السيّد سامي خضرا
من روعة الإسلام أن شرائعه تضمنت تفاصيل حياتية قد لا تخطر على بالنا ومن جملة هذه الأمور ما يستحب حمله في السفر، إضافةً إلى مسائل أخرى نحمد الله على تشريعها.
أولاً: من المستحب حمل المسافر ما يحتاجه في سفره من الآلات والأدوية والسلاح.. وإن كان الأخير في هذه الأيام يقتصر على حالات معينة لأسباب معلومة. فمن الطريف أن جدّاتـنا كنَّ يحملن الخيوط والإبَرَ في السفر لأنهن قد يحتجن إليها في الحالات الطارئة.. وهذا ما نصت عليه الأحاديث الشريفة. وأما الأدوية فيوصي بها المسؤولون في شركات السفر في هذه الأيام لمسافريهم وهي تُحمل في السيارات الصغيرة والكبيرة والطائرات.. حتى أن بعض شركات السيارات المشهورة جعلت أمكنة مخصصة لحمل الأدوية. وأما الآلات فنرى اليوم "الكشّافة" وهواة السفر الطويل ومتسلقي الجبال يحملونها فضلاً عن الجيوش المحترفة. ولا بأس أيضاً بحمل أدوات التجمل والنظافة كالمشط والمرآة وفرشاة الأسنان والعطر.. وهذا هو المعروف عند رجال الأعمال وأكثر المسافرين..لكن المؤمنين يتميزون بحملهم لهذه الأمور بنية القربة إلى الله تبارك وتعالى. ورد في وصية لقمان لابنه: "يا بني سافرْ بسيفك وخُفِّك وعِمامتِكَ وحبالكَ وسِقائِكَ وخيوطك ومِخرزِكَ، وتزوَّدْ معك من الأدويةِ ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لأصحابِك موافقاً إلاّ في معصية الله عزّ وجلّ "(1). وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا سافر حمل معه: المرآة، والمكحلة، والسواكَ، والمقراض(2).
ثانياً: يستحب في السفر حمل أطيب الزاد كاللّوز والسكاكر واللحم... والإستثناء فقط في زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام حيث ينبغي الإقتصار على أنواع خاصة من الطعام. رُوي عن النبيّ الأعظم رسول الله صلى الله عليه وآله "من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر"(3). وعن الصادق عليه السلام أنه قال: "إن من المروة في السفر كثرة الزاد، وطيبه، وبذله لمن كان معك"(4). ومعلوم كيف أن مولانا عليّاً بن الحسين عليه السلام كان إذا سافر إلى مكة لحج أو عمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز وغيره(5). وأما الإستـثناء، فهو الوارد عن الصادق عليه السلام في قوم زاروا الحسين عليه السلام وحملوا معهم الطيِّب من الطعام فعلق قائلاً "لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا"(6).
ثالثاً: يستحب معونة المؤمن العازم على السفر وخدمة الرفيق، وكان علي بن الحسين عليهما السلام لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يخدمهم فيما يحتاجون إليه.. وهناك تفاصيل كثيرة لوقائعه في السفر سلام الله تعالى عليه(7).
رابعاً: ومن جملة أخلاق السفر كثرة الزاد وبذله للرفاق وكتمان أسرارهم بعد مفارقتهم، وقلة الخلاف معهم، وحسنُ الخلق، ويُكره الاختلاف معهم في مكان النزول للاستراحة.. ويُستحبُ استشارَتُهم في أمرك، وأمورهم، وإكثارُ التبسمِ في وجوههم، وإجابةُ دعوتهم، وإعانتُهم، وكثرةُ الصلاة، وسخاءُ النفس بما تحمل، والعملُ معهم لما يعملون، والصلاةُ في أوّل وقتها، والأفضلُ أن تكون جماعة، وتوديعُ الأرضِ التي تنزلُ بها، وتُسلّمُ على أهلها، فإن لكل بقعةٍ أهلاً من الملائكة، وقراءةُ كتابِ الله عزّ وجلّ، والدعاء(8).
خامساً: يستحب إعلام الإخوان بنية السفر ليتسنى لهم توديعه أو أداء حقوقه أو التسامح منه أو توصيته بما ينفعه. ومن الآداب، أن يستقبلوه إذا رجع، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: "حق على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه، وحقٌّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه"(9).
سادساً: يجب التنبيه والتأكيد على حرمة الغناء وهذا ما ينبغي الإلتفات إليه دوماً وفي السفر؛ فالمعلوم بداهةً أن الغناء حرام ولا يجوز، ولكننا نرى في مجتمعنا كثيراً من السائقين يستمعون لأغانٍ مختلفة تميت القلب وترهق النفس وتـنشر الرذائل. ويكفي لهؤلاء السائقين الغافلين تذكيرهم بقول أمامنا الصادق عليه السلام: "أما يستحي أحدُكم أن يُغنِّيَ على دابته وهي تُسبِّح"(10).
سابعاً: تستحب سرعة العودة إلى الأهل والبلد.
ثامناً: يستحب استصحاب المسافر هدية لأهله إذا رجع.
تاسعاً: تستحب العودة من طريق غير طريق الذهاب أي غير الطريق الذي سلكه عند ذهابه وذلك يمكن تحليله بأمور عديدة، وهذا ما كان يفعله مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله(11). أيضاً هناك تفاصيل أخرى نكتـفي بما ذكرنا ونحمد الله ختاماً كما حمدناه ابتداءً.
1- وسائل الشيعة؛ ج: 8؛ ص: 311؛ ح:1.
2- م.ن؛ ص: 312؛ ح: 3، و ح: 4.
3- م.ن؛ ج: 8؛ ص: 306؛ ح: 1.
4- م.ن؛ ص: 310؛ ح: 3.
5- م.ن؛ ح: 2.
6- م.ن؛ ص: 309؛ ح: 1.
7- م.ن؛ ج: 8؛ ص: 315؛ ح: 2.
8- م.ن؛ ص: 323؛ ح: 1، و ح: 2.
9- م.ن؛ ج: 8؛ ص: 329؛ ح: 1.
10- م.ن؛ ج: 8؛ ص: 306؛ ح: 1.
11- م.ن؛ ص: 336؛ ح: 1.