صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

تاريخ الحوزة العلمية

الشيخ حسن الهادي (*)

 



لا يمكن للباحث في تاريخ الحوزة العلمية فصل الكلام عن الحركة العلمية الأولى في تاريخ الإسلام، التي وضعت لبنتها الأولى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في بدايات الدعوة الإسلامية والأئمة المعصومين و وأصحابهم من بعدهم و، حيث اتخذوا من منازلهم و ومن المساجد مراكز للعلم والمعرفة، فكان المسجد النبوي المبارك مركزاً علمياً لتلقي العلوم والمعارف، وتعليم القران الكريم للناس، حتى أخذت بعض المساجد صفة المدارس فيما بعد، ومن بين هذه المساجد: مسجد الكوفة، ومسجد البصرة، وبعض مساجد بغداد ومصر وغيرها... هذا، ويعتبر عهد الصادقين (الإمام محمد الباقر عليه السلام والإمام جعفر الصادق عليه السلام) هو عصر انتشار علوم آل محمد عليه السلام(1)، فكان لكل منهما و رواقه في المسجد النبوي الشريف، وكان لكل منهما في بيته مجلس عامر بالرواة وطلبة العلم، هذا إلى جانب النشاط العلمي الكبير للإمام جعفر الصادق د في مسجد الكوفة، وقد ازدهرت الحركة العلمية في هذا العصر، بحيث إن أصحابه من الطلاب والفقهاء قد رووا عنه آلاف الأحاديث، وألّفوا في ذلك العصر العشرات من المصنفات والكتب، وجمعوا المعقول والمنقول من هدي الصادقين و. وبعد ردهة من الزمن، ونتيجة تطوّر العلوم وتنوّع أساليبها وكثرة المتعلِّمين، توجّه المسلمون نحو تأسيس المدارس الإسلامية، والانفصال عن المساجد، فانتشرت المدارس في مناطق متعدِّدة مثل خراسان وبخارى ونيسابور (نيشابور عاصمة خراسان انذاك) وبغداد ومصر والحجاز والأندلس...

* الحوزة في عصر الغيبة:
لقد مرّت الحوزة العلميّة في عصر الغيبة في عدة مراحل:

1- قم والري:
توجهت الأنظار في عصر الغيبة الكبرى للإمام المهدي ب نحو مدينتي قم والري، فكانت مدينة الري عامرة بالمدارس، وحافلة بالعلماء والفقهاء والمحدّثين، وكذا الحال في قم حيث كان فيها 000,200 رجل من المحدثين(2)، مما أدّى إلى أن يجد علماء الشيعة الأرضية الصالحة لنشر الفقه الإسلامي، ولهذا فإن الحوزة العلمية في قم المقدسة هي من أقدم الحوزات العلمية الشيعية كما يشير الإمام السيد علي الخامنئي"دام ظله" فيقول: "وقد كانت حوزة قم في عهد آخر ثلاثة من أئمتنا (الأئمة الجواد والهادي والعسكري عليه السلام) وهو ما عرف بعهد القميين، حوزة علمية بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ إذ كان يتم فيها التدريس، والتتلمذ، والبحث والتدوين والنشر، ومن هنا يمكن عدّ حوزة قم من أقدم حوزاتنا العلمية وهو ما تدل عليه آثار العظماء من أمثال الأشعريين وال بابويه وآخرين"(3).

2- بغداد:
في القرن الخامس الهجري انتقلت الحوزة العلمية والنشاط العلمي لعلماء وفقهاء الإمامية إلى بغداد، ونتيجة الأجواء الفكرية والسياسية المستقرّة برزت سمات النضج والكمال والازدهار العلمي، فأنجبت مجموعة هامّة من العلماء والفقهاء الذين جمع بعضهم بين المعقول والمنقول أمثال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي، بالإضافة إلى مئات العلماء والمجتهدين(4).

3 - النجف الأشرف:
بعد دخول الجيوش السلجوقية إلى بغداد والاعتداء على المراكز العلمية والعلماء وإحراق مكتباتها الزاخرة بآلاف المصادر الأساسية، انتقل الشيخ الطوسي إلى مدينة النجف الأشرف واتخذها مركزاً لإكمال حركته ونشاطه العلمي، فاستقطب طلبة العلوم الدينية من الأقطار المختلفة... وفي هذه الأجواء بزغ نور حوزة النجف الأشرف، واستقرَّت العلوم فيها، فأصبحت مركزاً للعلم، وجامعة كبرى للإسلام... وتخرّج منها الآلاف المؤلفّة من أعاظم الفقهاء، والفلاسفة والمتكلمين والمفسّرين(5)...

4- حوزة الحلّة:
عرفت حوزة النجف بعد وفاة الشيخ الطوسي نوعا من الركود والجمود، وتأثرت عجلة الحركة العلمية بالظروف السياسية الناتجة عن غزو المغول للعالم الإسلامي، فكان أن انتقلت الحوزة العلمية إلى "الحِلّة"، فاستقطبت علماء كثر من بغداد والنجف، كابن إدريس الحلي، والمحقق الحلي، والعلامة وغيرهم... وقد استطاع علماؤها إعادة إحياء الاجتهاد، ومحو آثار التقليد(6)، ورفع حالة الركود والجمود التي انعكست على الحركة العلمية في النجف.

5- حوزة كربلاء:
كانت كربلاء في القرن الثاني عشر مركزاً لتجمع الإخباريين، وهو ما جعل الشيخ يوسف البحراني يتخذ منها موطناً(7)، ويؤسس فيها مركزاً علمياً، له الأثر البالغ على ضمور البحث الأصولي في حوزة النجف، مما أدّى إلى تحوّل هذه الحوزة إلى مسرح للصراع العلمي والفكري بين الاتجاهين الأصولي والأخباري، الذي كان له الكثير من الفوائد التي انعكست على حركة العلم والاجتهاد.

6- عودة إلى النجف:
يظهر مما ذكره المؤرخون أن الوحيد البهبهاني(8) وصمّم بكل عزيمة وإصرار على مواجهة الأخباريين، حتى قيل: إنه ارتقى منبر درس الشيخ يوسف البحراني وباحث تلامذته ثلاثة أيام، فعدل ثلثا التلاميذ إلى مذهب الأصولية(9). وانتهت هذه المعركة الفكرية في كربلاء بفضل موقف الشيخ البحراني المعتدل، لتنتقل إلى النجف بين زميلي الدرس الشيخ جعفر الكبير والميرزا محمد الأخباري الذي مثّل المرحلة الأخيرة للأخبارية(10). وبعد وفاة الوحيد البهبهاني سنة 1208ه الذي كان المرجع الأعلى للإمامية عادت المرجعية إلى النجف الأشرف وتسلم منصبها تلميذه السيد محمد مهدي بحر العلوم، وأعاد لجامعة النجف مركزها العلمي المرموق.

7 - عودة إلى حوزة قم المقدسة:
عرفت الحوزة العلمية في قم فترات أوج وركود، ثم تجدّدت معالمها ونهضت بفضل مساعي الشيخ عبد الكريم الحائري، الذي حضر إلى مدينة قم سنة 1340ه وعمل على تنظيم الحوزة وطلابها وبرامجها، مما جعلها مركزاً علمياً كبيراً له شأنه العالي، فتخرج منها مئات العلماء والفقهاء والمجتهدين وغيرهم في بقية العلوم، وما زالت الحوزة العلمية في قم المقدّسة تتألق في عالم العلم والمعرفة والاجتهاد إلى أيامنا هذه، في أحضان الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران بإشراف ورعاية سماحة آية اللَّه العظمى الإمام السيد علي الخامنئي"دام ظله"، وبقية المراجع والعلماء والأساتذة من أهل العلم والفضل. وتنتشر الآن مجموعة من المراكز والحوزات العلمية في بعض مناطق إيران مثل خراسان، وفي بلاد الشام وبعض دول الخليج والحجاز...


(*) المدير التعليمي في حوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
(1) الشيخ الطهراني، الذريعة.
(2) محمد مهدي الآصفي، مقدمة الروضة البهية، ط: النجف.
(3) نداء الإمام الخامنئي إلى الحوزات العلمية.
(4) محسن الأمين، أعيان الشيعة، ط: بيروت.
(5) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ط: بيروت، ج‏9.
(6) الشيخ الآصفي، مقدمة الروضة البهية.
(7) عبد الهادي الفضلي، تاريخ التشريع الإسلامي، ص‏437.
(8) هو محمد باقر محمد أكمل البهبهاني الحائري الملقب بالوحيد البهبهاني المتوفي سنة 1208ه.
(9) تنقيح المقال، ج‏2، نقلاً عن تاريخ التشريع الإسلامي، للشيخ الفضلي، ص‏451.
(10) د. الفضلي، تاريخ التشريع الإسلامي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع