مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تحقيق‏: مخاطر الصيف تحوِّل أولادنا ثماراً فاسدة

لنا العزير

 



يقطف الصيف ثماراً تحلو بما قست عليها فصول مضت؛ يسلخها عن أمّها ومن يدري لأيّ مصير علّها تنتهي! ثمارنا أولادنا، ينتزعهم الفراغ من أحضان الأسرة والدراسة والتوجيه، ليُرسلهم في ميادين حيث تتلقّفهم غايات يوجهها أصحابها نحو كبد هذا المجتمع؛ وما عساها تكون؟ أترياقاً يُساندنا في علةٍ حجبنا جهلنا عن ملامستها، أم أنها سهامٌ صُوّبت لتقطِّع أوداج البراءة والصفاء مُخلّفةً سموماً وخبائث. ... بالأمس كان الطفل يخرج ليلعب في حقول القرية أو ملاعب المدينة، أما اليوم فتراه يسرعُ إلى مدىً رَحُبَ له حيث ضاقت به جدران المنزل وأسوار الحقل. تراه يتسمّر لساعاتٍ أمام شاشةٍ صغُرت أقطارها واتسعت أوداجها، ولا يقف البحث به هنا بل يسعى إلى شاشةٍ يعبر منها أبواب الكون فتتفتّحُ بألوان وعجائب ما عرفها قبلاً،  الانترنت. البعض يعتبر الشاشة بمختلف أقطارها حلاً أسلم إذ تقفُ حائلاً أمام تماس الابن مع الواقع السي‏ء حسبما يُعبّر بعض الأهالي الذين يرون في الواقع فساداً يتفشى كأمراض  الصيف، إذ تُشمر عن جلدها في مرافئ الترفيه والاستجمام...

* أمام التلفزيون:
برامج، ألعاب، ثقافة، دين، ترفيه، أو كازينوهات فضائية، وغيرها من المحطات التي تتلوّن بين أيدي أبنائنا. ليس الصيف بجانب الشاشة الصغيرة هدية الموسم، إنما الفراغ يدفع بأبنائنا إلى مل‏ء أوقات الدراسة السابقة؛ نجدهم يبحثون في بستان البرامج عن موردٍ يروي مللهم، فتتأنّق  القنوات بحللها ومفاهيمها وأساليبها التي قد تتفلّت من بعض الضوابط، بعضها يسعى إلى تجريد هذا المشاهد من المعارف وتكريس ثقافة "التنبلة" كما أسماها الشيخ علي  ضاهر مدير مديرية البرامج العامة في قناة المنار. فإن "الشاشة ملجأٌ لا مفرَّ منه للتنفيس عند الأبناء في فترة الصيف ولكن هذا لا يعني أن التلفزيون ينفرد بهذه المسؤولية بل  هي منظومة متكاملة تتناول أطرافها الجمعيات الأهلية والأندية والبلديات، ويُفترض أن تترأسها خطّةُ الدولة والتي تُسجل غياباً تاماً في هذا المجال". ... ومع إطلاقة صفارة العطلة الصيفية نجد المحطات التلفزيونية تتسابق لجذب هذا المشاهد الذي خلّف حقيبته المدرسية ليرتع في عالم التسلية، وهنا يبقى دور المحطة  المعتمدة. ويؤكد الشيخ ضاهر أن "كل محطة تلفزيونية تسعى إلى تقديم أفضل البرامج المخصصة لهذا الموسم الصيفي ولكن تختلف سياساتها انطلاقاً من الغاية. ونحن كتلفزيون المنار  نسعى أيضاً إلى جذب هذا المشاهد مع الحرص على الثقافة التربوية والالتزامية التي نوجهها له، كما نسعى إلى تحريكه للانخراط في البيئة الخارجية من خلال تحفيزه على  المشاركة في أنشطة ومسابقات نستضيفه بها في محطّتنا، بالاشتراك مع جمعيات أهلية أو برامج كشفية تهدف إلى تصويب خروج هذا المشاهد إلى المجتمع بتخيّره للميادين  المناسبة حيث يُثبت شخصيته ويمارس مهاراته دون الجمود الذي تُسبّبه حالات المشاهدة الطويلة لشاشات التلفزة".

وكما تختلف أنواع البرامج كذلك أساليب توجيهها، فمنها ما يكون مباشراً كبرامج الأطفال أو الناشئة، ومنها ما يتم توجيهه للأسرة بشكل عام بهدف العمل معاً على مراعاة  إرشاد هذه الشريحة العمرية "وهذا ما يبدو واضحاً في برامج الأسرة أو الأم في الفترة الصباحية، أو البرامج الدينية والاجتماعية في الفترة المسائية، وما برنامج "نافذة على  المجتمع" إلا صورة عن هذه البرامج التي تطرح آليات وليس نظريات فقط للتعاطي مع هذه الفئة العمرية". ويبقى السؤال إن كان تلفزيون المنار يسعى إلى كسب هذا المشاهد بأساليب تربوية راقية ويعمل على إخراجه من ديمومة الكسل الفكري إلى مجتمع تتشكّل طُروحاته، تُرى  هل يكتفي أبناؤنا بهذه التوجيهات، وأيُّ ميادين أخرى علّها تجذبهم؟!

* متاهات كونية:
... من شاشة إلى أخرى، لم أخطئ عزيزي القارئ فلم أقصد تقليب المحطات بل إنه انتقال إلى شاشة أخرى بمفهوم أكثر عولمةً، ألا وهو الكمبيوتر. جهازٌ اعتبر مخترعوه أنهم يُقدّمونه وسيلة لتسهيل الصعوبات العلمية، ولكنهم لم يُدركوا أنه سيأتي يومٌ تستغلّه مؤسسات لتسهيل أمور أخرى. playstation ، كلمة لم تعُد أجنبية عن معظم بيوتنا، فهي لعبةٌ يأنسها أبناؤنا بل الأحرى "يتنافس عليها الآباء والأبناء من عساه يُدمر أكثر!". هذا لو سألت أحد روّاد مركز الانترنت وال playstation، والذي يأتي إلى المركز "لأنّ اللَّعب هنا أفضل والألعاب أجمل". وهنا يحقُّ لنا أن نسأل لِمَ يُهرول أولادنا إلى ساحات مقاهي الانترنت وال playstation، ألأفضلية الألعاب كما يعلّلون أم للهروب من الرقابة المنزلية؟ يُجيب مالك مركز "ملاك نت" للانترنت وCD الألعاب، بأن المشكلة الحقيقية في مراكز الألعاب هي الأجواء اللاأخلاقية التي يُثيرها البعض في المكان، من سُبابٍ وبذاءةٍ،  أما اللعبة بحدّ ذاتها فهي سليمة فيما لو لم يكُن صاحب المركز يُسرّب أقراصاً (CD) إباحية لجذب هؤلاء الشباب أو الأولاد". أما الدّاء الأعظم والذي يتفشى أكثر فأكثر فهو داء الـ chat أو المحادثة عبر الانترنت. قف أمام الشاشة اضغط زراً معيناً لتُصبح في رحاب جزءٍ كوني يتيه في أنحاء  العالم! تخيّر شخصاً وابدأ الحديث!

يقول مالك "ملاك نت" أن هناك من يأتي لإجراء أبحاثٍ علمية تبعاً لما يوفّره الانترنت من سهولة وتوفير في الوقت والمال، وهم بنسبة ثلاثين بالمئة من عامة الزبائن، والباقي  يقصد المركز بهدف الـ chat 70% من الزبائن". أما الـ chat فتتعملق خطواته من حديث عام إلى تعارف، إلى مواضيع تختلف مضامينها، إلى تبادل الصور عبر الكاميرا، وغيرها، كما تتنوّع أساليب التعبير فيها والتي  تعتمد على شرعية المكان حسبما يُعبّر الأخير. والغرابة أو ما أسميناه بالداء وقد يكون إدماناً، هو أن من يتعلّق بهذه الوسيلة الـ chat، تتهاوى أمامه باقي الأمور. فبعض زبائن هذا المركز يجلس 12 ساعة، وآخر   18 ساعة، وقد يصل الحال بأحدهم إلى 36 ساعة متواصلة دون نوم أو راحة. فأيُّ أهمية جاذبة تبثُّها هذه البرامج، علّها سفرة للزواج في أميركا أو الخليج كما حصل مع  شابين من روّاد المكان، أو قد يكون اتصالاً بأحد الأجهزة في بقعة من هذه الأرض؟ من يدري! لا تنفرد الـ chat بالخطر في هذه المراكز، بل توازيها عمليات الغوص في مدلهمّات الصفحات المظلمة واللاأخلاقية "وهذا مطلب الكثيرين، فتياناً كانوا أم فتيات". هذا هو الكون الذي يدقُّ بعضُ أبنائنا أبوابه لا سيما في فترة الصيف حيث الوقت يتّسع والإذن بالخروج أسهل. فبعضُ الحرصِ لا بمنعِ الجيل كما يُعبّر أحدهم بل بتخيُّر أماكن  الارتياد.

* في أحضان الحياة:
يهزّنا الصيف وما فيه من حرارةٍ الشباب والطقس، إلى الاستجمام والخروج لملاقاة الطبيعة، خاصة لمن قست عليه أيام الدراسة الباردة. تقنعُ بعض العائلات بإرسال أولادها كما سبق، إلى مراكز الانترنت أو للأكثر حرصاً، شاشة التلفزيون، لقضاء أوقات فراغهم. وكما ذكر الشيخ ضاهر فإن الغاية المُثلى للشاشة هي عملية ملاءمة مهارات المشاهد ورغباته مع المجالات المتاحة في المجتمع. فالرياضة، الرحلات، الألعاب الدورات  فكرية كانت أو جسدية،كلُّها ينصح بها جميع المختصين كمتنفّسٍ سليم للأولاد والشباب. ولكن "يشكو مجتمعنا من ندرةٍ في الأماكن التي تُمكن عائلاتنا من قضاء عطلهم  بأجواء صحية ونفسية جيّدة، دون تلوّثٍ لأطراف العائلة من خروقات أدبية أو شرعية وسواها". هذا ما أفاده الحاج حسين قلّوط، المسؤول الثقافي في جمعية إمداد الإمام  الخميني قدس سره، والمعني بسياسة منتجع الإمام الخميني قدس سره في البقاع. هذا المنتجع يُزهر كمرتعٍ يجتذب الكثير من العائلات المحافظة والتي تسعى للراحة بعيداً عن الأجواء التي تتقلّب بها بعض المنتجعات الأخرى من استباحة حرية النظر  والسمع... "ورغم أن هذا المنتجع أُنشئ لترفيه عائلات جمعية الإمداد بشكل خاص، وهي الفئة التي تسعى الجمعية لرعايتها بمجمل الحاجات، إلا أن المنتجع يستقبل عائلات  من خارج الجمعية، كما يُقيم أنشطة رياضية ومسابقات ورحلات تخييمية لبعض الشرائح العمرية". ونضم أمنياتنا إلى أمنية الحاج قلّوط "بأن تزيد إمكانيات المجتمع بشكل عام والجمعية بشكل خاص لإنشاء المزيد من المنتجعات أو النوادي ليتمكن أبناؤنا من التحليق في عالم  طفولتهم وشبابهم دون الإقصاء عن البرامج التربوية، الثقافية والدينية اللازمة" الشاشات، مراكز الألعاب والمنتجعات، هي جُزءٌ من المرافق التي يتوافد إليها أبناؤنا في هذا الفصل، ومعظمها سلاحٌ ذو حدّين. وما هذا الفصل، الصيف، بمختلف عن غيره بالكثير، سوى أن فيه متسعاً من الفراغ يدعونا لمزيدٍ من الجهد والمتابعة والإرشاد. فليس الفساد صفةً للمجتمع، بل قلّةُ الإرشاد ة تُفسد الانخراط فيه، وكما يُقال "لا إفراط ولا تفريط".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع