آية الله مظاهري
كما سبق وذكرنا فالجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال، ولا يمكن تصور جزاء المجاهد، لأنه يتجاوز ﴿جنات عدن﴾ و﴿رضوان الله﴾ ليصل إلى ﴿عند الله﴾ ولكن الانخراط في سلك المجاهدين وسلوك هذه المقامات الرفيعة له شرائط عديدة. ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون﴾.
الله مشتري أنفس وأموال المجاهدين، وقد وعدهم أن يعطيهم الجنة مقابل ذلك، يدعوهم للقائه والاقتراب منه. وطبعاً لا يشتري الله تعالى كل مال وروح. بل يشتري مع تحقق شروط معينة، بينها تعالى في القرآن بقوله: ﴿التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين﴾.
* صفات المجاهدين
يوجد شروط لابد من توفرها حتى يُقبل جهاد المجاهد في سبيل الله، وحتى تشترى الأنفس والأموال وحتى يتحقق الوعد بـ"رضوان ولقاء الله"، وهي التوبة والندم من الذنوب السابقة، الاهتمام بالعبادات، حمد الله وشكره على نعمه التي لا حد لها ولا حصر، حصول حال السير إلى الله، الركوع والسجود مقدار الاستطاعة (الاهتمام بالصلاة)، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحراسة الحدود الإلهية.
إن الله لا يشتري كلّ مال وروح، بل هناك شروط ينبغي أن تتحقق في المجاهد لكي يحصل على هذا المقام.
* الشرط الأوّل: التوبة
ذكر القرآن التوبة كأول شرط لا بد من تحققه حتى يحصل جبران ما سلف، يعني التوبة والرجوع إلى الله، وهذا أول شرط يجب توفره في المجاهد، وهو شرط التوبة والإنابة وجبران ما سلف، إذا كان في ذمته صلاة قضاء، عليه أن يبدأ بقضائها ما دامت الفرصة سانحة ولو في الجبهة. إذا كان قد ارتكب ذنوباً فيما سلف، فعليه أن يبدأ باستغفار الله والتضرع إليه طالباً المغفرة حتى وهو في المتراس والجبهة. عندما يتضرع إلى ربه من صميم قلبه ويغسل نفسه بماء التوبة الزلال معاهداً على عدم العودة إلى الذنب، يسعى بذلك أن لا يشتري الله نفسه وماله بالقليل.
الشكر لله فقد أصبحت الجهة محلاً للعبادة وتزكية النفس والارتباط بالله.
* الشرط الثاني: العبادة
بيّنا أنه يجب أن يشتغل المجاهدون بالعبادة، يعني يجب أن يتحول المتراس إلى مكان لإقامة الصلاة وتلاوة القرآن. لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يترك الصلاة أول وقتها حتى في أشد ساعات الحرب وأكثرها حساسية، وكان عليه السلام غالباً ما يقيم صلاة الجماعة في ساحة المعركة.
يجب أن يكون المجاهد يقظاً من عدوين لأنهما قد يحملان عليه من محورين:
المحور الأول الأعداء الخارجيون الذين يعتدون على حدود المسلمين،
والثاني العدو الداخلي وهو النفس الإمارة،
يجب أن يواجه هذين العدوين بثبات وشجاعة، وأن يهزمهما بإرادته القوية..
في كلام لهم حول السيدة زينب سلام الله عليها يقول المؤرخون: لم تترك سلام الله عليها صلاة الليل خلال سفرها العجيب إلى كربلاء، ويقال أن أصوات عشق أصحاب أبي عبد الله عليه السلام كانت ترتفع إلى السماء في منتصف الليل من الخيم وكأنها همهمة ودوي كدوي النحل.
كانت جبهة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه معبداً، يجب عليكم أنتم أنصار سيد الشهداء عليهم السلام الذين سمعتم نداء "هل من ناصر" بعد قرون وقلتم لبيك بتقديم الأرواح، يجب عليكم أن تقتدوا بإمامكم، يجب أن يكون مكان جهادكم مثل صحراء كربلاء التي كانت محراب دم. يحب عليكم تسليم رؤوسكم طاعةً وقلوبكم عبادةً، والانتباه إلى عدويكم.
* الشرط الثالث: شكر النعم الإلهية
يجب عليكم أن تشكروا الله في الجبهة والمتراس لأنه جعلكم لائقين بالتواجد في هذا المكان المقدس، لا في منازل الخائنين، لأن أكثر الذين يتواجدون في منازلهم كانوا ثوريين في سن الشباب ولكن انحرفوا شيئاً فشيئاً حتى وصلوا إلى مرحلة الكفر.
أيها المجاهدون، اشكروا الله لأنه وفقكم للحضور والمشاركة في جبهة الصراع المقدس بين الحق والباطل، ولأنه صانكم من الانحراف.
أيها الأخوة، إذا سجدتم كل يوم ألف سجدة شكراً لنعم الله لم يكن هذا عبثاً فكروا: هل كان بإمكانكم الخلاص من هيمنة المستشارين الأميركيين لولا عناية الله؟!
إذا ذهب المجاهد إلى الجبهة بالقوة، فلن يكون الله مشترياً لنفسه وروحه.
نعم، يجب علينا أن نكون شاكرين لنعم الحق تعالى، إذ لم نثر رغبة بالمادة، بل لإحياء دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله.
وواضح وجلي أن إجراء الأحكام الإلهية يحتاج إلى سعي وتعب شديد ويحتاج إلى زمن طويل، خصوصاً في ظل الظروف المعاصرة حيث اتحد أعداء الإسلام للوقوف أمام انتشار "كلمة الله"...
لم يستطع الرسول صلى الله عليه وآله إقامة الأحكام الإلهية وتطبيقها إلا بعد 23 سنة من الجهاد المرير ولم يكن لديه لا أمريكا ولا الاتحاد السوفياتي، أحتاج لزمن طويل حتى استطاع تطبيق الأحكام الإلهية وتثبيتها حكماً بعد حكم. الثورة الإسلامية تواجه الآن أعداء خارجيين وأعداء داخليين كثر.
يجب أن يزكي المجاهد نفسه في الجبهة، وأن يحصل "صيغة الله" بحيث لا يتحكم فيه أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
عندما يذهب إلى الجبهة، يكون قد سلَّم ماله ونفسه إلى الله، يجب أن يبقى يقظاً ليتمكن من العروج إلى الملكوت الأعلى بهذه النيَّة، لأنَّه يسقط إذا اغتاب، كذب، سخر، أو أساء الظن ونشر الشائعات، و...
العبادة حال الجهاد لها قيمة عظيمة جداً ومؤثّرة في تحصيل التَّوبة ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾.
* الشرط الرابع: كثرة الركوع والسجود
الخندق مكان الركوع والسجود، كان "أويس القرني" يعيش حالات عجيبة غريبة، يقال أنه كان يخصص كل ليلة لعمل، كان يقضي ليلة راكعاً، الثانية ساجداً، والثالثة قائماً.
أيها المتواجدون في الجبهة إذا أردتم أن يكون الله شارياً لما لكم وأنفسكم وأن يقبل أعمالكم، اعبدوه حال الجهاد، أطيلوا الركوع والسجود، لأن الصلاة أقصر طريق توصل الإنسان إلى الله، صلوا الصلاة المستحبة في الجبهة، واقضوا صلاة القضاء.
* الشرط الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
حافظوا على هذه الفريضة الإلهية حية، حتى تنبر عناية إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف والألطاف الإلهية الجبهة. طبعاً يجب خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراعاة الأصول الأخلاقية الإسلامية، لا يمكنكم القيام بهذا العمل المهم والعبادة الكبيرة مع العصبية، الغضب وسوء الخلق.
عظوا بعضكم البعض بالتي هي أحسن، وقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملياً (من خلال قيامكم بالعمل الصالح) إذا ما سنحت لكم الفرصة عندما تتوقف المعارك، علموا بعضكم البعض الأحكام الشرعية. علِّموا وتعلّموا.
أيها الأعزاء تجنبوا كلام اللغو سواء كنتم في الجبهة أو في غيرها، اللغو يسبب القساوة والظلمة، وضغط القبر، بسبب تكدر القلب. عظوا بعضكم بدل الكلام الذي لا فائدة فيه، اذكروا الله في مجالسكم.
* الشرط السادس: حفظ الحدود الإلهية
اعملوا على أن تتلوثوا بالمعاصي، أفضل الأعمال الابتعاد عن المعصية، وفي ذلك أفضل الثواب، من الطرق الموصلة للقرب من الله والسلوك إليه تجنب المعاصي وأداء الواجبات.
أفضل أعمال المجاهد وجندي إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف الابتعاد عن المعصية ومراعاة حدود الله، لا فرق في ذلك بين كونه في الجبهة أو خارجها، نعم مع تجنب المعصية يصبح الله مشترياً لأنفسكم وأموالكم ويتقبل أعمالكم فتنالون السعادة الأبدية.