار عليه، والعقد هو العهد الموثق. قال الله تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود﴾.
والعزيمة لها ثلاثة أركان:
أولها: أن تقيس بين نعمة الله وجنايتك. وهذا يشق على من ليس له ثلاثة أشياء:
1- نور الحكمة. 2- وسوء الظن بالنفس. 3- وتمييز النعمة من الفتنة.
فحق النعمة أن تشكر الله، وقد كفرته، لأنك نسبت الطاعات التي هي مظاهر النعم لنفسك، وكفرته بعصيانك، أما نور الحكمة فيحصل من خلال معرفة حدود الله وأحكامه ليميز بين الحسنات والسيئات. وأما سوء الظن بالنفس فهو الاعتقاد بأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، ومن وكله الله إلى نفسه هلك، ذلك لأنها تسرع إلى الشهوات إلا بعاصم من الله. وأما تمييز النعمة من الفتنة، فهو معرفة النعم التي يراد بها الإحسان والنعم التي يراد بها الاستدراج. فإن الأولى هي التي تجمعك على الله بأن تشاهدها منه، ولا تميل بك إلى الغير، والثانية هي التي تفرقك عن الله بالنظر إلى الغير. والركن الثاني: تمييز ما للحق عليك مما لك أو منك. فتعلم أن الجناية عليك حجة والطاعة عليك منّة. فإن العبد لا يستحق بالعمل أجراً، إذ أن القيام بحق العبودية واجب ولا تفي طاعتك بشكر نعمة لأنها نعمة أخرى. والركن الثالث: أن تعرف أن كل طاعة رضيتها من نفسك فهي عليك، لأنك إذا رضيت بها فقد توهمت أنك وفيت حق الله بها ورضيت من نفسك بأنها أدت ما عليها من حق الله. وأن تعرف أن كل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك، لأنك إذا عيرته بها فقد نزهت نفسك منها وبرأتها، وظننت أنك خير منه. فهذا أفحش من المعصية وأعظم.
* الخطوات العملية للمحاسبة
1- العقد والميثاق بينك وبين الله، ولا يصح العقد بدون معرفة الحدود. لأن العقد على شرط باطل باطل.
2- التدرج والمداراة: لأن تحميل النفس من الشروط ما هو أقوى منها يوقع في العجز وعدم القيام. فابدأ من الواجبات والمحرمات وتشدد فيها، ولا تتركنّ هذا المقام إلى غيره قبل التأكد من قوتك فيه وسهولته عليك.
3- الالتفات إلى جميع الحدود بشكل متوازن: فترك الحقوق المالية بحجة الاهتمام بالعبادات لا يؤدي إلى أة نتيجة صحيحة. وترك الجهاد بحجة الأعمال لا يبقي للعمل أية قيمة.