صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

كونوا طلاباً للآخرة

سماحة السيد حسن نصر الله

أيّها الإخوة،
إنّ الدنيا فانية، زائلة. الدنيا جيفة وطلاّبها كلاب، فلا تكونوا من طلاّب الدنيا، وكونوا طلاّباً للآخرة. من كان يسعى لمالٍ فليعتبِرْ بالأغنياء الذين ماتوا وتركوا الأموال خلفهم. ومن كان يعمل لجاهٍ وسلطان فليعتبر بحال الفراعنة والنماردة والقياصرة والأكاسرة والملوك والجبابرة الذين مارسوا السلطة والجاه ورحلوا بإثمهم، ومعاصيهم، وبظلمهم إلى الله سبحانه وتعالى. لا يبقى من هذه الدنيا شيء، سوى عملك الذي تنجزه بيدك.. سوى ظنونك، حبك وبغضك، وأحاسيسك ومشاعرك، وخطرات قلبك، وأفكارك. كلها تبقى مدوّنة في الكتب التي تسجلها ملائكتك ويحصيها من خلف الملائكة ربُّك، هذا الأمر يجب أن نضعه في بالنا.

*الدنيا محطّة وممرّ
غالباً، ننظر إلى الدنيا على أساس أنّها القيمة النهائية وننظر إلى أنفسنا على أساس أننا خالدون فيها. تتحوّل الدنيا عندنا إلى هدف وتتحوّل إلى المقر، والمستقر. وننسى أنها طريق، ومحطة، ومعبر.. وأن ما فيها يزول وأنّ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (الرحمن: 26). هذا ما يجب أن نتذكره وعندما ننساه ننسى ربنا وننسى أنفسنا وننقاد لشيطاننا فنسقط ونضيع.
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في بعض كلماته كان يقول: "إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، واجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ، أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ، أَيْنَ الأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ، فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ ومَضَامِينُ اللُّحُودِ، واللَّه لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وقَالَباً حِسِّيّاً، لأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّه فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالأَمَانِيِّ، وأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي، ومُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ ولَا صَدَرَ، هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ، ومَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، ومَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ1، والسَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِه مُنَاخُه2، والدُّنْيَا عِنْدَه كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُه اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّه لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، ولَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي"3. القصة عند علي بن أبي طالب "وإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الأَكْبَرِ"4. المهم كيف أُقبل على الله يوم القيامة؟ أبيض الوجه أحمل كتابي بيميني؟ هل أحصل على رضا الله وجواره والقرب منه؟

*قمّة اللّذة الروحية عند الشهادة
نحن، يجب أن نعيش لحظات حياتنا، على قاعدة أن الدنيا فانية، وعلى أساس طاعة الله المطلقة. حينها نشعر باللّذة في طاعته وإن كان في الطاعة ألمٌ ومعاناةٌ، ومأساة. إنّ للجرح في طاعة الله لذّة، ولذلك قيل أشدّ اللّذة الروحيّة هي لحظات الشهادة بين يدي الله سبحانه وتعالى. وهي أشدّ اللحظات التي يشعر فيها الإنسان بلذّة الحب لله تعالى... ولذلك يُذكر أن في يوم العاشر من المحرم، عندما كان الإمام الحسين عليه السلام يجود بنفسه وقد أُثخن جسده بالجراحات، في تلك اللحظة التي كان عليه السلام يعيش فيها كل آلام الجسد وكل معاناة الغدر وهو يسمع أصوات نسائه وأطفاله وأيتامه تستغيث، ولا مغيث، وتستنصر، ولا ناصر... الإمام الحسين عليه السلام في هذه اللحظات، في قمة المأساة كان يعيش قمة اللذة وقمة لحظات القرب مع الله. وفيما تركه لنا التاريخ من كلمات في هذه اللحظات للإمام الحسين عليه السلام وهو يناجي ربه ولسان حاله يقول:
 

 إلهي تركت الخلق طرّاً في هواك  وأيتمت العيال لكي أراك
فلو قطعتني بالحب إرباً  لما مال الفؤاد إلى سواك

هذه كانت مناجاة أبي عبد الله عليه السلام.

 

*القيمة في رضى الله
لذلك فإن المؤمن الذي يتألّم في سبيل الله، يتحوّل الألم عنده إلى لذّة. نحن بحاجة إلى هذه الروحية. عندما نعمل لا يجوز أن ننظر إلى النتائج، وإنما يجب أن نفهم حقيقة واحدة وهي أن علينا أن نعمل ونبقى نعمل حتى يرضى الله. أن ننتصر أو ننهزم هذا ليس مهماً، المهم أن نعمل حتى يرضى الله سبحانه وتعالى. هذه هي القيمة الغيبية للعمل الذي يجب أن نقوم به. الأساس هو أداء التكليف الإلهي الشرعي بروحية العبودية لله، والسعي نحو الآخرة وعلى أساس أن هذه الدنيا فانية وجيفة. فالشهيد الذي يسقط، وصل إلى الغاية التي هي الوصول إلى الله سبحانه وتعالى. لأن غاية العمل وغاية الخلق وغاية الجهاد وغاية الحياة، الوصول إلى الله والعيش في جوار الله والحصول على رضوانه. الشهداء وصلوا إلى الغاية. لقد حصلوا على الله ومن ربح الله فقد ربح كل شيء ومن خسر الله فقد خسر كل شيء.

*روحيّة أداء التكليف الإلهي
ونحن يجب أن نحمل هذه الروحية، روحية أداء التكليف الذي نعرف من يحدِّده لنا، ولسنا نحن الذين نحدده لأنفسنا. النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدّد لنا تكاليفنا الإلهية والإمام المعصوم عليه السلام بعده. أما في غيبته الكبرى فالولي الفقيه الشجاع الكفؤ العارف بالزمان البصير القائد المتصدّي الحاضر في الأمّة هو الذي يحدد لنا تكليفنا الإلهي.
ما دمنا نمشي في هذا التسلسل فإنّ قيمة الحياة أن تقوم بتكليفك الإلهي، لأن هذا يمثّل العبودية لله، ويضمن لك الآخرة والوصول إلى الغاية. "فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"5 هي ليست خاصة بالأئمة المعصومين وإنما يُقصد بها أئمة المسلمين أيضاً في زمن الغيبة الكبرى.


*القاعدة ليست الهزيمة أو الانتصار
لا يجوز أن يكون مصدر المعنويات عندنا الانتصار، أو مصدر الضعف هو الهزيمة، بل يجب أن نتجاوز كل هذه النتائج وكل هذه الوقائع التي تحيط بنا، نتجاوزها على مستوى الآثار المعنوية والروحية ونستمد روحيتنا وعزيمتنا وإصرارنا من الله سبحانه وتعالى ومن أن العمل له وفي سبيله، وفي عينه: "هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله". على هذه القاعدة يجب أن نُكمل ويجب أن نستمر. وإذا أكملنا بهذه الروحية نقاتل بروحية من يملأ الساحات كلها انتصاراً وقوةً وقدرة. نستمر ليس بروحية من يُهزم الآن، أو يُهزم غداً، هذا يجب أن نخرج منه ومن جو الحصار النفسي، لنتعامل مع الواقع المادي في حركتنا المادية بواقعية ولكن على المستوى النفسي والمعنوي نبقى نتعامل بنفس القوة بنفس العزيمة بنفس الروحية التي نحملها كعبادٍ لله ومؤمنين به وسالكين إليه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يملأ قلوبنا إيماناً به وأرواحنا شعوراً بقدرته وعظمته وحضوره وأن يجعلنا من عباده الصالحين ونسأله حُسن العاقبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- فمَن يبتعد عن حبائلك يوفّق.
2- من كان سالماً من حب الدنيا وكان الله عنده هو الوجود المطلق والدنيا عنده لا قيمة لها على الإطلاق...
3- نهج البلاغة، ج3، ص74، خطبة 45.
4- م.ن، ج3، ص71، خطبة 45.
5- الوافي، الفيض الكاشاني، ج2، ص130.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

أمام ألامة

احمد شحادة

2014-08-15 18:37:53

سمحاحة ألامام السيد حسن نصراللة.هذة الشخصية التي لا تنطق الا بالحق.والتي اضائة سماء الامة الاسلامية والعربية والعالمية شعلة صدق وايمان والتي اوجدت النصر في زمن الهزائم.لا يمكن الا ان تكون شخصية حفيدمن احفاد رسول اللة.ولا يمكن الا ان تكون شخصية من اهل بيت رسول اللة..واللة اني لا ارى فيك سيدي الا امام الآمة في عصرنا هذا..أدامك اللة وحفظك من كل مكروة.