غسل الأيدي قبل الطعام وبعده
السيّد سامي خضرا
* قبل الطعام و بعده
يستحب مؤكداً قبل تناول الطعام الوضوء أو غسل اليدين، ولذلك آثار لا تخفى على النفس والروح، وعلى الرزق والراحة النفسية. فالحريص على النظافة لا شك يجد حولَه الأحباء والأصدقاء، وإن كان فقيراً أو مُعسراً، وأما غيرُ الحريص على الطهارة والنظافة، فالناس يشمئزون منه ومن قذارته، وينفرون منه. لذا ركزت الروايات الشريفة على أن الوضوء أو الغسل قبل الطعام يزيد في العمر والمال والرزق، وينفي الفقر إن شاء الله تعالى.
رُوي عن الصادق عليه السلام أنه قال: "الوضوء قبل الطعام وبعده، يزيدان في الرزق"(1). وقال عليه السلام: "مَنْ سرَّه أن يَكْثُرَ خيرُ بَيتِهِ، فليتوضَّ عند حضور طعامه"(2). وعنه عليه السلام قوله: "مَنْ غسل يدَه قبل الطعام وبعده، عاش في سَعةٍ، وعُوفِيَ من بلوى في جسده"(3). وقال شارحُ الوسائل تعليقاً على هذا النص المبارك: قد ثبت في زماننا أنَّ أكثر الأمراضِ من جراثيمَ صغارٍ، يكثر وجودُها في الأقذار والأوساخ والعفونات، وغسلُ اليد من أعظم أسباب حفظِ الصحة، ومثله زيادة العمر(4). ويجدر بنا الوقوفُ عند النص المروي عن الإمام الباقر عليه السلام والذي يلفتُ النظر في صياغته ودلالته وظروفِ نقله مع التعليق عليه. فعن صفوان الجمال، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال: "يا أبا حمزة، الوضوء قبل الطعام وبعده، يُذيبان الفَقْر"، فقال أبو حمزة: بأبي أنت وأمي يُذهبان؟ فقال عليه السلام مؤكداً: "يُذيبان"(5). فلعلَّ أبا جعفر عليه السلام اختار وأكد على لفظ "يُذيبان" وليس "يُذْهِبان" لأن اللفظَ المختار أقوى دلالةً وأظهر على رفع الفقر من أساسه، وليس ذهابه مع عودته... ونحن نرى فقيراً نظيفاً يستأنسُ الناسُ به، ويستأنسُ هو بالناس، ولا تظهر عليه ذلةُ الفقرِ، بينما الغني إن لم يكن نظيفاً، فلا يستأنسُ به أحدٌ، وإن أظهروا ذلك رياءً.
* أول من يغسل يديه
يستحب لصاحب المنزل أن يغسل يديه قبل الجميع... هذا قبل الطعام، أما بعده فالمستحب أن يكون آخر من يغسل يديه.\ رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله: "صاحب الرَّحل يتوضأ أولَ القومِ، قبل الطعام، وآخرَ القومِ بعد الطعامِ"(6).
* إناء واحد
يستحب غسل الأيدي أو التوضؤ في إناء واحد، وإن كان هذا الأمر سيبدو مستهجناً إلا أن الله تعالى أعلم بما ينفع الناس وأكرم على عباده وأرحم بما يضرهم وبما ينفعهم، حسبنا أن في ذلك مخالفة ً للمشركين كما نصت الرواية الشريفة... ومبدأ مخالفة المشركين عمدة في السلوك الإسلامي العام، وهذا أمر ينبغي الالتفات له. روى الوليدُ بن صُبيح قال: تعشينا عند أبي عبد الله عليه السلام ليلةً جماعة، فدعا بوَضوء فقال: "تعال حتى نخالف المشركين الليلةَ، نتوضأ جمعياً"(7).
* التمندل
هل يستحب استعمال المنشفة أي المنديل وهو ما يسمى "بالتمندل" بعد الوضوء أو الغسل؟ فقبل الطعام المستحب تركه كما يستحب مسح الوجه والرأس والحاجبين بفضل ذلك الماء، وأما بعد الطعام فلا بأس بالتمندل. فعن ابن أبي عمير، عن مرازم قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمسَّ المنديل، وإذا توضأ بعد الطعام مس المنديل(8). كذلك يستحب مسح الوجه والرأس والحاجبين بعد الوضوء أو غسلِ الأيدي من الطعام، وأن يدعو بالمأثور. ورد أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأحد أصحابه: "إذا غسلتَ يدَكَ بعد الطعام، فامسح وجهَك وعينيك قبل أن تمسح بالمنديل، وتقول: اللهم إني أسألك المحبة والزينة، وأعوذ بك من المقت والبُغضة". وقال لمن شكا إليه الرمد:
"إذا غسلت يدك بعد الطعام، فامسح حاجبيك، وقل الحمد لله المحسنِ المجمل المنعم المفضل". ثم علَّق المفضَّل على ذلك بقوله: ففعلتُ، فما رَمَدَتْ عيني بعد ذلك(9). وعلَّق شارح وسائل الشيعة على ذلك بقوله: "إنَّ تأثير مسحِ الحاجبين في دفع الرمد طريفٌ عجيب لمن لا يعلم أن الرمد من القذارات وجراثيم الأمراض النازلةِ في العين"(10). هذه جملة مباركة من مستحبات الغسل أو الوضوء قبل الطعام أو بعده ينبغي علينا الإلتزام بها.
(1) وسائل الشيعة: ج16، ص571، ح2.
(2) المصدر نفسه: ح3.
(3) المصدر نفسه: ص572، ح5.
(4) وسائل الشيعة: ج16، ص572، الهامش.
(5) وسائل الشيعة: ج16، ص570.
(6) وسائل الشيعة: ج16، ص575، ح7.
(7) وسائل الشيعة: ج16، ص577، ح4.
(8) وسائل الشيعة: ج16، ص577، ح1.
(9) وسائل الشيعة: ج16، ص 579، ح2.
(10) المصدر نفسه.