إعداد: محمود دبوق
كتاب: الإمام جعفر الصادق عليه السلام
تأليف: المستشار عبد الحليم الجندي؛ تحقيق: كمال السيد.
نشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر؛ طبعة جديدة.
ليس من اليسير على المرء أن يقدّم لأي كتاب موضوعه احد أئمة أهل البيت عليهم السلام. و هم الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و هذا الإمام الصادق عليه السلام الذي اضطلع بدور ريادي في عالم العلم و المعرفة للدفاع عن حياض الإسلام و المحافظة على بنيانه و أسسه التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله و الأئمة المعصومون عليهم صلوات الله، ينطلق من حالة فريدة و هي أنّه و برغم ما أحاط به من صعوبات جمّة " فقد كان يطمئننا لأنه كان يعيش في عالم الحقائق لا الوقائع..." و هذا بتعبير محقّق هذا الكتاب" كمال السيد". يدور القسم الأول من الكتاب حول ظهور الإسلام وتألق علي عليه السلام و أولاده من فاطمة الزهراء عليها السلام في الصدارة من الأشخاص و الأحداث و البيئة التي عاش فيها الإمام الصادق عليه السلام... و يعرض القسم الثاني من الكتاب تصوّر المؤلف للعلم الذي علمه الإمام، و المدرسة التي أنتجته، و المنهج العلمي العالمي الذي أخذ به العلماء و الفقهاء و الرياضيون و الفلكيون و الكيميائيون و علماء الطبيعة الإسلاميون...
*ظهور الإسلام:
"الإمام الصادق عليه السلام نتاج قرن كامل من العظائم يحني لها الوجود البشري هاماته، و يدين بحضاراته، على رأسها نبي الإسلام و آله عليهم الصلاة و السلام، و فيها بطولات الإمام علي عليه السلام إلى جوار النبي صلى الله عليه وآله، و أثرهما في انتصار الإسلام، و مشاركته إبان خلافة الخلفاء الثلاثة الذين توالوا على الحكم، و آيات نبوغه و تفوقه في السياسة والإدارة و القضاء و الفقه و التشريع و البيان العربي و العلم بوجه عام...ثم قيام الفتنة في أخريات خلافة عثمان و مصرعه و بيعة المسلمين لعلي عليه السلام و تمرّد معاوية في الشام و اشتعال الحرب بين أمير المؤمنين و بين جيش معاوية، و حركة الخوارج و اغتيال علي عليه السلام و البيعة لابنه الحسن عليه السلام ثم اضطرار الحسن عليه السلام للصلح حقناً للدماء..." "أما أبناء الحسين عليه السلام فانصرفوا إلى حمل هموم المسلمين و إعلاء كلمة الدين و القيام في الأمّة مقام جدهم "علي بن أبي طالب عليه السلام"و النهوض بتبعات الإمامة بتوفيق الله سبحانه: من علي بن الحسين عليه السلام زين العابدين إلى ابنه الإمام الباقر عليه السلام إلى حفيده الإمام الصادق عليه السلام". هذا ما يقوله صاحب الكتاب في القسم الأول ، حيث يتعرّض لهذه التفاصيل بدءاً من أخوّة الأمير للنبي صلى الله عليهما وآلهما، إلى مكانة الإمام علي عليه السلام بين الخلفاء و رجوعهم إليه في الكثير من المسائل إلى موضوع شيعة الأمير و هم التابعون و المقتدون و المتميزون باتباعهم و اقتدائهم الكامل بالإمام علي و الأئمة من بنيه صلوات الله عليهم أجمعين.و عذابات الأمير عليه السلام مع معاوية و الخوارج، إلى صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية لما تخلى عنه معظم أنصاره، و يطل الكاتب على واقعة كربلاء و التي استفتح بها يزيد بن معاوية حكمه، و في ظل هذه الأجواء و التي تلتها من حياة الإمامين زين العابدين و الباقر عليهما السلام يطلع بدر الإمام الصادق عليه السلام حاملاً علمه و أخلاقه، و لما استمسك بإمامته و انصرف إلى نهجه التعليمي أمنَ جانبه طلاب السلطة و قد أقام في المدينة و هي العاصمة الأولى و الدائمة للإسلام.
*بين السلطان و إمام المسلمين:
"... أخذ بنو العباس أبناء علي أخذ ظلوم غشوم، و بطشوا و غدروا بمن حذروهم من أنصارهم و ذويهم، كعبد الله بن علي عم المنصور، و أبي مسلم الخراساني قائدهم، و أبي سلمة الخلال و زيرهم بمثل ما غدروا بأعدائهم بعد أن أمنوهم". يعالج الكاتب في الكتاب الذي تبلغ صفحاته حوالي ثلاثمئة و خمساً و سبعين، مجموعة عناوين من بينها أفعال بني العباس و ظلمهم لآل بيت محمد صلى الله عليه وآله، بعد أن استتبب لهم المقام و السلطان، و ذلك بعد أن يبيّن معنى أهل البيت و من هم المقصودون بذلك و خلاف المسلمين حول هذا الأمر و ذلك ضمن سياق علمي مؤيد بالأحاديث و الروايات ويؤكد أنهم أصحاب الكساء. و يتحدث عن معاناة الإمام الصادق عليه السلام مع المنصور كذلك الإمام الرضا عليه السلام مع المأمون. و كان الكاتب قد مهّد للحديث عن أداء كل من معاوية بن أبي سفيان و عبد الملك بن مروان فكانت مصائرهما متشاكلة ووسائلهما متشابهة. وخصامهما لأهل البيت عليهم السلام أساساً لدولتهما ونجاحهما في دنيا السلطة مقطوع القرين، و بالتالي مدى الأذى الكبير الذي ألحقاه و أعوانهما بآل الرسول صلى الله عليه وآله و ما أسسا له من ظلم و إجحاف بحق العترة الطاهرة. كما يعبّر عن ذلك صاحب الكتاب.
*المذهب الجعفري:
بعد أن يستعيد الكاتب-و بتفصيل أكثر- حياة الأئمة عليهم السلام في عهدي الأمويين و العباسيين ينتقل إلى إمامة الإمام الصادق عليه السلام للمسلمين بعد أن يتحدث عن مجالس علمه وتلامذته وعلومه الشاملة وعلاقته مع القرآن الكريم وكيفية انبثاق فقهه من هذا الكتاب الشريف، إلى بعض أجوبته لأهل الكوفة وأبي حنيفة حول القياس، إلى أن يقول:" انّ هذا الإمام هو أول و آخر واحد من صلب آبائه و أجداده منَّ الله عليه بهذه الفرصة: أواخر الدولة المروانية المشغولة عنه بتثبيت دعائمها المهتزّة و أوئل عهد الدولة العباسية التي تمدّ إليه بسبب من السلام أو الخصام، و آخرة من النسب، تخدمانه أو تخدمانها- وهي برفع شعار أهل البيت و الدفاع عن الدين- و بهذا اتيحت له حرية الجلوس لكل الناس، و التدريس لكل العلوم، و أن تسيل الأباطح بأعناق المطي إليه من بقاع العالم، في حقبة مزدهرة من التاريخ العالمي و الإسلامي".
*المدرسة الكبرى:
القسم الثاني من الكتاب يحمل بين طياته الحديث بشيء من التفصيل عن مشيخة العلماء ممن كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام إلى من صنّفهم الحافظ أبو العباس بن عقدة في كتاب جمع فيه رجال الصادق عليه السلام ورواة حديثه و أنهاهم إلى أربعة آلاف. ويضيف الكاتب: كان الرواة من تلامذة ومن غيرهم –كما يقول اليعقوبي- يروون عنه فيقولون: قال (العالم). وقد أكّد الكاتب على أهمية التدوين بعد أن أتى على ذكر الجامعة وهي كتابٌ من إملاء النبي صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام، ثم يتناول أموراً أساسية في فكر المدرسة مع تخصيص البيان في مسألتين هما "الحديث" وثانيهما "الإمامة" و يضيف الكاتب"... وأضفنا كلمات عن مسائل خلافية بين المذهب الجعفري وبين غيره من المذاهب التي تتقاسم أهل السنة...تخيّرناها من شتى مناحي التفكير الفقهي لتتم أبعاد الصورة للقارئ ويزداد جانبها الخلفي جلاء: أن الدين واحدٌ عند أهل السنة والشيعة". و يتناول عناوين أخرى كموضوع الجمع بين الصلاتين والأذان والمسح على الرجلين والميراث ومتعة الحج والبداء والرجعة وغيرها..
*المنهج العلمي:
تحت هذا العنوان يحاول الكاتب تصوير منهج الإمام الصادق عليه السلام "العلمي" و "الحضاري"، "السياسي والاقتصادي"، كما رسم خطوطه بالفعل وبالقول، وكما اقتفى آثاره وبنى عليه علماء الإسلام، الفقهاء منهم والرياضيون والتطبيقيون... وكان الإمام الصادق عليه السلام من الأوائل في تعليمها للمسلمين ممن انتسبوا إليه وممن أخذوا عنهم... يستوي في ذلك الشيعة وفقهاء السنة، يقول الكاتب: "على هؤلاء الفقهاء والعلماء تعلّمت أوروبا منهج النـزاهة العلمية والواقعية الذي تبلور في طريقة التجربة و الاستخلاص والذي أعلنه جابر بن حيان، أول من استحق في العالم لقب كيميائي كما يعبّر عنه الأوروبيون". ويطل الكاتب على الكثير مما تقدّم من بوابة علم أمير المؤمنين عليه السلام ويتداخل الحديث في علوم الأئمة عليهم السلام ليشع علم الإمام الصادق عليه السلام في أمثلة ونماذج يطرح الكاتب العديد منها لا يسع ذكرها في قراءتنا للكتاب.
*إلى الرفيق الأعلى:
وفي رحيل الإمام الصادق عليه السلام في خاتمة الكتاب يقول الكاتب: "كان الإمام في لقاءاته الأخيرة مع الخليفة (أبي جعفر المنصور) يقول له: "لا تعجل لقد بلغت الرابعة والستين وفيها مات أبي وجدي"... و مضت الأيام والناس بين البأساء والنعماء، والفزع والرجاء... والإمام في دروسه ومجالسه يرسي مبادئه للأجيال القادمة ويهدي بالقول والعمل، وبمجرد أنَّ به حياة، وجاء ذلك اليوم الذي قال فيه، وهو رضي البال: "الحمد لله الذي لم يخرجني من هذه الدنيا حتى بينّت للناس جميع ما تحتاج إليه"... وصعدت روح الإمام إلى الرفيق الأعلى في 8شوال 148هـ."