إعداد: محمود دبوق
الكاتب: الشهيد مرتضى مطهري.
الناشر: دار البلاغة.
عند الحديث في بعض العناوين الهامة في الإسلام، والتي يشتبه الكثيرون في إعطائها بعداً حقيقياً فيما ترمي إليه، يطلُّ صاحب القلم الفياض الشهيد الأستاذ مرتضى مطهري بفكره وآثاره، ليرتِّب هذه المفاهيم المتداخلة في قالب منطقي متسلسل ونسقٍ علمي واضح يحتوي في مفرداته أطراف أي إشكال مهما كان شائكاً ليصل معه القارئ إلى شاطئ الحل واستقرار العقل وطمأنينة الخاطر. يحتوي هذا الكتاب على مقدّمة وثمانية فصول وتتألف المقدّمة من قسمين: مقالة بعنوان نظرة إلى الاقتصاد الإسلامي، والأخرى: بحث حول الاقتصاد السليم.
* إشارة مهمّة:
في سياق الحديث عن الاقتصاد الإسلامي من المهم جداً أن نشير أنَّ الشهيد قد تعرّض لكل من معالم الرأسمالية والاشتراكية، وذكر آراءهما في معظم النقاط الواردة في الكتاب بغية مقارنتها مع الإسلام للوصول لما يتفق منها معه أو يختلف، وإذا لم تكن الحاجة اليوم ملحّة للمقارنة مع الأفكار الاشتراكية، تبقى المقارنة مع الادعاءات الرأسمالية مورد حاجة ضرورية في خضم الصراع الذي يكاد ينحصر بين الإسلام والغرب في حاضرنا.
* نظرة في الاقتصاد الإسلامي:
الحياة وحدة متكاملة وبعضها يؤثر ببعض فلا انفصال بين السياسة والاقتصاد والقضاء والأخلاق وغيرها، وأما ارتباط الإسلام بالاقتصاد فيقول الشهيد في المقدمتين المتتاليتين للكتاب أنه مباشر وغير مباشر لناحية ارتباطه مباشرة بالملكية والضرائب والحجر والمواريث والهبات والصدقات وعناوين أخرى، وارتباطه غير المباشر بالأخلاق عندما يوصي بالعفة والعدالة والإحسان والإيثار، كما أنَّ الإسلام لم يذمَّ المال كما ذمَّ الخمرَ فلعن شاربها ومشتريها وآكل ثمنها وساقيها، وفي المقدمة الثانية يتحدث الشهيد عن الاقتصاد السليم وهو القائم بذاته فيقول: "إن كل أمة تمدُّ يدها في اقتصادها إلى أمّة أخرى تصبح أسيرة ومستعبدة لها".
* مفاهيم اقتصادية:
يقول الشهيد مطهري في الفصل الأول أنَّ للإنسان حاجات كالطعام والملبس والمسكن والزوجة والأولاد وأخرى سياسية واجتماعية واقتصادية، فالإنسان تحكمه هذه العلاقات التي تنشأ بين الأفراد والجماعات وتدفعهم للاشتراك في السعي وتقسيم الأعمال والواجبات، ويشير رضوان اللَّه تعالى عليه إلى نوعين من العلاقات الاقتصادية، الأولى: العلاقات التكوينية الطبيعية مثل العرض والطلب وارتفاع وانخفاض الأسعار، والثانية: العلاقات الاعتبارية والتعاقدية المتعلّقة بالحقوق والملكيات الخاصة والعامّة. ويتحدث في الفصل الثاني عن موضوع الملكية التي يمتلك البشر تصوراً خاصاً حولها فيقول قدس سره: "إن الإنسان قد افترض علاقة من النسبة ما بينه وبين الثروة فأعطى لنفسه الحق في أن يتصرّف بتلك الثروة أنَّى شاء، واعتقد بقطع أي علاقةٍ بين "ثروته" التي خصّصها لنفسه وبين الآخرين".
درجات القيمة، والقيمة الفائضة:
يتمحور كل من الفصول الثالث والرابع والخامس بشكل أساسي حول موضوع القيمة ودرجتها، وحول القيمة الفائضة التي يعني بها "الاشتراكيون" أن ربَّ العمل يشتري قوة عمل العامل وليس العمل نفسه، فيما تعتبر النظرة الفقهية عندنا أن ربَّ العمل يشتري عمل ومنفعة العامل. وفي الرد على الرأسمالية يقول الشهيد مطهري: "إذا ثبت أن الرأسمالية تستلزم أن يستولي رب العمل على الربح الذي هو مئة بالمئة من حق العامل، فلا يمكن أن يكون ذلك مشروعاً..." وأما في موضوع القيمة فيقول: "إن القيمة ليست ذاتية في الأشياء من قبيل الصفات في ذات الأشياء، وليست اعتبارية وتعاقدية. فأساس القيمة هو كون الشيء مفيداً... إضافة إلى ندرة وجوده، والمقصود ندرة الوجود المُنطلقةُ من قابليةِ الشيءِ للحيازةِ ووضع اليد. وأما درجة القيمة، أي الثمن والقيمة الخاصة، فهذا مرتبطٌ بكمية الطلب أو درجة الندرة أو عدمها، أي كون الشيء في متناول اليد أو لا. أمّا العمل فيكون دائماً معروضاً وفي متناول اليد ومن جهة أخرى مفيداً ومطلوباً. هذه الإيضاحات والردود هي نتيجة استعراضات عديدة في هذا المضمار لكل من الاشتراكيين والرأسماليين وتأتي الردود عليها لإظهار رأي الإسلام بلسان وقلم شهيدنا العظيم مرتضى مطهّري.
* مقالات اقتصادية:
يتضمن الفصل السادس عدداً من المقالات الاقتصادية تتناول موضوع الأنفال بما فيها شرحٌ لملكية الأرض الموات، وحق تصرّف الإمام بهذه الأملاك، وذكر الشهيد موضوع الأنفال تحت ثمانية عناوين من المهم جداً الاطلاع عليها ومعرفتها. ثم تناول مسألة الإرث لأنها مطروحة في الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويُطرح فيها السؤال كونها عملية عادلة أم ظالمة؟ وفي المقالة الثالثة يتحدث عن بعض الأفكار الاشتراكية ويعالجها بشيء من التفصيل.
مفكرة الإسلام والاقتصاد:
بترتيبه الخاص يوضح الشهيد مطهّري نظرة الإسلام في هذا العنوان من الفصل السابع فيحدّد في نقاط عديدة أصولاً معروفة وموضوعة لعلم الاقتصاد مؤدّاها زيادة الثروة العامّة، ومراعاة العدالة والمساواة، وعدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، واحترام الحرية الشخصية في اختيار العمل، ثم يتطرّق للحديث عن مصادر الكسب المحرّمة في الإسلام وفيها عدة أقسام منها مثلاً: بيع السلاح لأعداء الدين وكل ما يؤدي إلى إضعاف البنية العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية الإسلامية، ويفردُ الشهيد في آخر هذا الفصل تحت عنوان القرآن والاقتصاد شواهد قرآنية مهمة جداً فيما تقدّم الحديث عنه.
* جملة من الأسئلة:
الفصل الثامن هو عبارة عن مجموعة من الأسئلة حول مسائل عديدة منها الفصل أو عدم الفصل في الأمور الحياتية؟ وهل يعني الدين فقط الذهاب للكنيسة أو المسجد، فإذا صدق ذلك فهو لا يصدق على الإسلام، وما علاقة الإسلام بالاقتصاد؟ وما هو رأيه في الثروة، وهل يقبل مبدأ الملكية أم لا؟ أيضاً هل يوافق الإسلام على وضع المقدرات الاقتصادية تحت إشراف مجموعة من المدراء ذوي الفهم وممن يريدون الخير للمجتمع؟ أم طبقاً لمبدأ (الناس مسلّطون على أموالهم)؟ وغيرها من الأسئلة يطرحها الشهيد بأسلوب مختصر ويجيب عليها بنفس الاختصار. الكتاب يقع في 227 صفحة ويحمل في طياته أسلوب التحليل المفصّل والتفكيك الدقيق في مسألة فهم الاقتصاد الإسلامي في مقارنة بالمبادئ الأخرى.