السيّد سامي خضرا
قال الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِه﴾﴿15﴾ (الملك). كل واحد منا يسافر سعياً لمعاش أو رزق أو تجارة أو زيارة أو طلب علم أو أمن ينشده، وسخر الله تبارك وتعالى الأرض لنمشي في مناكبها مبتغين لفضله، متفكرين في روعة تدبيره. وشرع الإسلام قوانين تتعلق بالسفر منها المسنون أو المكروه وغيرهما، لأن الشريعة على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام لم تترك أمراً إلا وخصته بالعناية وأحاطته بالأحكام رأفةً بالعباد وتلطفاً بالمصالح وتزكية للنفوس.
ومن آداب الإسلام في السفر:
1- عدم جواز السفر المؤدي إلى المعصية أو الظلم أو الإعتداء على الأفراد والمجتمعات.وأفتى فقهاؤنا الأعلام بعدم جواز السفر إلى البلد الذي يخشى فيه على الدين والإلتزام أو يضطر إلى الوقوع في الحرج المؤدي إلى الحرام كأكل الميتة وشرب المسكر وترك الصلاة.
2- أما السفر الجائز فيكون لطلب العلم أو الرزق أو التجارة أو الحج والزيارة أو صلة الرحم أو أخ في الله وللترويح عن النفس بزيارة الحدائق والأنهار والبحار...كل ذلك مع الحرص على عدم الوقوع في الشبهات. روي عن علي أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يخرج الرجل في سفر يخاف منه على دينه وصلاته"(1) وفي وصية النبي لإمامنا علي عليهما وآلهما صلوات العلي أنه قال: "يا علي، لا ينبغي للرجل العاقل، أن يكون ظاعناً(2) إلا في ثلاث: مَرَمَّةٍ لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم...إلى أن قال: يا علي سر سنتين بر والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا ً عُد مريضاً، سر ميلين شيع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا ً في الله، سر خمسة أميال أجب الملهوف، سر ستة أميال أنصر المظلوم، وعليك بالإستغفار"(3). وكما يلاحظ في الرواية أن السفر المستحب يكون إما لأمر معاشي أو لتمتين العلاقة بين أفراد المجتمع الإسلامي.
3- يستحب السفر بقصد العبادة المستحبة كزيارة الضرائح والمقامات وقبور الأخيار. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "سافروا تصحوا وجاهدوا تغنموا وحجوا تستغنوا"(4).
4- ينبغي إخلاص النية والتقرب إلى الله حتى في السفر المباح أو الجائز. عن مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة ،ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنة، ورجل خرج حاجاً فمات فله الجنة، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة، ورجل خرج في جنازة فمات فله الجنة"(5). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله "موت الغريب شهادة "(6). وعن الصادق عليه السلام قال:"ما من مؤمن يموت في أرض غربة يغيب عنه فيها بواكيه، إلا بكته بقاع الأرض التي كان يعبد الله عز وجل عليها وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به"(7).
5- يستحب السفر يوم السبت وليس الجمعة، هذا إذا كان السفر باختياره، لأن المسلم ينبغي له تفريغ الجمعة للعبادة والسؤال عن أمر الدين والتفقه. وفي رواية عنه عليه السلام: "أف للرجل المسلم لا يفرغ نفسه في الأسبوع يوم الجمعة لأمر دينه، فيسأل عنه"(8). وعنه عليه السلام قال: "لا تخرج يوم الجمعة في حاجة فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك"، وعنه عليه السلام: "السبت لنا والأحد لبني أمية"(9).
6- يوم الأحد يكره السفر فيه وهو يوم بني أمية كما ذكر الصادق عليه السلام، حيث ينبغي أن لا نجاريهم في تقاليدهم وعاداتهم.
7- يستحب الإبكار في السفر أو أن يكون في وقت السحر ويكره السفر في أول الليل ولذلك فوائد شتى. روي عن الصادق عليه السلام في شأن استحباب السفر عند السحر أو باكراً قال: "الأرض تطوى في آخر الليل"(10). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه أوصى أمير المؤمنين عليه السلام عندما بعثه على اليمن فقال له: "ما حار من استخار، ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدلجة(11)، فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، يا علي أغد على اسم الله تعالى، فإن الله تعالى بارك لأمتي في بكورها"(12). ولما سأل حمران بن أعين الإمام الباقر عليه السلام عن معنى طي الأرض بالليل وكيف تطوى؟ قال عليه السلام: "هكذا" ثم عطف ثوبه(13). هذه بعض آداب السفر، جعلنا الله وإياكم ممن يحيون سنن الشريعة المقدسة على صاحبها وآله أفضل الصلوات والتسليمات.
1- وسائل الشيعة؛ جزء: 8؛ الباب: 1؛ ص:249؛ حديث: 5.
2- مسافراً.
3- المصدر السابق؛ الباب: 1؛ ص: 248؛ حديث: 3.
4- المصدر السابق؛ الباب: 2؛ ص: 250؛ حديث: 1.
5- المصدر السابق؛ الباب: 2؛ ص:251؛ حديث: 7.
6- المصدر السابق؛ الباب: 2؛ ص:251؛ حديث: 6.
7- المصدر السابق؛ الباب: 2؛ ص: 250؛ حديث: 3.
8- المصدر السابق؛ الباب: 3؛ ص: 252؛ حديث: 1.
9- المصدر السابق؛ الباب: 3؛ ص: 253؛ حديث: 4 و 5.
10- المصدر السابق؛ الباب: 10؛ ص: 264؛ حديث: 5؛ بتصرّف.
11- السفر في الساعة الأخيرة من الليل.
12- المصدر السابق؛ الباب:10؛ ص: 265؛ حديث: 8.
13- المصدر السابق؛ الباب: 10؛ ص: 264؛ حديث: 5.